عمل جنسي .. لا “دعارة”
بيتر سنجر – ترجمة: إبراهيم محمد علي
برينستون
إن العمل الجنسي، وفقا لقول مأثور، أقدم مهنة في العالم غير أن هذا المثال يستخدم كلمة “الدعارة” بدلا من “العمل الجنسي”. والتغيير إلى مصطلح أقل تحقيرا أمر مبرر بفِعل التحول في المواقف تجاه العاملين في صناعة الجنس والذي أسهم في صدور قرار منظمة العفو الدولية في مايو بحث الحكومات على إلغاء القوانين التي تجرم ممارسة الجنس في مقابل المال بين بالغين بالتراضي.
وقد قوبِل نداء منظمة العفو الدولية بعاصفة من المعارضة ــ بعضها من أشخاص فشلوا بوضوح في التمييز بين صناعة الجنس ككل والإتجار بالبشر الذي يشكل في العديد من الدول جزءا مأساويا من هذه الصناعة. فلا أحد يريد إضفاء الشرعية على الإكراه أو العنف أو الاحتيال في صناعة الجنس، أو تشغيل عاملين غير بالغين في صناعة الجنس. ولكن بعض المنظمات التي تشن حملات ضد الإتجار بالبشر تفهم أن العمل الجنسي يصبح أشد خطورة على العاملين فيه عندما يكون غير قانوني لأنهم لا يستطيعون التقدم بالشكوى للسلطات عندما يتعرضون للاسترقاق أو الضرب أو الاحتيال. ولهذا السبب، أشادت الأمانة الدولية للتحالف العالمي ضد الإتجار بالنساء بدعم منظمة العفو الدولية لإلغاء تجريم العمل الجنسي.
لم يخل الأمر أيضا من المعارضة من قِبَل بعض المنظمات النسوية، التي اتهمت منظمة العفو الدولية بحماية “حقوق القوادين وزبائن الدعارة”. وزعمت هذه المنظمات أننا ينبغي لنا بدلا من ذلك أن نعمل على “إنهاء الطلب على الجنس المدفوع الأجر” ــ ولكن من دون أن توضح كيف يمكن القيام بهذا.
في الأنواع التي تتكاثر جنسيا، يكون الجنس لأسباب واضحة من أقوى الرغبات وأكثرها انتشارا. والبشر ليسوا استثناء في هذا الصدد. ففي كل مجتمع حديث، يتبادل البشر المال أو غير ذلك من البنود القيمة في مقابل أشياء يرغبون في الحصول عليها ولا يمكنهم الحصول عليها بأي وسيلة أخرى. ولأسباب عديدة، لا يستطيع عدد كبير من البشر الحصول على الجنس، أو القدر الكافي من الجنس، أو النوع الذي يرغبون فيه من الجنس، بحرية. وما لم يتغير أحد هذه الظروف على الأقل، فسوف يستمر الطلب على الجنس المدفوع الأجر. ولا أستطيع حقا أن أرى كيف من الممكن أن يتغير أي من هذه الظروف بالقدر الكافي للقضاء على هذا الطلب.
وما دام من المرجح أن يستمر الطلب على الجنس المدفوع الأجر، فماذا عن العرض؟ تتلخص استجابة أخرى لمقترحات إلغاء تجريم العمل الجنسي في أننا يجب علينا بدلا من ذلك تغيير الظروف التي تقود الناس إلى بيع أجسادهم. وهذا يفترض أن أولئك الذين يفتقرون إلى أي وسيلة أخرى لإعالة أنفسهم هم فقط من يمارسون الجنس في مقابل المال.
وهذا الافتراض مجرد خرافة. فإذا نحينا جانبا العاملين في صناعة الجنس الذين يريدون المال لأنهم تعودوا على تعاطي مخدرات باهظة الثمن، فقد يكون بوسع بعضهم الحصول على وظيفة في مصنع أو أحد مطاعم الأغذية السريعة. ولكنهم في مواجهة فكرة العمل الرتيب المكرر لثماني ساعات يوميا على خط تجميع أو إعداد شطائر الهمبرجر يفضلون ما توفره صناعة الجنس من أجور أعلى وساعات عمل أقصر. وربما لا يتخذ كثيرون هذا الاختيار، ولكن هل ينبغي لنا أن نعتبر من يفعلون ذلك مجرمين.
الواقع أنه ليس اختيارا مجنونا. فعلى عكس الصور النمطية للجنس المدفوع الأجر، لا يشكل العمل في ماخور (بيت دعارة) قانوني خطورة خاصة على صحة الفرد. بل يرى بعض العاملين في صناعة الجنس أن مهنتهم تنطوي على قدر أكبر من المهارة بل وحتى لمسة أكثر إنسانية من الوظائف البديلة المتاحة لهم. فهم يفتخرون بقدرتهم ليس على منح المتعة البدنية فحسب بل وأيضا الدعم العاطفي للأشخاص المحتاجين الذين لا يستطيعون الحصول على الجنس بأي وسيلة أخرى.
إذا كان العمل الجنسي لن يختفي في أي وقت قريب، فينبغي لأي شخص يهتم بصحة وسلامة العاملين في صناعة الجنس ــ ناهيك عن حقوقهم ــ أن يدعم أي تحرك لجعلها صناعة قانونية بشكل كامل. وهذا هو ما يريده أغلب العاملين في صناعة الجنس أيضا. ففي نفس الشهر الذي أصبح فيه إلغاء التجريم السياسة الرسمية لمنظمة العفو الدولية، قررت حكومة نيوساوث ويلز المحافِظة، وهي الولاية الأكثر ازدحاما بالسكان في أستراليا، عدم تنظيم صناعة الجنس القانونية سابقا في هذه الولاية. وقد استقبل جولز كيم، الرئيس التنفيذي لتحالف سكارلت، أو رابطة العاملين في صناعة الجنس في أستراليا، بالترحيب والارتياح، قائلا إن إلغاء التجريم قَدَّم “نتائج ممتازة لصحة وسلامة العاملين في صناعة الجنس”.
وقد وافق مشروع مساعدة العاملين في صناعة الجنس على أن إلغاء التجريم أدى إلى نتائج صحية أفضل للعاملين في صناعة الجنس، وجعل من الممكن تغطيتهم بالميزات المعتادة المكفولة لسوق العمل، بما في ذلك التأمين، وبرامج الصحة والسلامة المهنية، وقواعد التجارة العادلة. والواقع أن غالبية من الأستراليين يعيشون الآن في ولايات أضفت الطابع القانوني على العمل الجنسي أو ألغت تجريمه.
ويتوافق هذا مع إدراك متزايد في السنوات الأخيرة بأن الدولة لابد أن تكون كارهة للغاية لتجريم أنشطة يمارسها بحرية بالغون بالتراضي. وقد ألغيت القوانين ضد اللواط في أغلب الدول العلمانية. كما أصبح الموت بمساعدة طبيب ممارسة قانونية في عدد متزايد من المناطق. وفي الولايات المتحدة هناك دعم واسع النطاق لتقنين الماريجوانا.
إن إلغاء التشريعات المقيدة لا يخلو من فوائد عملية، فضلا عن توسيع نطاق الحرية الفردية. في ولاية كولورادو، كانت الرغبة في فرض الضرائب على صناعة الماريجوانا دافعا رئيسيا وراء التشريع. وكان الدافع الأساسي لتقنين صناعة الجنس في نيو ساوث ويلز تحقيق في فساد الشرطة أظهر أن صناعة الجنس كانت مصدرا رئيسيا للرشاوى لرجال الشرطة. وأنهى التقنين هذا بضربة واحدة.
ينبغي للدول التي تجرم صناعة الجنس أن تفكر في الأضرار الناجمة عن هذه القوانين، كما فعلت منظمة العفو الدولية. والآن حان الوقت لتنحية الأحكام الأخلاقية المسبقة جانبا، سواء كانت قائمة على الدين أو شكل مثالي من أشكال العمل النسوي، والقيام بما يصب في مصلحة العاملين في صناعة الجنس وجماهير الناس ككل.
بيتر سنجر أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري في جامعة ملبورن، وهو مؤلف كتابين حديثين بعنوان “عالَم واحد الآن”، و“الأخلاق في العالَم الحقيقي”.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2016. ينشر بالتعاون مع زحمة دوت كوم.
www.project-syndicate.org