سياسة

افتتاحية نيويورك تايمز: رئيس الرئيس ترامب؟

من هو رئيس الرئيس؟

نيويورك تايمز

ترجمة: محمد الصباغ

امتلك عدد من الرؤساء مستشارين سياسيين بارزين، وبعضٌ من هؤلاء المستشارين دارت الشكوك حول وضعهم للسياسات من خلف الستار (تذكروا كارل روفر، أو لو ذهبت بذاكرتك إلى الوراء، هناك ديك موريس). لكن لم نشهد أبدًا مساعدا سياسيا يتصرف بكل هذه الجرأة لتوطيد السلطة مثل ستيف بانون، ولا نرى أيضًا أحدا يسبب هذا الضرر الكبير بهذه السرعة لشعبية رئيسه وكفاءته المزعومة.

عزز بانون بشكل كبير موقع “بريتبارت” كمنصة لتحريض اليمين البديل، وفعل نفس الشيء مع حملة ترامب ويكرر نفس الأمر حاليا مع البيت الأبيض الذي يحكمه ترامب. ربما كان ذلك متوقعا، على الرغم من أن السرعة التي تحرك بها الرئيس ترامب كانت مثيرة، في ما يخص إقصاء المكسيكيين (بإعلان أنه سيدفعون تكاليف الجدار الحدودي)، واليهود (من خلال تجاهل تجربتهم الفريدة في الهولوكوست) والمسلمين (بالحظر). لم يظهر ترامب أبدًا مثل هذا الانحراف نحو ما هو أبعد من قاعدة المصوتين الذين يمثلون أقلية، وهو الاتجاه الذي ضمن له الانتصار عبر المجمع الانتخابي، بينما يحاول “بانون”، الذي تظهر بصماته على كل هذه المبادرات، أن يبدو الأمر غير ذلك.

لكن الأمر التنفيذي الأخير، وتسييس قرارات الأمن القومي، يشيران إلى أن بانون لا يعتبر نفسه مجرد مستشار، بل رئيسا فعليا.

في هذا القرار الجديد، الذي صدر يوم السبت، خطا ترامب خطوة غير متوقعة بضم بانون إلى مجلس الأمن القومي، بجانب وزراء الدفاع والخارجية وبعض كبار القادة المحددين. كان جوشوا بولتن، آخر رئيس لموظفي البيت الأبيض في عقد الرئيس جورج دابليو بوش، يولي اهتماما كبيرا لفصل السياسة عن الأمن القومي لدرجة منعه مستشار بوش السياسي “روف” من حضور اجتماعات مجلس الأمن القومي. كما أبدى خبراء من كبار مساعدي الشؤون الخارجية، من جلوس ديفيد أكلرود، المستشار السياسي للرئيس أوباما، في بعض اجتماعات مجلس الأمن القومي، لكنه لم يكن عضوا دائما بالمجلس.

والأكثر من ذلك أن ترامب عين بانون في لجنة كبار مجلس الأمن القومي، والتي تشمل معظم كبار المسؤولين ويلتقون بشكل متكرر. في الوقت نفسه، خفض ترامب من مكانة مسؤولين بارزين بالأمن القومي- رئيس هيئة الأركان المشتركة، الدور الذي يشغله الآن الجنرال جوزيف دانفورد، ومدير الاستخبارات الوطنية، الوظيفة التي تم ترشيح “دان كوتس”، السفير السابق إلى ألمانيا، لشغلها.

ربما يبدو ذلك كصناعة رسم بياني بيروقراطي ممل، لكن من يحضر على طاولة اجتماعات مجلس الأمن القومي عندما تناقش الحكومة قضايا الحرب والسلام يمكن أن يصنع فارقًا حقيقيا في القرارات. وبإعطاء بانون دورا رسميا في صناعة سياسة الأمن القومي، لم يكسر ترامب التقاليد ببساطة، لكنه احتضن خطورة تسييس الأمن القومي أو حتى إعطاء انطباع بفعل ذلك.

قال قرار ترامب إن رئيس هيئة الأركان المشتركة ورئيس الاستخبارات الوطنية سيحضرون اجتماعات لجنة كبار مسؤولي الأمن القومي فقط حينما “يتم مناقشة قضايا تتعلق بمسؤولياتهم أو خبراتهم.” هل يمكن أن توجد مناقشات حول الأمن القومي يمكن أن لا يكون مطلوبا خلالها إفادات من الاستخبارات والجيش؟ الأشخاص في هذه الوظائف عادة هم من يخبرون الرؤساء بالحقائق القاسية، حتى حينما يكون غير مرغوب فيها.

كما أظهر أسبوعه الأول بوضوح، لا يوجد أي أساسيات في صناعة قرارات الأمن القومي، ولا خبرة في الحكم أو إدراك قليل لما يتطلبه قيادة أمة عظيمة ومتنوعة. يحتاج إلى أن يستمع إلى مسؤولين أصحاب خبرات، مثل الجنرال دانفورد. لكن بانون نصّب نفسه، بجانب صهره جاريد كوشنر، كأكثر مستشارين موثوقين للرئيس، مقررين إغلاق الأبواب في وجه الأراء الأخرى البديلة. ويقال إنه يفوق دوره الآن دور مستشار الأمن القومي، والجنرال المتقاعد مايكل فلين.

في الوقت الذي تبنى فيه ترامب سياسات بانون لفترة طويلة، ربما عليه أن يكون أكثر حكمة ويعيد التفكير في السماح له بإدارة البيت الأبيض، وخصوصا بعد الإخفاق الكبير لقرار حظر المسلمين المثير للضحك. ساعد بانون في الدفع نحو القرار دون استشارة الخبراء المساعدين لترامب بوزارة الأمن القومي، أو السعي حتى لمناقشته بمجلس الأمن القومي.

كمرشح رئاسي، امتن ترامب بشكل كبير بالتصفيق في مؤتمراته لشوفينية بانون، والآن يتحول ذلك إلى أوامر تنفيذية، وهي الأفكار التي من شأنها إبعاد حلفاء أمريكا وتدمير الرئاسة.

من حق الرؤساء اختيار مستشاريهم، لكن بدايات ترامب في صنع سياسته قدمت دلائل كافية بأنه في حاجة إلى مستشارين يمكنهم التفكير بشكل استراتيجي ويزنون الأمور ويدرسون العواقب السياسية الفورية المترتب في الداخل، وما أبعد من ذلك. تخيل لو واجه ترامب غدًا أزمة مع الصين في بحر الصين الجنوبي أو مع روسيا في أوكرانيا. هل سيتجه نحو رئيس سياسييه الاستفزازيين، بانون، المولع بتفجير الأمور، أم سيتجه أخيرا إلى استشارة العدد القليل من ذوي الخبرة والعقلانيين في حكومته، مثل وزير الدفاع جيم ماتيس والجنرال دانفورد؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى