اقتصادسياسةعالم الصوركل شيء عنمجتمع

زحمة تحاور آلان جريش: الخوف من الإسلام سبق الإرهاب..ولهذا تدعم فرنسا السيسي

زحمة تحاور آلان جريش: الوضع تغير في مصر.. وأزمة اليسار يمكن حلُّها

حاوره: فاطمة لطفي – محمود حسني

14580424_10154619409128896_41449906_n
آلان جريش في حوار خاص لزحمة. تصوير: فاطمة لطفي

في زيارة قصيرة للقاهرة من أجل مناقشة مفتوحة بعنوان “الإسلام وكارهوه في أوروبا”، أجرت زحمة حوارا صحفيا مع الكاتب والصحفي الفرنسي آلان جريش. الذي  اختار أن يكون اللقاء صباحًا، بالمطعم المقابل للمعبد اليهودي العريق في شارع عدلي، وحين ذهبنا قبل موعدنا بخمسة عشر دقيقة على الأقل، وجدناه ينتظرنا بالفعل.

ولد الكاتب والصحفي الفرنسي آلان جريش في القاهرة عام 1948، ونشأ وسط عائلة تنتمي للأيديولوجية الشيوعية، لأسرة يهودية، وهو ابن بالتبني للناشط السياسي اليساري هنري كورييل أحد مؤسسي منظمة “حدتو” الشيوعية (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) في مصر.

غادر جريش مصر إلى فرنسا في شبابه وحصل على الماجستير في الرياضيات من جامعة باريس عام 1971، وعلى دبلوم اللغة العربية عام 1977. شغل منصب رئيس التحرير لجريدة “لوموند ديبلوماتيك” الفرنسية. وأسس مؤخرًا موقع “أورينت OrientXXi”، ويرأس تحريره.وبنبرة صوت واضحة تغلب عليها العامية المصرية، وبعض اللهجة اللبنانية، تحدّث جريش حول العديد من الإشكاليات المطروحة عالميًا ومحليًا من تغيّر الوضع السياسي في مصر في الخمس سنوات الأخيرة، وصعود التيار اليميني المعادي للإسلام في فرنسا وأوروبا، وتعقيدات الأزمة السورية، بالإضافة إلى الأسئلة التي شغلته أثناء تأليف كتابه “الإسلام والجمهورية والعالم”، وزوايا طرحها، للمترجم جلال بدلة، الصادر عن دار الساقي.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

الشأن المصري الداخلي.. القرآن والسياسة

نسأله في البداية كيف يرى المشهد الحالي بعد سلسلة التغيرات التي حدثت لمصر في السنوات الأخيرة، خاصة بعد واقعة احتجازه في 2014 من قبل قوات الشرطة المصرية، يفكر للحظة ويجيب بعامية مصرية لا تخلو من مسحة فرنسية تظهر بشكل لافت في حرف “الراء” خاصة:

– ولدتُ في مصر، لكني لم أعمل كصحفي بها إلا من بعد 2011 في  Le Monde Diplomatic . قبلها لم يكن هناك أي خبر سياسي حقيقي. مثلا حين كنت آتي كل ثلاث سنوات لم يكن هناك سوى أن ثلاث سنوات أضيفت لعمر مبارك ولعمر ابنه. بالطبع كان هناك تغيرات على مستوى المجتمع المصري، لكنني لم أكن أكتب عن الوضع الإجتماعي لكني كنت مهتمًا بوضوح أكبر بالشأن السياسي.”

الوضع في اللحظة الحالية قد تغير. كنت أستغرب موقف أصدقائي من المثقفين الليبرالين الذين يطالبون بتدخل الجيش. لم يكن الأمر منطقيًا. لأنهم كانوا يصدقون أي شئ يقال عن الإخوان. المثقفون في فرنسا أيضًا يخشون الإسلام. لكن الأمر مختلف في فرنسا وفي أوروبا. كما أن الجميع في مصر كان ضد حكم الإخوان، من الدولة العميقة للجيش للمثقفين.

مشكلتي مع  الإسلام السياسي، هي السياسة. الإخوان لا يفصلون بين مفهومهم للإسلام. وهو مفهوم خاص، وبين السياسة. رأيت أن صعودهم للسلطة أمر إيجابي. ظلّوا لخمسين عامًا يقولون أن الإسلام هو الحل.وعندما حكموا لعام واحد، انخفضت شعبيتهم بشكل هائل. الإسلام ليس حلًا لأي شئ. أنت مسلم؟ وبعدين؟  لا يملك الإخوان برنامج سياسي.ولا يمكن تطبيق القرآن في السياسة. الحل الوحيد هو الوصول لتفاهم تاريخي بين ما نسميه هنا العلمانيين، وأغلبهم ليسوا علمانيين، والإسلاميين كما حدث في تجربة تونس.

..

العلاقات بين مصر وفرنسا.. سر دعم هولاند للسيسي

فرنسا هي أكثر الدول الأوروبية دعمًا لحكومة السيسي، وحين سألناه عن الأسباب كان يرى أن الأمر بالنسبة له مفهوم:

– هناك الكثير من الأسباب التي تجعل العلاقات جيدة بين مصر وفرنسا، منها إقتصادية، حكومة هولاند باعت للجيش المصري طائرات “الرفال الفرنسية”، التي لم تستطع بيعها لأي أحد، كما أن هناك أبعاد فكرية أيضًا.

يوضِّح الأمر على نحو أكبر:

– قبل حركات التغيير في 2011، كانت الأحزاب اليمنية واليسارية تفضل النظم العسكرية مثل مبارك، عن الإسلاميين. بعد 2011 حدث ما يمكن أن نسميه نقد ذاتي. قال وزير الخارجية الفرنسية وقتها آلان جوبيه، المرشح حاليا لانتخابات الرئاسة: أننا أخطأنا. لكن الحقيقة تبدو مختلفة، فمع موجة الإسلاموفوبيا الرائجة في أوروبا وخاصة فرنسا، يمثِّل صعود الإسلاميين نوع من القلق من زوايا مختلفة تظهر في قرارات الحكومات الأوروبية حول اللاجئين، الإعلام والرأي العام.

– أيد الأوروبيون الثورات العربية في بداية 2011، لأن بعضهم ظنّ أنه لن يكون للإسلاميين أي ثقل في الشارع لأنهم لم يشاركوا في الحركات التي نزلت إلى الشارع، لكنه تصورًا ساذجًا، لأننا كنا نشهد في كل انتخابات حرة أو شبه حرة في مصر (انتخابات 2005) أو في فلسطين (الانتخابات التي فازت فيها حكومة حماس)، أنهم حاضرون بنسب تتراوح بين 30 أو 35%.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

الإسلاموفوبيا واليمين المتطرف في أوروبا وفرنسا

يبدو أحد أكثر الأسئلة تعقيدًا فيما يخص الوضع السياسي في أوروبا حين يكون الحديث عن مستقبل أحزاب اليمين التطرف التي تستمد جماهيريتها من حالة الإسلاموفوبيا، خاصة الجبهة الوطنية في فرنسا وفرص فوز رئيستها ماريان لوبان بالانتخابات الرئاسية الفرنسية في مايو 2017.

– لدينا موجة تطرف يميني في فرنسا، ربما تأتي ماريان لوبان في المركز الأول في المرحلة الأولى من الانتخابات، مع أني لا أظن احتمالية فوزها في النهاية؛ لكن إحتمالية هذا المدّ موجودة لأن سياسات حكومة هولاند التي تمثل الحزب الإشتراكي لا تختلف عن السياسات النيوليبرالية اليمينية، وهي سياسات ضد الطبقات الفقيرة والطبقة العمالية من الناحية الاقتصادية الإجتماعية.

 بدأ الخوف من الإسلام قبل أن يكون هناك أي علاقة للأمر بالإرهاب، خاصة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. حدث ذلك بسبب نمو جيل فرنسي مسلم. فقبل ذلك، كان المجتمع الفرنسي يرى أن على المسلم أن يصبح فرنسيًا فقط بقدومه إلى فرنسا، هكذا يرون العلمانية، فالمجتمع يطالب الفرد بالتخلي عن الدين. لكننا نرى في الأجيال الجديدة للمسلمين الرغبة في إظهار الناحية الدينية، كالحجاب، ومن هنا بدأ النقاش عن الحجاب في المدارس والشارع.

للأمر علاقة واضحة الأزمة الاجتماعية الاقتصادية في فرنسا وشعور معظم المسلمين من الطبقات الفقيرة برفض المجتمع الفرنسي لهم، لأنهم فقراء، ويرفضهم أكثر لأنهم مسلمين.

 من المفترض أن العلمانية تكفل حرية كل شخص في ممارسة دينه وارتداء ما يشاء حجاب أو صليب. لكن مفهوم العلمانية في فرنسا أخذ في التغير عما كان عليه الحال وقت نشأته، حيث أصبح في اللحظة الحالية، ضد مفاهيم العلمانية الحقيقية التي نشأت تاريخيًا في فرنسا.

 أعتقد أن موقف الحكومة الفرنسية من رفض المسلمين في فرنسا يؤيد الإتجاهات المتطرفة، وهذه هي نفسها استراتيجية الدولة الإسلامية، ترى أنه يجب أن ينتهي في المجتمعات الأوروبية منظور ” المنطقة الرمادية”.  يجب الفصل، إذا كنت مسلما فلابد أن تخرج من المجتمع الأوروبي.

،،،،،

عن أزمة اليسار.. اليونان وأسبانيا كحل محتمل

– بلادنا سكنها مهاجرون كثر عبر التاريخ. وتم ممارسة أشكال العنصرية في كل مرة ضد كل المهاجرين سواء كانوا أسبان، إيطاليين، بولنديين وصولا للجزائريين والمغاربة. وساهم في تقليص هذه الأزمة أن في ثلاثينيات القرن العشرين تحديدًا، كان هناك حركة عمالية قوية، وأحزاب إشتراكية، ونقابات. فتجد العامل الإيطالي مع الفرنسي. اليوم لسنا في الوضع نفسه. فليس هناك أحزاب يسارية قوية. كما أن المصانع الكبيرة لم تعد موجودة.

 نحن نعاني من فشل أيديولوجي. والوضع مختلف عما كان في الثلاثينات حيث كان هناك أحزاب إشتراكية قوية. اليوم معظم الأحزاب سواء الليبرالية أو اليسارية تتكلم فقط، كما أن معظم هذه الأحزاب أيدت النظم العسكرية في سوريا والعراق. حيث كانت الأحزاب اليسارية ذات قاعدة شعبية كبيرة، لكن الأمر تغير بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتغير الطبقة العاملة في فرنسا وفتح مجال لقوى أخرى في المجتمع. وفي اللحظة الحالية، لا يبدو أن  اليسار يمتلك حلولًا حول كيف يمكن أن نغير الوضع القائم.

 لكننا رأينا ما حدث في اليونان وأسبانيا، وأن الأحزاب اليسارية هناك تحاول، وهذا معناه أن ثمة طريق آخر.

 ،،،،،،،،،،،،،،،

عن الأزمة السورية:

– أظن أن الوصول الاتفاق بين روسيا وأمريكا صعب، لأن اللعبة ليست في يد الأمريكان والروس فقط،  لكن في يد الأتراك والسعودية وإيران وقطر أيضًا. بالإضافة إلى انقسام الجماعات المعارضة مثل الدولة الإسلامية والقاعدة الجيش الحر والميليشيات الشيعية وغيرها. من الصعب الوصول إلى أي اتفاق.

– لا أتصور أن الأزمة سوف تنتهي بانتصار عسكري للنظام السوري حتى بتأييد الروس. روسيا ليست  الاتحاد السوفيتي، كما أنها تواجه أزمة اقتصادية كبيرة. وأظن أن الأمريكان لن يتركوا الروس ينتصروا.

،،

حول كتابه “الإسلام والجمهورية والعالم”:

– تاريخيًا كنت أعمل على مواضيع تتعلق بالشرق الأوسط، ولم أكن أعمل على المجتمعات الغربية وقضية الإسلام. لكني بدأت أعمل على هذا الموضوع في أواخر التسعينات عندما بدأت قضية الإسلام في النمو، حيث شعرت من البداية أن سيكون لذلك تأثير على سياسات الغرب في الشرق الأوسط وليس داخليا فقط.

 جورج بوش كان يقول واصفًا العرب بعد أحداث سبتمبر 2011: هم يكرهوننا بسبب تدخلاتنا في الشرق الأوسط لأنهم يكرهون الحرية والديموقراطية. يعني هذا أنه لا يوجد حل من وجهة نظر بوش، وأنه يجب أن نضرب العرب حتى الموت. “يبدو الأمر جنونًا لأنه حرب إلى الأبد.”

 بالطبع يجب أن نكافح الدولة الإسلامية. لكني أفكر في أن السياسات الغربية من خمسين سنة، أدت إلى وضع أصعب وأصعب. في البداية ظننا كغربيين أن المشكلة في جمال عبد الناصر، وأنه العدو الأساسي، ثم البعثيين ثم تحالفنا مع الإخوان في باكستان ثم السعودية ثم أيدنا إسرائيل تأييدا مطلقا. هل نعتقد أن يحدث ذلك دون أي ردود فعل من العالم العربي؟ الأمر لا ينتهي ويزداد تطرفا.

،،

دور الصحفي في مواجهة الأنظمة القمعية:

– أعتقد أن هناك صحفيون شجعان في مصر، ورغم وجود صعوبات كثيرة، لا أستطيع أن أقول لصحفي عليك فعل ذلك وليس ذلك. كل شخص يتخذ قراره.

 لدينا صعوبات أيضا في المجتمع الأوروبي. ربما كانت مختلفة، لا يمارس علينا نفس القمع، لكن من الصعب أن تكتب بحرية كاملة. بالنسبة لي، فهم لا يدعوني للتليفزيون في فرنسا لأسباب سياسية. دور الصحفيين في كل مجتمع يصعب تحديده. نحن لدينا مشكلة أيديولوجية في فرنسا، فالصحف الكبيرة مثل Le Monde   يحكمها رأس المال. ولذلك تأثير على الصحافة بالتأكيد.

دعوني مرة في 2014 بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة، في راديو حكومي فرنسي، كان الأمر في أغسطس، قلت ربما لأنه كان إجازة، وليس هناك من هو متاح ممن يناسبهم أكثر مني. ثم بعد ساعات حدّثني أحد العاملين في البرنامج أنه هناك مشكلة ما واعتذروا. هذا يلخِّص الأمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى