ترجماتثقافة و فن

“لم ينشر ملاحظاته الجيولوجية فبقت رسوماته لغزًا”.. ما وراء فن دافينشي؟

سمحت السلطات الإيطالية ولأول مرة بإجراء تحقيقات جنائية لبعض رسوماته

Forbes

كشف تحليل الطب الشرعي لرسم “المناظر الطبيعية مع الشلال” للرسام ليوناردو دافينشي، أشهر فناني النهضة الإيطاليين على الإطلاق، أن الرسم تم على مرحلتين متتاليتين، مما يشير إلى أنه ليس مجرد تصوير لمشهد حقيقي، لكن نتيجة للبحث الجيولوجي لدافينشي على مر السنين، حسبما طرح تقرير مجلة “فوربس” الأمريكية.

يرجع تاريخ الرسم إلى 5 أغسطس عام 1437، حينما حدّد العديد من المؤرخين المناظر الطبيعية التي توجد بالقرب من تيرني، مدينة في وسط إيطاليا، عاصمة المقاطعة في منطقة أومبريا الإيطالية، إلى جانب التركيز على شلالات مارمور، وهي سلسلة من الشلالات الصناعية التي أنشأها الرومان القدماء، ويبلغ ارتفاعها الإجماعي نحو 541 قدما، مما يجعلها أطول شلال صناعي في العالم.

عُرضت الرسومات في معارض أوفيرزي، أحد المعارض التاريخية لفلورنسا في إيطاليا، ونادرًا ما تُعرض في الأماكن العامة، كما أنه في أبريل عام 2019 سيتم افتتاح معرض كبير من أعمال دافينشي في مسقط رأسه، حيث سمحت السلطات الإيطالية ولأول مرة بإجراء تحقيقات جنائية لبعض رسوماته، وشمل ذلك “المناظر الطبيعية مع الشلال” حيث كشف التحليل المجهري تحت ضوء الأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية، الخواص الكيميائية للحبر الذي يستخدمه ليوناردو.

وعلى ما يبدو، أنه استخدم حبرين متميزين للغاية، الحبر الأول يعتمد على أصباغ الحديد، والحبر الآخر يعتمد على أساس الصبغات الكربونية لرسمه، وتشير هذه الملاحظة إلى أن دافينشي لم يرسم المشهد في آن واحد، لكنه أضاف تفاصيل كثيرة مثل طبقات الصخور، لذا من غير المحتمل أن يظهر الرسم منظرا حقيقيا، لكن على ما يبدو أن دافينشي استخدم طبقات الصخور لرسم أبحاثه الجيولوجية على مدار السنين، إذ كان دافينشي واحدا من علماء الطبيعة الذين يفهمون أصل الصخور الرسوبية ويعترف بالحفريات على أنها بقايا متحجرة للحيوانات الحية السابقة، كما هو واضح في ملاحظاته الشخصية، حسبما قال فيها: “بين طبقة صخرية وأخرى، توجد هناك آثار الديدان التي زحفت فيها حينما لم تكن الطبقات جافة بعد”.

درس الفنان الإيطالي الصخور والمناظر الطبيعية ليس فقط لإرضاء فضوله الشخصي، لكن لتحسين لوحاته حيث إن الطبقات في لوحاته المُشار إليها، التي تظهر فوق الشلال، صحيحة من الناحية الجيولوجية، وأن الطبقات العكرة، التي تكوّنت من الانهيارات الثلجية للغواصات والتي تم دفعها في وقت لاحق من قبل القوى التكتونية  فوق البحر، تم رصدها عادة في نتوءات صخرية في  جبال الأپنين في إيطاليا والتي تتسم برقتها عند القاع وسمكها عند القمة، وذلك نتيجة لمعدلات مختلفة للترسيب تحت الماء.

بالإضافة إلى ذلك، استخدم ليوناردو طبقات الترسبات لخلق تأثير ثلاثي الأبعاد في الرسم، جنبًا إلى جنب مع الخطوط المُستخدمة لرسم الحقول المزروعة في الخلفية، ومع ذلك، لم ينشر دافينشي أبدًا ملاحظاته الجيولوجية، لذلك بقيت الحفريات والصخور الرسوبية لغزًا خلال قرن آخر.

ومع ذلك، استخدم رؤيته الجيولوجية لتحسين لوحاته، فقد ألهم جيلا كاملا من فناني عصر النهضة، وما يدلل على ذلك، حينما الفنان الألماني ألبرشت دورر، إيطاليا، مرتين لدراسة فن دافينشي، وخلال عودته إلى بلاده، حاول تطبيق هذه الطريقة الثورية على لوحاته الخاصة حيث تُظهر إحدى رسوماته الأحجار التي توجد ربما في مكان بالقرب من مسقط رأسه في نورنبيرج الألمانية، حيث يعرض طبقات أفقية من الحجر الرملي وطبقات رقيقة من الطين الجيري بطريقة تشبه لوحات دافينشي.

وباستخدام الكسور التكتونية، حاول دورر هنا تقسيم لوحاته مثل دافينشي وإنشاء وهم ثلاثي الأبعاد، كما نشر دورر شعبية هذا الأسلوب الجديد في أوروبا.

وعليه سرعان ما بدأ العديد من الفنانين الآخرين في رسم المناظر الطبيعية الواقعية، ودراسة الصخور من أجل تصويرها بشكل صحيح في فنهم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى