“جيروزاليم بوست”: العلاقات الأوروبية مع أردوغان غير صحية قائمة وغير قائمة على الثقة أو المصالح والقيم المشتركة
ترجمة: ماري مراد
المصدر: جيروزاليم بوست”
شنّت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية في افتتاحيتها، انتقادا لاذعا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان متهمة إياه باتباع سياسة متناقضة، ففي الوقت الذي يدافع فيه عن الفلسطينيون من بطش إسرائيل يشارك في قتل الأبرياء في عفرين السورية، ويطهر البلاد من المعارضة حاذفا بذلك اسم بلاده من المجتمعات الديمقراطية.
جاء هذا على خلفية الحرب الكلامية التي دارت بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بدأت بتغريدة من أردوغان بالتزامن مع مقتل 17 فلسطينيا وجرح أكثر من 1400 آخرين في مواجهات مع القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، الجمعة، وقال حينها إن “إسرائيل ستقع عاجلا أم آجلا تحت أنقاض الظلم الذي تمارسه في فلسطين”، ليرد عليه نتنياهو بعد ذلك بأن جيش إسرائيل “لن يقبل دروسا في الأخلاق ممن يقصف المدنيين بشكل عشوائي منذ سنوات طويلة”.
وإلى نص الافتتاحية:
المعايير المزدوجة والنفاق ليس شيئا جديدا على الرئيس التركي، رجل العثمانية الجديدة القوي رجب طيب أردوغان (العثمانية الجديدة هي أيديولوجيا سياسية تركية تروج في معناها الواسع للارتباط الأكبر بالمناطق التي كانت مسبقا تحت الحكم العثمانيين).
من ناحية، أردوغان يستخدم التهديدات والتخويف لخنق الجهود الدولية للاعتراف بدور تركيا في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الأرمني، ومن ناحية أخرى، هو لا يخشى تشويه ذكرى الهولوكوست، ففي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، صورت صحيفة تركية تدعم أردوغان بقوة المستشار الألمانية أنجيلا ميركل على غلافها كأدولف هتل، إذ وضعت لها شاربا وعلى ذراعها إشارة الصليب المعقوف، وادعت أنها لديها “عقلية نازية”، وفي مناسبات عدة دعا أردوغان ميركل بالنازية.
في حين أن أردوغان يقمع كل أشكال المعارضة في وسائل الإعلام بين المفكرين والجامعات، فإنه يصر على قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، وحينما يعارض سياسيون أوروبيون مثل ميركل الاعتراف بتركيا -ما دامت حكومة أردوغان لا تحترم حقوق الإنسان وتعتقل الصحفيين أصحاب الفكر المستقل، وتطهر المثقفين من الجامعات وتهدد وتخيف السياسيين المعارضين ورجال الأعمال العلمانيين- ينعتها أردوغان بـ”النازية”.
تركيا تحت حكم أردوغان -كحليف للناتو- تتسل دعما عسكريا من الولايات المتحدة، وحتى الآن تستخدم أنقرة مقاتلات “إف 16” الأمريكية لقتل السوريين الأكراد، أهم حلفاء أمريكا في الحرب ضد داعش وتعتبر الأكراد قوة من ضمن القوات الديمقراطية الحقيقية القليلة التي تعمل في سوريا.
لذا، حينما يتبادل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الانتقادات مع أردوغان على موقع “تويتر” الأحد، وإشارته إلى نفاق الرجل القوي التركي في انتقاد إسرائيل للدفاع عن حدودها مع قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، فهو كان يقول ما هو واضح.
ما هو أقل وضوحا، رغم ذلك، هو الشرعية الدولية المستمرة لنظام أردوغان، في 2016 وقع انقلاب عسكري خدم أردوغان، إذ استخدمه للقضاء على بقايا المؤسسات الديمقراطية التركية وإطلاق عملية تطهير من خصومه السياسيين، وتمت معاقبة أكثر من 100 ألف شخص بطرق مختلفة تتراوح بين إطلاق النار والسجن.
وفي أبريل الماضي، استبدل استفتاء شابته اتهامات بالتزوير في الانتخابات، الحكومة البرلمانية التركية برئاسية تسمح لأردوغان بالبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى، واقتصر التصويت “نعم” على الريف التركي حيث تزدهر الأمية وعدم المساواة بين الجنسين والأصولية الدينية.
ومع ذلك، فقد جادل القادة الأوروبيون من كل خط سياسي تقريبا لحصول تركيا على عضوية في الاتحاد الأوروبي، وفي الأسبوع الماضي استضاف كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي الرجل التركي القوي في فارنا على ساحل بلغاريا على البحر الأسود، لقد مكنت القمة أردوغان من الحفاظ على أمل بعيد المنال بأن تركيا ستنضم في يوم من الأيام إلى الاتحاد الأوروبي.
كيف يمكن للاتحاد الأوروبي، الذي يُزعم أنه معقل الليبرالية والانفتاح، أن يفكر حتى في ترشيح تركيا؟ يسيطر النظام الإسلامي المناهض للديمقراطية في البلاد الآن على جميع وسائل الإعلام الرئيسية والنظام القانوني، في حين أنه يشن هجومًا عسكريًا ضد الأكراد السوريين، أحد القوى القليلة المؤيدة للديمقراطية في الشرق الأوسط.
كيف تستمر الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى في التغاضي عن عضوية تركيا في حلف الناتو، وهو أهم تحالف عسكري تمتلكه القوى الغربية؟
جزء من السبب يتعلق بدور تركيا في وقف موجات المهاجرين السوريين إلى أوروبا، وبدلا من تحمل المسؤولية عن حدودهم، يفضل الأوروبيون تفويض المهمة إلى تركيا التي تستغل هذه الحقيقة لاستخراج أموال المساعدات من الاتحاد الأوروبي والضغط عليه لإطلاق محاولة جديدة للسماح لها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
هذه علاقة غير صحية مبنية على الخوف وليس الثقة أو المصالح والقيم المشتركة، عندما اكتشفت إسرائيل محاولاتها الفاشلة للمصالحة مع أنقرة في أعقاب حادث إم في مافي مرمرة، يرى أردوغان نفسه ممثلا لأجندة معادية للغرب مؤيدة للإسلاميين ذات شعبية في العالم الإسلامي، وهو ليست لديه مصلحة في تبني القيم الغربية والديمقراطية.
(في 31 مايو 2010 داهمت قوات البحرية الإسرائيلية النشطاء الحقوقيين على متن السفينة في المياه الدولية للحيلولة دون وصولها إلى غزة، وأدى الهجوم إلى مقتل 10 ناشطين أتراك وإصابة 60 آخرين، وصرحت مصادر إسرائيلية بإصابة 10 جنود إسرائيليين).
حان الوقت لمزيد من القادة الدوليين، لا سيما في أوروبا، لينضموا إلى نتنياهو في الإدانة العامة لنفاق أردوغان، ومن خلال أفعاله، أزال أردوغان بلاده من المجتمعات الديمقراطية، ولا بد أن يواجه العواقب.