كلوني : 221 سيدة تم اغتصابها خلال 36 ساعة في قرية تابت
نيويورك تايمز – ترجمة: محمد الصباغ
مع بداية الألفية، أدى الصراع الوحشي في غرب السودان بين الحكومة و المتمردين إلى مقتل مئات الآلاف من سكان دارفور، و أصبح الملايين بين لاجئيين و مشردين. و في عام 2004 أعلنت الولايات المتحدة أن الممارسات السودانية هى “حرب إبادة جماعية”.
وعقب هذا الاهتمام المتزايد و القلق نسي العالم دارفور. بينما – لسوء الحظ – لم تنس الحكومة السودانية هذا الإقليم.
الأبواب التي تنفتح على الحياة محدودة بسبب منع الحكومة السودانية للصحفيين من دخول إقليم دارفور و فرضها قيوداً كبيرة على أعمال الإغاثة الإنسانية. و استطاعت الحكومة أيضاً أن تجعل القوات المشتركة لحفظ السلام من الأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي تصمت عن المخاوف حول حقوق الإنسان و ذلك بغلق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العاصمة الخرطوم، و بعرقلة التحقيقات في الانتهاكات المزعزمة لحقوق الإنسان، و أيضاً ضغطت السودان على قوات حفظ السلام لتنسحب.
في الأسبوع الماضي فقط، ذُكر أن النظام السوداني أقنع قوات حفظ السلام إلى بالانسحاب من بعض المناطق التى قال عنها أنها آمنة، آملاً إلا يلقي أحد نظرة عن قرب. و نتيجة لذلك، استمرت الأعمال الوحشية الجماعية دون أي شاهد عيان من الخارج. و هي نفس الظروف التي تحدث في مناطق النيل الأزرق وجبال النوبة في الجنوب و اللتين دمرتهما سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها الحكومة.
و مع ذلك يظهر دليل من حين لآخر. فقام بعض الصحفيين و المدافعون عن حقوق الإنسان في دارفور و جبال النوبة في السنوات الأخيرة بتسريب مقاطع فيديو تظهر قصفا بالقنابل و حرقا للمدن. و أكدت صوراً تم التقاطها بواسطة مشروعنا للمراقبة بالأقمار الصناعية ”سنتينيال“ حدوث القصف و الحرق المنتظم في ستة قرى على الأقل في منطقة جبل مرة بشرق دارفور العام الماضي.
و لتجنب المراقبة قامت الحكومة بإنفاق ملايين الدولارات لبناء ”قرى نموذجية“ و قامت قطر بتمويل ذلك. و تشجع الحكومة أيضاً سكان دارفور النازحين بسبب العنف على الاستقرار فيها. و وثقت منظمة هيومان رايتس ووتش مؤخراً حادثة مخيفة من الاغتصاب الجماعي في أحد هذه القرى و هى “تابت”.
و عقب جمع أكثر من 130 شاهد عيان و شهادات لبعض الناجين عبر الهاتف، استنتج الباحثون في المنظمة أنه على الأقل هناك 221 سيدة قد تم اغتصابهن على أيدي جنود من الجيش السوداني خلال 36 ساعة في أكتوبر الماضي. و تم اعتراض محاولات قوات حفظ السلام للتحقيق في الأمر من قبل الحكومة، التي سمحت لهم بدخول البلدة لفترة قصيؤة لعمل مقابلات تمت في مناخ من الخوف. و أظهرت مذكرة مسربة من بعثة حفظ السلام أن القوات السودانية كانت متواجدة أثناء اللقاءات و استمعت لبعضها بل و قامت بتسجيل الكثير من تلك المقابلات. و منذ ذلك الوقت يعيش أهل تابت بقيود شديدة على حرية تنقلهم.
يتحكم الجيش في البلدة منذ 2011 و تتواجد قاعدة عسكرية على الضواحي، و لم يحاولون طرد السكان من منازلهم للسيطرة على الأرض. ليس للعنف الجنسي أي أسباب عسكرية، لكنه سياسة للسيطرة المجتمعية، و الهيمنة العرقية و التغيير الديموغرافي. و بتصرفات القوات الحكومية دون وجود ضمان لمسائلة قانونية يصير المجتمع كله ضحية لتلك الأفعال. و تظهر رسالة الإخضاع العرقي أيضاً بين السطور، فالمجموعات الغير عربية هي من يتم خصها بالاضطهاد.
وجدت محاكم حقوق الإنسان حول العالم أن الاغتصابات بواسطة الجيش أو الشرطة تعتبر تعذيباً. فوقت إصدار تقارير النتائج حول الجرائم المرتكبة المماثلة في البوسنة، اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية المختصة بدولة يوغسلافيا السابقة أن اغتصاب الناس من جانب طرفي النزاع كان من صور التعذيب و كان العنف الجنسي يستخدم كوسيلة للإرهاب. و ينطوي الاغتصاب الجماعي في تابت تحت نفس المظلة.
خلال زيارتنا لدارفور و جبال النوبة و مخيمات اللاجئين في البلاد المجاورة، استمعنا إلى قصة وراء قصة تشبه ما حدث في تابت. حالات ”التعذيب بالاغتصاب“ هي مجرد جزء من ترسانة الجرائم السودانية، التي تشمل أيضاً القصف الجوي للمستشفيات و الأراضي الزراعية، و حرق القرى و أيضاً منع المساعدات الغذائية.
و على مدار السنوات تحول السخط الدولي بعيداً عن دارفور. عندما لا يأتي التغيير سريعاً بما فيه الكفاية، ففترات الإهتمام تكون قصيرة. خصوصاً للأماكن التي يبدو أنها لا تملك أهمية إستراتيجية. في العامين الماضيين و بالرغم مما يحدث، أصبح إقليم دارفور مهماً للحكومة السودانية بعد اكتشاف احتياطيات كبيرة من الذهب في شمال الإقليم، وهي المنطقة التى تضم بلدة تابت.
عندما حصل جنوب السودان على الاستقلال عام 2011، خسر الجزء الذي تُرك من السودان مصدره الرئيسي من مصادر النقد الاجنبي و هي عائدات النفط. و لذلك أصبح الذهب هو نفط السودان الجديد.
حسب صندوق النقد الدولي، كسب السودان 1,17 مليار دولار من عائدات بيع الذهب. يستخرج معظم الذهب من دارفور و مناطق النزاع الأخرى. حاولت الحكومة أن تشدد من سيطرتها على مناجم الذهب في الدولة بالتطهير العرقي العنيف.
لسوء الحظ، ينقسم مجلس الأمن بشأن الرد على الجرائم المرتكبة في دارفور و الأجزاء الأخرى من السودان. فروسيا و الصين، اللتن تربطهما علاقات تجارية بالخرطوم من خلال مبيعات السلاح و تعاقدات النفط، تعارضان الضغط على الحكومة السودانية و الذي قد يغير الحسابات و لكن لا يعني ذلك أن المجتمع الدولي لا يمتلك نفوذاً.
أولاً، يجب على البنوك الدولية، و مصافي الذهب، و المؤسسات مثل مركز دبي للسلع المتعددة و رابطة سوق السبائك في لندن أن يحذروا من الذهب السوداني و يبدأوا عمليات دقيقة لتعقب المناجم الأصلية للذهب للتأكد من عائداته لا تغذي جرائم الحرب في دارفور. تبنت صناعة الذهب إجراء مماثل تجاه الموردين في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
ثانياً، فرض المجتمع الدولي عقوبات غير ملائمة و لم تطبق بما يكفي ليكون لها تأثيراً واضحاً. يجب أن تزيد الولايات المتحدة و الدول الأخرى من العقوبات و سرعة تطبيقها للضغط على السودان لمراعاة حقوق الإنسان و التفاوض من أجل السلام. و الأكثر أهمية، يجب أن تكون العقوبات الامريكية الجديدة ضد الوسطاء و يشمل ذلك البنوك السودانية الدولية التى ترتبط بأعمال مع النظام بطريقة مباشرة أو من خلال شركاء.
يذّكر ”التعذيب بالاغتصاب“ في تابت العالم بأن نفس الظروف التى أعلنت فيها الولايات المتحدة أن ما يحدث في دارفور إبادة جماعية مازالت قائمة في نفس المكان، مع نتائج إنسانية مدمرة. لا يجب أن ننسى الناجين، و أن تكون كلفة التنسيق لذلك أو تمكينه رادعة.