ثقافة و فن

واشنطن بوست: ماذا قال الفلسطينيون عن “حارة اليهود”؟

واشنطن بوست:  هكذا تجمع الفلسطينيون حول شاشات التلفزيون لمتابعة المسلسل المصري

واشنطن بوست – سفيان طه – ويليام بووث –ترجمة: محمد الصباغ

تجمع عشرات المسلمين الفلسطينيين بعد منتصف الليل في منزل ريفي منعزل الأسبوع الماضي أمام ما يمثل مصدر سعادة لهم، سيشاهدون مسلسلا رمضانيا عن اليهود. قال أحدهم ”هش،هشش. سيبدأ“ وجلسوا وأمامهم العصائر والحلوى ورفعوا صوت التلفاز إلى أعلى درجة مع ظهور تتر بداية مسلسل ”حارة اليهود“.

يدور المسلسل المصري حول ما يشبه قصة روميو وجولييت، ابنة جميلة لأحد التجار اليهود وضابط جيش مسلم يقعان سوياً في الحب في القاهرة القديمة خلال الحرب التي دارت عام 1948 بين العرب وإسرائيل وتبعاتها.

يقول محمود دحدوح، يعمل في مجال تربية الدواجن، ومعجب بالمسلسل: ”لم أتخيل انني سأشاهد مثل هذا العمل في حياتي“  لم يكن مندهشاً من رؤية اليهود في الإعلام العربي إطلاقاً. يقدم الإسرائيليون واليهود عادة كعنصر واحد وفي الدراما التلفزيونية في العالم العربي يتم تصويرهم بشكل نمطي على أنهم جشعون وذو طباع سيئة وبأنف بارزة، أو كشياطين احتلوا فلسطين.

ما تعتبره عادة وسائل الإعلام الإسرائيلية تحريضاً يتعامل معه العالم العربي على أنه ”تلفزيون“.

الشىء الذي جعل الفلسطيني مربي الدواجن مندهشاً هو إذاعة المسلسل على التلفزيون الرسمي الفلسطيني، بموافقة ضمنية من السلطة، ويظهر اليهود في المسلسل بشكل إيجابي – كأشخاص طبيعيين، وحتى استثنائيين وبشر.

ويضيف دحدوح: ”الأمر جديد جداً علينا“ قالها وهو يشير إلى شاشة التلفزيون الكبيرة أثناء عرض مشهد من المسلسل يظهر فيه رجل دين يهودي يقدم نصائح عن الصبر ويضيف الفلسطيني: ”انظر إليهم. انظر إلى وقارهم!“.

أما مدحت أبو نجمة ،عامل بناء، فيقول ”مذهل“، وأكمل حديثه ويبدو عليه التأمل ”كما لو أننا في منزل واحد“.

المعنى: في المسلسل، يتحدث اليهود لغة عربية صحيحة تماماً، يشربون أكوابا لا تنتهي من القهوة ويتحدثون بلا توقف حول العمل والعائلة والسياسة- كالمسلمين.

يدور المسلسل في عصر رومانسي حينما كان المسلمون والمسيحيون واليهود متجانسين في القاهرة، وقبل أن يُطرد اليهود. كان هناك حوالي 10 آلاف يهودي في مصر والآن على الأغلب هم عشرات قليلة.

في الأراضي الفلسطينية وحول العالم العربي يصوم المؤمنون طوال اليوم في شهر رمضان عن الطعام والماء والسجائر والجنس. ومع غروب الشمس يصلون، ثم يفطرون ويسهرون إلى وقت متأخر من الليل لمتابعة مسلسلات أغلبها 30 حلقة صنعت خصيصاً لليالي رمضان.

أكبر المسلسلات تصنع في مصر وسوريا، مع وجود السوق الإعلاني المتوفر في الدول الخليجية. ويتخلل العروض إعلانات تبيع الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، والسيارات، وحتى أدوات التنظيف التي تعد بأن يظل مطبخك لامعاً.

اشترى مدير البرامج في التلفزيون الفلسطيني، خالد سكر، المسلسل قبل إنتاجه، بعدما رأى السيناريو في شهر مارس الماضي. ويقول: ”قررت الدخول في مغامرة كبيرة. لكن عرفت أنها قد تمثل نجاحا قويا“.

يهيمن مسلسل ”حارة اليهود“ على سوق الإعلانات الفلسطيني، وحصل على نسبة 40% من الإعلانات خلال فترات ذروة المشاهدة.

ويضيف سكر أنه قابل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقال بصراحة ”أخبرني أنه المسلسل الوحيد الذي يتابعه“. ويؤكد: ”بأمانة؟ بالنسبة للكثير من الفلسطينيين، اليهودي هو جندي أو مستوطن، هذا ما في الأمر. هذا ما يراه شعبنا. بالنسبة لنا الصورة النمطية هي يهودي بسلاح آلي يحتل أرضنا“، وأكمل قائلاً إن ”حارة اليهود“ يقدم منظورا جديدا يظهر حقيقة العلاقة المعقدة بين شعبين.

ويضيف سكر: ”أطلب الآن من الإسرائيليين أن يظهروا الفلسطينيين بنفس الطريقة. نحن بشر أيضاً. أظهرونا في إعلامكم كبشر“.

وانهالت الاعتراضات والثناءات على المسلسل، حيث أثنت السفارة الإسرائيلية في القاهرة على العرض لإظهار ”اليهود في دولتهم الإنسانية الحقيقية، وظهروا كبشر قال كل شىء ونحن نقدر ذلك“ وبعد ذلك، بمجرد ظهور شخصيات صهيونية في المسلسل بشكل قاسي، اشتكى الإسرائيليون من أن العرض ”بدأ في مسار سلبي وتحريضي ضد دولة إسرائيل“.

واشتكى المتابعون العرب من أن بعض الشخصيات المسلمة ظهروا تافهين –فتيات ترقص ومهربين أموال- بينما اليهود هم النجوم والأكثر وطنية، كما ظهر الإخوان المسلمون في صورة الأشرار.

في أحد المقابلات، قال شريف زلط، أحد صناع المسلسل: ”أنفقنا ثروة في إنتاج المسلسل“، على أشياء كالأزياء والممثلين والنصوص ”لكن هدفنا لم يكن المال. أردنا توجيه رسالة“.

في جنوب بيت لحم، اختلف الأشخاص الذين جلسوا لمتابعة المسلسل – ليس كثيراً حول رسالة أن اليهود كانوا أشخاص طبيعيين مثلهم، لكن حول السبب الذي جعل هذا العمل يظهرهم بتلك الصورة في هذا التوقيت.

أحدهم أثنى على العمل بتلك الطريقة: ”أخبرني، من هو اليهودي ومن هو المسلم؟ كلهم متشابهون“.

خضير برادي، طبيب الخيول تساءل بصوت مرتفع عما إذا كان الموساد الإسرائيلي قد شارك في صنع المسلسل. وشكك مع بعض أصدقائه في أن الحكومة المصرية وربما مدعومة من السلطة الفلسطينية حاولوا إرسال رسالة للمواطنين.

يقول برادي: ”هل يريدون أن يخبرونا أن نعيش مع اليهود كما عاشوا معهم في الماضي؟ لا تقاوم؟ لا تعترض؟ انس أحلامك وعش كما كنت بالأمس؟“، ويضيف ”أحببت المسلسل. لكنه قصة خيالية“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى