منوعات

هل ألعاب الذكاء مُفيدة؟

التقارير المتناقضة المتعارضة تبرز خلافًا عميقًا بين الخبراء

live science

Walter Boot
ترجمة وإعداد: ماري مراد

ربما شاهدت إعلانات لتطبيقات تعد بجعلك أكثر ذكاءً حال استخدمتها لبضع دقائق يوميًا. ويُمكنك شراء مئات البرامج المسماة بـ”تدريب الدماغ” وتنزيلها. وببساطة: تُصمم هذه الألعاب البسيطة لتحدي القدرات العقلية، ويتمثل هدفها النهائي في تحسين أداء المهام اليومية المهمة. لكن هل الضغط على صور متحركة لسمك أو علامات الطرق على هاتفك تُساعد حقًا في تحسين طريقة عمل الدماغ؟

نشرت مجموعتان من العلماء وممارسو الصحة العقلية تقارير، عام 2014، تُجمع على فاعلية هذا النوع من ألعاب الدماغ. وشملت المجموعتان على أشخاص يتمتعون بسنوات من الخبرة وخبراء في الإدراك والتعلم واكتساب المهارات وعلم الأعصاب والخرف. وأخذت المجموعتان بعين الاعتبار نفس مجموعة الأدلة المتاحة في ذلك الوقت. ومع ذلك، أصدرت المجموعتان تقارير معاكسة تمامًا.

فقد خلصت مجموعة إلى أن “هناك القليل من الأدلة على أن ممارسة ألعاب الدماغ تعمل على تحسين القدرات المعرفية الأساسية، أو أنها تمكن الفرد من المضي قدمًا بشكل أفضل في عالم معقد من الحياة اليومية”. بينما أشارت الأخرى إلى وجود مجموعة كبيرة ومتنامية من الأدلة التي تفيد بأن بعض نظم التدريب المعرفي يمكنها تحسين الوظيفة الإدراكية بشكل كبير، بما في ذلك بأساليب يُمكن تعميمها في الحياة اليومية”.

وهذه التقارير المتناقضة المتعارضة تبرز خلافًا عميقًا بين الخبراء، ونزاعًا أساسيًا حول ما يعتبر دليلاً مقنعًا على تأثير هذه الألعاب.

ثم في عام 2016 ، دخلت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية في المعركة مع سلسلة من الأحكام، بما في ذلك حكم بقيمة 50 مليون دولار أمريكي (تم تخفيضه لاحقًا إلى 2 مليون دولار) ضد واحدة من أهم مجموعات التدريب على الدماغ في السوق. وخلصت لجنة التجارة الفيدرالية إلى أن إعلانات “Lumos Labs”- التي تشير إلى أن قدرة برنامج تدريب الدماغ Lumosity على تحسين إدراك المستهلكين وتعزيز أدائهم في المدرسة والعمل، وحمايتهم من مرض الزهايمر والمساعدة في علاج أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، لم تستند إلى أدلة.

وفي ضوء الادعاءات المتضاربة والتقارير العلمية والإعلانات والأحكام الحكومية، ما الذي يفترض أن يصدقه المستهلكون؟ وهل من المجدي استثمار وقتك ومالك في تدريب الدماغ؟ وما أنواع الفوائد، إن وجدت ، التي يمكنك توقعها؟ أو هل من الأفضل تمضية وقتك في القيام بشيء آخر؟

أنا (كاتب التقرير والتر بوت) عالم معرفي وعضو في معهد التعمير الناجح بجامعة ولاية فلوريدا. لقد درست الإدراك والأداء البشري وآثار أنواع مختلفة من التدريب منذ ما يقرب من عقدين. لقد أجريت دراسات مختبرية وضعت بشكل مباشر لاختبار الأفكار التي تشكل أساس ادعاءات شركات تدريب الدماغ. وبناءً على هذه التجارب، فإن إجابتي المتفائلة على السؤال حول ما إذا كان تدريب الدماغ يستحق ذلك ستكون “نحن لا نعرف”. لكن الإجابة الفعلية قد تكون “لا”.

كيف قاس البحث التحسينات؟

لقد زعمت أنا (بوت) وزملائي أن معظم الدراسات ذات الصلة تنقصها القدرة على تقديم أدلة قاطعة في كلتا الحالتين. وبعض هذه المشاكل إحصائية بطبيعتها.

غالبًا ما تنظر دراسات تدريب الدماغ في تأثيرها على الاختبارات المعرفية المتعددة- الانتباه والذاكرة وقدرة التفكير وما إلى ذلك- بمرور الوقت. وهذه الاستراتيجية منطقية من أجل الكشف عن اتساع نطاق المكاسب المحتملة. لكن، لكل اختبار يتم إدارته، هناك فرصة لتحسين الدرجات بالصدفة فقط. وكلما زادت الاختبارات التي تمت إدارتها، زادت فرصة أن يرى الباحثون إنذارًا خاطئًا واحدًا على الأقل.

ولا يُمكن الوثوق بدراسات تدريب الدماغ التي تتضمن العديد من الاختبارات، ثم الإبلاغ عن واحد أو اثنين من النتائج المهمة، إلا إذا كانت تتحكم في عدد الاختبارات التي تتم إدارتها. ولسوء الحظ فإن العديد من الدراسات لا تفعل ذلك، ما يجعل نتائجها موضع شك.

هناك مشكلة تصميم أخرى تتعلق بعدم كفاءة مجموعات التحكم. وللادعاء بأن العلاج كان له تأثير، يجب مقارنة المجموعة التي تتلقى العلاج بمجموعة لا تفعل ذلك. ومن الممكن، على سبيل المثال، أن يتحسن الأشخاص الذين يتلقون تدريبات المخ في اختبار تقييم لمجرد أنهم استوعبوه بالفعل، مرة قبل التدريب وأخرى بعده. ونظرًا لأن المجموعة الضابطة تأخذ الاختبار مرتين أيضًا، يمكن استبعاد التحسينات المعرفية التي تستند إلى تأثيرات الممارسة.

العديد من الدراسات التي اُستخدمت لدعم فاعلية تدريب المخ، قارنت تأثير تدريب المخ على مجموعة تحكم لم تفعل شيئًا. والمشكلة هنا هي أن أي اختلاف يُلاحظ بين مجموعة التدريب والمجموعة الضابطة في هذه الحالات يمكن تفسيره بسهولة من خلال تأثير الدواء الوهمي.

وتأثيرات الدواء الوهمي هي تحسينات ليست نتيجة مباشرة للعلاج، ولكن بسبب توقع المشاركين أن يشعروا أو أن يؤدون أفضل نتيجة لتلقي العلاج. وهذا هو مصدر قلق مهم في أي دراسة تدخلية، سواء كانت تهدف إلى فهم تأثير عقار جديد أو منتج جديد لتدريب الدماغ.

الآن، يدرك الباحثون أن القيام بشيء ما يولد توقعًا أكبر بالتحسن من عدم القيام بأي شيء. وإدراك احتمالية تأثير الدواء الوهمي يغير المعايير لاختبار فاعلية ألعاب الدماغ. ومن المرجح الآن أن تستخدم الدراسات مجموعة مراقبة نشطة مؤلفة من مشاركين يقومون ببعض الأنشطة التدريبية البديلة غير الدماغية، بدلاً من عدم القيام بأي شيء.

ومع ذلك، فإن عناصر التحكم النشطة هذه لا تكفي للتحكم في التوقعات. على سبيل المثال، من غير المحتمل أن يتوقع أي مشارك في حالة تحكم تشتمل على كلمات متقاطعة عبر الكمبيوتر أو مقاطع فيديو تعليمية تحسنًا بقدر ما يتوقعه المشارك في تجربة منتجات تدريب الدماغ التجارية، وهي منتجات توصف بقدرتها على تحسين الإدراك. ومع ذلك، تستمر الدراسات بهذه التصاميم الناقصة في الادعاء بتقديم أدلة تفيد بأن تدريب الدماغ التجاري ناجح. ويظل من النادر أن تقوم الدراسات بقياس التوقعات من أجل المساعدة في فهم التأثيرات الوهمية المحتملة والتصدي لها.

ويضع المشاركون في دراساتنا توقعاتهم بناءً على ظروفهم التدريبية، وهم متفائلون بشكل خاص فيما يتعلق بآثار تدريب الدماغ. وتشكل التوقعات غير المنسجمة بين المجموعات مصدر قلق كبير، لأن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن الاختبارات المعرفية عرضة لتأثيرات وهمية، بما في ذلك اختبارات الذاكرة والذكاء والانتباه.

هل هناك آلية محتملة للتحسين؟

هناك سؤال مهم آخر يجب مناقشته: هل يجب لتدريب الدماغ أن يكون ناجحًا؟ هذا، بالنظر إلى ما يعرفه العلماء عن كيفية تعلم الناس واكتساب مهارات جديدة، وهل ينبغي لنا أن نتوقع من التدريب على مهمة واحدة تحسين أداء مهمة أخرى غير مدربة؟ 

هذا هو الإدعاء الأساسي الذي تقدمه شركات تدريب الدماغ، وهو أن ممارسة الألعاب على جهاز كمبيوتر أو جهاز محمول سيحسن أداءك في جميع أنواع المهام التي ليست موجودة في اللعبة التي تلعبها. على سبيل المثال، تم إدراج “تدريب سرعة المعالجة” في منتجات تدريب الدماغ التجارية. والهدف هنا هو تحسين اكتشاف الكائنات في المحيط، مما قد يكون مفيدًا في تجنب وقوع حادثة بالسيارة. 

وقد تأخذ لعبة الدماغ شكل مشاهد طبيعية بطيور مقدمة في المحيط؛ ويجب على اللاعبين تحديد موقع طيور معينة، على الرغم من تقديم الصورة لفترة وجيزة فقط. ولكن هل يمكن أن يساعدك العثور على الطيور على الشاشة على اكتشاف وتجنب، على سبيل المثال، أحد المشاة الذي يبتعد عن الرصيف خلال قيادتك للسيارة؟ هذا هو السؤال المهم. فالقليلون يهتمون كثيرًا بتحسين درجاتهم في تمرين تجريبي عبر الكمبيوتر على الدماغ. 

المهم هو تحسين قدرتهم على أداء المهام اليومية المتعلقة بسلامتهم ورفاهيتهم واستقلالهم ونجاحهم في الحياة. ولكن على مدى أكثر من قرن من البحث يوحي بأن مكاسب التعلم والتدريب تميل إلى أن تكون محددة للغاية، يمكن لتحويل المكاسب من مهمة إلى أخرى أن يُمثل تحديًا.

هناك شخص يُدعى SF، كان قادرا، مع الممارسة الموسعة، على تحسين ذاكرته للأرقام من سبعة إلى 79 رقما. فبعد التدريب، كان قادرًا على سماع قائمة تضم 79 رقمًا وضع عشوائيًا وكرر هذه القائمة من الأرقام على الفور، ودون تأخير. لكنه لا يزال يتذكر ويعيد حوالي 6 أحرف فقط من الحروف الأبجدية.

وإذا كانت فوائد التدريب على تذكر الأرقام لا تنتقل إلى تذكر الرسائل، فلماذا يجب أن يفيد تدريب اكتشاف الطيور في القيادة أو الأداء الأكاديمي أو الذاكرة اليومية؟

الحفاظ على النشاط العقلي

برامج تدريب الدماغ هي طريقة مختصرة جذابة لمخطط “كن ذكيًا سريعًا”. لكن تحسين أو الحفاظ على الإدراك لن يكون سريعًا وسهلاً، بل قد يتطلب فترة ممتدة قد تستمر مدى الحياة من التحدي المعرفي والتعلم. فإذا كنت قلقًا بشأن إدراكك، فما الذي يجدر بك فعله؟

أولاً: إذا كنت مشتركًا بالفعل في ألعاب الدماغ، وتستمتع بها ، فيرجى مواصلة اللعب. ولكن حافظ على توقعات واقعية. فإذا كنت تلعب فقط للحصول على فوائد معرفية، ففكر بدلاً من ذلك في الأنشطة الأخرى التي قد تكون محفزة معرفيًا، أو على الأقل أكثر إرضاء وتحقيقًا للذات، مثل تعلم لغة جديدة أو العزف على آلة موسيقية.

وتشير بعض الأدلة إلى أن التمارين البدنية يمكن أن تساعد في الحفاظ على الإدراك.  لكن حتى إن لم يؤثرالتمرين على الإدراك، فإن له فوائد واضحة على الصحة البدنية، فلماذا لا تُمرن جسمك قليلاً؟

وأخيرًا، إذا كنت ترغب في تحسين أدائك في مهمة تهمك، فعليك ممارسة هذه المهمة. فلعب ألعاب الدماغ قد يجعلك أفضل في لعب ألعاب الدماغ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى