سياسة

رويترز: طلاب مصر بين الفصل والقتل

رويترز: طلاب مصر بين الفصل والقتل

126653fafc3cf2e9d558489a91a037f9

رويترز- أمينة إسماعيل

ترجمة- محمد الصباغ

في يونيو 2014، تم فصل طالب الهندسة محمد بدوي من جامعة القاهرة. وقالت الجامعة إن ذلك لعرقلته العملية التعليمية ومشاركته في أعمال شغب خلال مظاهرة ضد حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وذكر بدوي أن فصله بسبب تظاهرة ضد الحكومة ولأنه يدعم جماعة الإخوان المسلمين، الحركة السياسية التي تعتبرها الحكومة المصرية منظمة إرهابية.

اقتحمت قوات الأمن منزله عدة مرات، وفقًا لحديثه. وأكد بدوي أنه من منطلق الخوف على حياته ودراسته دفع لمهربين من أجل إخراجه من البلاد.

رد فعله لم يكن غريبًا. سلّط مقتل الطالب الإيطالي ضوءًا جديدًا على مزاعم وحشية الشرطة في مصر، لكن قرابة العشرات من الطلاب المحليين ذكروا لرويترز أنه تم استهدافهم عبر السنوات الثلاث الماضية وأنهم واجهوا بانتظام العنف والتضييق على أيدي قوات الأمن.

اختفى الإيطالي جوليو ريجيني، 28 عامًا، بالقاهرة يوم 25 يناير 2016. ثم اكتشفت جثته بمنطقة صحراوية على أطراف العاصمة المصرية يوم 3 فبراير. وكان عليها علامات تعذيب شديد. أشارت جماعات حقوقية إلى أن الشرطة المصرية أو أجهزة الأمن ربما تورطوا في ذلك. وقال مسؤولون بالمخابرات والشرطة المصرية لرويترز إنه ريجيني احتجز بأحد أقسام الشرطة يوم اختفائه وتم نقله إلى مقر يديره الأمن الوطني، ونفى وزير الداخلية تورط الشرطة وقال إنهم لم يحتجزوا ريجيني مطلقًا.

قالت منظمات حقوقية وطلاب إنه تحت حكم السيسي أصبحت مطاردة الجامعات المصرية لمئات الطلاب مسألة روتينية، وتمركزت عشرات القوات الأمنية في الحرم الجامعي، وتم فصل مئات الطلاب للاشتباه في انتماءاتهم الإسلامية، والاعتداء وتعذيب كثيرين ممن ألقي القبض عليهم. اعترف بعض من المقبوض عليهم بدعم أو الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وأنهم شاركوا أحيانًا في المظاهرات التي شهدت أعمال عنف. لكن عادة، كانوا يقولون، إن ما فعلوه كان ردا على انتهاكات قوات الأمن.

قُتل 20 طالبًا على يد مسؤولين أمنيين في أكثر من حرم جامعي سواء في أثناء التظاهر أو بالقرب من مظاهرات، وفقًا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، المنظمة غير الحكومية التي يعمل بها عدد من المحامين والباحثين، ولم يتثنّ لرويترز التحقق من تلك المعلومات.

وأضافت المؤسسة أن أكثر من 790 طالبًا ألقي القبض عليهم، وأغلبهم بسبب التظاهر ضد الحكومة، حيث أحيل 89 على الأقل منهم إلى محاكمات عسكرية، وصدر ضد بعضهم أحكام بالإعدام أو المؤبد.

يقول0 مسؤولون من الجامعتين إنه من بين 700 ألف طالب، تم فصل 819 طالبًا على الأقل منذ عام 2013، وهو العام الذي أطاح فيه السيسي بحكومة محمد مرسي. وقالوا إن الطلاب فصلوا بسبب العنف ومخالفة القانون، ولم تستطع رويترز التحقق من تلك الأرقام من خلال مصادر مستقلة.

في العام الماضي، قال قضاة ومسؤولون جامعيون ومحامون كبار، إن عدد المفصولين كان قليلا لذلك لم يحصوه.

ورفض مسؤول بوزارة الداخلية التعليق على الاتهامات العامة الموجهة إليهم، وقال إنه فقط يرد على حالات محددة. وكان السيسي قد وصف الجماعات الإسلامية، ومن بينها الإخوان المسلمون، بأنها خطر على مصر والعالم العربي والإسلامي.

وأكد مسؤول شرطي بارز أن الطلاب المسجونين واجه أغلبهم ”اتهامات بالانضمام لجماعات إرهابية والتحريض على العنف.“ وأضاف أنه لا وجود للتعذيب في أقسام الشرطة بمصر قائلًا: ”أي حالة تعذيب تحدث هي حالة فردية.“

من جانبهم، قال رؤساء الجامعات إنه لا حملات ضد الطلاب. وقال أحد الرؤساء إن فرصة ثانية ستعطى للطلاب لو اعتذروا عن التظاهر وارتكاب العنف.

لكن محمد ناجي، الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، أكد أن الجهود كانت تتضافر لملاحقة الطلاب. وقال: ”هذا العصر هو الأسوأ للطلاب. لم أر من قبل ما يحدث من فصل مئات الطلاب من الجامعات. لم يكن التعامل مع الطلاب بهذه الوحشية من قبل.“

ألقي القبض على ناجي نفسه في 25 أبريل، خلال مظاهرات ضد الحكومة. وفي 14 مايو قررت محكمة سجنه 5 أعوام وتغريمه 100 ألف جنيه. وبعد 10 أيام تراجعت المحكمة عن جزء الحبس.

أما طالب الهندسة، بدوي، فقال إنه قرر مغادرة مصر خوفًا من انتهاء الأمر به في السجن. وأضاف أنه سافر لخمسة أيام على ظهر شاحنة صغيرة وسط العواصف الرملية، ومر بقوات حرس الحدود المعججين بالسلاح.

وبعد أسبوعين، وصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم، ثم سافر إلى تركيا. واجه صعوبات كثيرة سواء مادية أو تتعلق باللغة، لكنه قال إنه والأربعة الذين سافروا معه يشعرون بالأمان، حتى مع عدم التأكد من مصير مستقبلهم.

وتابع: ”في اللحظة التي عبرنا فيها الحدود وكنا في أمان، سجدنا.“ وأضاف في مكالمة هاتفية: ”بالطبع، سنواجع صعوبات، لكن يبقى الوضع أفضل من الحياة بالداخل.“

وفي الأيام الأخيرة، أصدر القضاء حكمًا بعودة عشرات الطلاب إلى جامعاتهم، وكان بدوي من بينهم.

وعلّق بدوي: ”لا أشعر بالسعادة على الإطلاق.“ بعد عامين من الفصل، أشعر بالغضب بعد ضياع تلك الأعوام، وعدم قدرتي على إكمال تعليمي.

العودة إلى الحرم الجامعي

بدأ التضييق على الطلاب بعد فترة ليست بالطويلة من سيطرة السيسي على السلطة في 2013. تظاهر ملايين المصريين ضد حكم الرئيس محمد مرسي المنتخب ديمقراطيًا، والمنتمي للإخوان المسلمين. ثم أجبر الجيش وعلى رأسه آنذاك السيسي، مرسي على الرحيل وامتلكوا مقاليد الأمور.

أعلنت الحكومة الجديدة أن الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وهو التصنيف الذي ترفضه الجماعة. وبدأت أعنف حملة ضد الإسلاميين في تاريخ مصر الحديث. قتلت قوات الأمن مئات من أنصار مرسي في اعتصامين بالقاهرة. وألقي القبض على آلاف آخرين بينهم ليبراليون.

في فبراير 2014، عدلت الحكومة من القانون لإعطاء رؤساء الجامعات سلطة فصل الطلاب دون إنذار مسبق. وخلال شهر يونيو، بعد شهر تقريبًا من وصول السيسي إلى الحكم، ألغيت انتخابات الجامعات وتم إعطاء الحكومة مرة أخرى سلطة تعيين رؤساء الجامعات والعمداء بالكليات. كما تم السماح مرة أخرى لقوات الأمن بالعودة مرة أخرى، بعد تنفيذ قرار منعها من التواجد داخل أي حرم جامعي في أعقاب انتفاضة 2011.

قال رئيس جامعة القاهرة، جابر نصار، والذي شارك في صياغة التعديلات، إنهم كانوا بحاجة إلى إعطاء رؤساء الجامعات سلطة ”فصل الطلاب المشاركين بالعنف بشكل سريع،“ ليكونوا قادرين على مواجهة العنف ”بسيف القانون،“ ودون ”تحقيق.“
الطرد من الجامعة
أن يتم فصلك من الجامعة فتلك ضربة قوية في مصر. فالشهادة ضرورية، ومع الفصل، يكون هناك فرصة ضئيلة للدراسة بمكان آخر. في يناير 2014، ألغى المجلس الأعلى للجامعات، فكرة قبول الجامعات الخاصة لطلاب مفصولين.
كما يتم منع الطلاب المفصولين من استكمال دراستهم بالخارج أيضًان لأن لديهم سجلا إجراميا -سواء له علاقة بالمحاكمات أو التظاهر ضد الحكومة. كما لا يسمح للشباب بمغادرة البلاد دون الانتهاء من الخدمة العسكرية أو الإعفاء رسميا، مما يجبر البعض، مثل بدوي، على الرحيل سرًا.
كان أغلب الطلاب المفصولين يدرسون بجامعتي الأزهر أو القاهرة، وفقًا لمسؤول شرطي.
فصلت جامعة الأزهر وحدها 419 طالبًا خلال العامين الماضيين، وأغلب الحالات بسبب التظاهر ضد الحكومة، وفقًا للمتحدث حسام شاكر. وأضاف أن المحاكمات كانت عادلة وليست جزءا من أي حملة حكومية.
وتابع: ”كل الطرق كانت متاحة أمام الطاب لإثبات براءتهم. لا تبحث الجامعة عن إلصاق الجريمة بالطلاب،“ وأضاف أن فصلهم كان لانتهاكهم القانون الذي يحظر التظاهرات بشكل كبير.
ويقول أحد الطلاب، 20 عامًا، وكان يدرس بجامعة الأزهر إنه فُصل بعدما شارك في مظاهرة ضد الحكومة. وأضاف أنه ضرب عميد كلية لأنه قام بسبّه بعدما تظاهر لدعم الإخوان المسلمين، وحاول العميد أيضًا منعه من تأدية الامتحان النهائي. قال الطالب، إن الأمر انتهى به إلى قسم البوليس ومبنى الأمن الوطني.
قال الطالب الذي عرّف نفسه بأنه مؤيد للإخوان المسلمين، إنه تعرض لصعقات كهربية، وقيدوا قدميه ويديه لأيام، وتم الاعتداء عليه جنسيًا عدة مرات بعصا.
وبعد 22 يومًا، قال إنه وضع في الحبس الانفرادي، حيث ظل لشهرين. ولا تستطيع رويترز التحقق من روايته.
ومع إطلاق سراحه، قام برحلة الـ30 ساعة بالسيارة من القاهرة إلى بور سودان. وقال في مكالمة من السودان: ”أحلم باليوم الذي أستطيع العودة فيه. أفكر في الانتقام يوميًا، لكن أحاول أن أبقى هادئًا.“
إذلال
 قال رئيس جامعة القاهرة، إن النظام يقدم فرصة ثانية للطلاب. في مرات عديدة، أصدر دعوة للطلاب المفصولين لحضور اجتماع معه في حضور والديهم، والاعتذار. لو وعدوا بعدم التظاهر مرة أخرى، سيتم إعادتهم للجامعة.
وأضاف أنه خلال العام الماضي استغل 91 طالبًا الفرصة. وقال: ”أدرك أنه بالنسبة لمن ينتمون بالفعل للإخوان المسلمين، سيكون من الصعب جدًا عليهم قبول مثل تلك المبادرة.“
وتواصلت رويترز مع 3 من الذين عادوا للجامعة بعد الفصل، وأكدوا أنهم يعيشون في خوف من القبض عليهم مرة أخرى.
وقال شقيقان، أحمد وعبد الرحمن، إنه على الرغم من عودتهما للجامعة لكنهما غادرا البلاد لإنهاء دراستهما في ماليزيا. وقال أحمد، 22 عامًا، ويدرس الهندسة: ”من فصلني مرة لسبب غير مقنع ودون تحقيق، يمكن أن يفصلني مرة أخرى.“
وقال طالب هندسة آخر، 21 عامًا، إنه قد فُصل وأعيد مرتين، بعد حضور اجتماع نصار. وحينما فصل في المرة الثانية عام 2014، قالت الجامعة إن السبب هو قيامه بأعمال شغب وإلقاء زجاجات مولوتوف على رجال الأمن، وإرهاب المواطنين وتعطيل العملية التعليمية. وقال إنه لم يفعل أي من تلك الأشياء ويعيش حاليًا بعيد عن منزله خوفًا من القبض عليه.
قال الطلاب الثلاثة إنه قد تم إذلالهم خلال الاجتماع مع نصار. لم يسمح لهم بالحديث، ولا إلقاء الأسئلة أو الجلوس خلال الجلسة التي استمرت لحوالي ساعة.
وقال نصار إنه عقد محادثاته الطويلة مع الطلاب. وأضاف: ”جلست معهم لأكثر من ساعتين، تحدثنا واتفقنا واختلفنا. نحن لا نحاسبهم على انتماءاتهم.“
مع اختفاء مظاهرات الإخوان المسلمين، يعتقد الدبلوماسيون الغربيون والمسؤولون الأمنيون أن الأعضاء من الشباب في الجماعة، هم من ينفذون الهجمات ضد الشرطة.
وقال المحامي عبد العزيز يوسف، والذي حبس لمدة 4 أشهر مع طلاب نهاية العام الماضي، إن بعض الطلاب السابقين يتحدثون عن الجهاد الكامل. وأضاف أن عددا صغيرا لكنه متزايد من الشباب المصريين يتأثرون سريعًا بأفكار تنظيم الدولة الإسلامية الأصولية.
”أعداد الطلاب الذين يرون أن الأساليب السلمية للتعبير عن الرأي لن تجدي، في ارتفاع.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى