سياسة

نيويورك تايمز: دولة الستينيات البوليسية تعود في مصر

تكتب  الصحفية سارة خورشيد في نيويرك تايمز شهادتها عن  تعرضها وشقيقتها والصحفي الفرنسي البارز آلان جريش للإحتجاز في القاهرة بعد “دردشة” في المقهى عن الأوضاع في مصر.

EGYPT-master675

سارة خورشيد – نيويورك تايمز

ترجمة – محمود مصطفى

يبدو أن مصر تتجه للعودة إلى الستينيات عندما قام جمال عبد الناصر بسابقة في العالم العربي كله بإنشاء دولة بوليسية قمعت بوحشية المعارضين وأشاعت الخوف بين مواطنيها.

في الأسبوع الماضي، فيما بدا أنه ظهيرة يوم ثلاثاء هادئة، شهدت مباشرة ما يعنيه العيش في مناخ مفرط القومية، حيث تشجع الدولة والإعلام المصطف المواطن العادي على الإبلاغ عن مواطنيه المصريين,

كنت أجلس في مقهى قاهري مع شقيقتي ومع مدير تحرير صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” آلان جريش نناقش الوضع في مصر عندما نهضت زبونة أخرى بالمقهى وصاحت فينا “انتوا عايزين تخربوا البلد!”. حاولنا تجاهلها لكننا لم ندرك أنها أبلغت ضباط الشرطة في الخارج بأن أجنبي وسيدتين مصريتين كانوا يتآمرون ضد مصر.

فور أن أنهينا لقائنا وغادرنا المقهى القريب من السفارتين الأمريكية والبريطانية أوقفنا ضابط أمن وأخذوا بطاقات هويتنا وجواز سفر جريش الفرنسي،  وبدأوا في استجوابنا بسؤال جريش عن سبب وجوده في مصر وبسؤالي كيف ولماذا أعرف صحفياً فرنسياً.

أخبرني الضابط أنهم اكتشفوا من خلال التنصت علينا أنني أكتب لصحيفة مصرية كما فهموا أنني أحمل بكالوريوس العلوم السياسية كما لو كان هذا دليلاً على الأنشطة التحريضية.

وبينما كنت محتجزة لمدة ساعتين تذكرت لقائي بصديق سوري في مقهى بدمشق عام 2008. بدأت الحديث حينها بشكل اعتيادي حول السياسة وقتها ولدهشتي أوقفني سريعاً وهمس بأن النادلة قد تبلغ عنا الشرطة السورية.

اقرأ: آلان جريش ..هكذا احتجزت في القاهرة

حينها فقط أدركت كيف كان الوضع سيئاً في سوريا وكيف كان لدينا هامش انفتاح في مصر في عهد حسني مبارك بالمقارنة. وبالرغم من أن الموقف لو تكرر في سوريا لانتهى الأمربي في السجن إلا أني أرى أن مصر تسلك نفس الاتجاه. لم أتخيل أبداً أننا سنصل إلى مثل هذه االنقطة بعد ثلاثة سنوات من إسقاط مبارك.

كان يجب علينا كلنا أن نرى هذا قادماً، الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق الذي أطاح بمحمد مرسي عقب احتجاجات شعبية ضد الاخوان المسلمين، حذر المواطنين بتكرار من “المؤامرة” لإسقاط مصر. سُجن العديد من صحفيي الجزيرة لأشهر وتقوم وسائل الإعلام المملوكة لرجال أعمال مؤيدين للسيسي بزرع الخوف بشكل منهجي في نفوس المصريين من أي أحد يجرؤ على انتقاد الوضع الحالي ، أو يشكك في اداء الحكومة والأجهزة الأمنية.

ادعم الدولة وامتنع عن انتقادها وإلا ستنحدر مصر إلى مصير سوريا أو ليبيا أو العراق.” هكذا قيل لنا.

هذا أسوأ من الوضع تحت حكم مبارك حينما كان إعلام الدولة فقط هو الذي يتبنى سياسة تحريرية لا تحدي عن تأييد الحكومة والإعلام الخاص كان أكثر انفتاحاً على الآراء المتنوعة. الآن تبدو النخبة الحاكمة أقل ثقة في قدرتها على تحمل النقد.

مساحة حرية التعبير عن الرأي التي كانت موجودة تضيق، في البداية بعد وقت قليل من عزل كرسي، أوقفت محطات التلفزيون المؤيدة للاخوان المسلمين ومنع الإسلاميون من الظهور على القنوات المصرية الحكومية والخاصة.

بمرور الوقت بدأت أصوات غير الإسلاميين والليبراليين في الإختفاء كذلك وبدا واضحاً أن الأصوات المنتقدة من مختلف التيارات لن يكون مرحباً بها بعد ذلك. مثال شهير على ذلك هو إيقاف برنامج الساخر المصري باسم يوسف، ربما السبب هو ضغوط من أجل رقابة ذاتية أكثر منه إيقافاً صريحاً.

ومؤخراً، بعد أن قتل المسلحون ثلاثين جندياً في سيناء، أصدر رؤساء تحرير 17 صحيفة خاصة وحكومية بياناً مشتركاً يتعهدون فيه بمكافحة “تسلل العناصر الداعمة للإرهاب في الصحافة”. في الواقع أي شخص يشكك في كفاءة الحكومة أو وزارة الداخلية أو القوات المسلحة يتم اعتباره أوتوماتيكياً داعماً للإرهاب.

يصدق هذا الأمر الكثير من المصريين الذين يدعمون بيأس دولة قمعية على أمل تجنب مصير الجيران المضطربين.

وبذلك فنحن ننتكس عائدين إلى الستينات عندما كان الأبناء يبلغون الشرطة عن آبائهم.

بدت المرأة التي أبلغت عنا كأي امرأة مصرية متوسطة، مثل أمي أو جيراني، كانت من الطبقة المتوسطة العليا وبدت في خمسينات العمر وكانت ترتدي حجاباً مثلي ومثل شقيقتي.

بدت غاضبة ومخلصة، رأيت الكثيرين مثلها في الأشهر الأخيرة، حتى في دائرتي الخاصة، أشخاص عاديون يصدقون فعلاً أنهم يخدمون بلدهم بالتشكيك في ولاء مواطنيهم. ليس مهماً مظهرهم أو الطبقة الاجتماعية والإقتصادية التي ينتمون إليها، قد يكونون رجالاً أو نساءاً علمانيين أو ضد العلمانيين.

الإنقسامات عميقة لدرجة أن من لهم آراء معارضة يواجهة صعوبات أكبر وأكبر في تحدي الرأي العام السائد، ولم لا إذا كان السياسيون ومقدمو البرامج التلفزيونية البارزون الذين يثقون فيهم حرضوا بشكل متكرر ضد “الخونة” الذين تآمروا مع “لاعبين أجانب” ضد الدولة المصرية والجيش.

بعد اتصال جريش بالسفارة الفرنسية ونقيب الصحفيين المصريين تلقى أحد الضباط الذين يحققون معه اتصالاً أكد فيه للمتصل أنه سيعيد لجريش جواز سفره ويسمح له بالمغادرة. لحسن حظي أنا وشقيقتي أصر جريش على البقاء حتى إطلاق سراحنا كذلك. بعد ممانعة طويلة، أعاد الضباط لنا بطاقات هويتنا وتركونا نذهب فجأة.

يمكن أن نفترض أن أياً من كان قد اتصل بالضباط من الحكومة خشي من فضيحة تنتشر في الإعلام الدولي عن مدير تحرير فرنسي احتجز وتعرض للاستجواب بدون سبب. وهذا على الأرجح هو السبب الذي تلقى من أجله جريش اتصالاً بعد ذلك من وزارة الداخلية يطلب منه مقابلة مسئول حقوق الإنسان بوزارة الداخلية الذي اعتذر له عما حدث.

بالرغم من كل شيء تدرك حكومة السيسي حاجتها لإبقاء الصحافة الأجنبية في صفها بدرجة ما فيما تثبط الصحافة المحلية.

ما لا يعرفه السيسي ومن يعبدونه هو أن قمع حرية التعبير عن الرأي لم يحم الدول السلطوية في الماضي،  وأنه لن يجعل مصر في الحاضر أكثر أمناً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى