سياسة

لماذا يصعب معاقبة الشرطة على قتل المدنيين؟

تصعب محاكمة ضابط شرطة حين يقتل مدنيا حتى في الولايات المتحدة. في هذا الحوار مع الحقوقي ديفيد رودفسكي تنكشف بعض الأسباب

Ferguson_cop_shield_457689692.0.0

أماندا تاوب – فوكس

ترجمة وإعداد – محمود مصطفى

قررت هيئة محلفين كبرى عدم توجيه الاتهام لضابط الشرطة دارين ويلسون من مدينة فيرجسون بولاية ميزروي في قضية مقتل المراهق الأسود غير المسلح مايكل براون.

أشعلت وفاة براون في التاسع من أغسطس الماضي موجة من الاحتجاجات في فيرجسون،  ومنذ ذلك الحين ينزل المتظاهرون إلى الشوارع احتجاجاً على قضية أشمل هي الشرطة المتحيّزة عنصرياً في المدينة الصغيرة وأيضاً للمطالبة على وجه الخصوص باعتقال ويلسون ومحاكمته لقتله براون.

ومع ذلك فإن قرار المحلفين لم يكن مفاجأة. فلأسباب عديدة يصعب جداً محاكمة ضباط الشرطة على القتل أو أي سوء سلوك آخر في فيرجسون أو في أي مكان آخر في الولايات المتحدة، دائماً ما يكون صعباً أن نرى شخصا مثل ويلسون في المحكمة.

ديفيد رودوفسكي محامي حقوقي شارك في كتابة كتاب “مقاضاة سوء السلوك: القانون والدعوى القضائية”، رودوفسكي في كيف ومتى يحاكم رجال الشرطة في أمريكا. تحدث رودوفسكي إلى “فوكس”  حول “صراع المصالح الكامن” والمتدخل في مسألة تحميل رجال الشرطة المسئولية الجنائية عن سوء السلوك خلال أداء عملهم.

أماندا تاوب: يمكن الشعور بأن التحقيقات في سوء سلوك الشرطة أصعب من التحقيقات في جرائم المدنيين؟ بمعنى أن معايير التحقيق مختلفة وكذا النتائج على الأرجح، هل هذا صحيح؟

ديفيد رودوفسكي: بالتأكيد هذا صحيح، عدد الملاحقات الجنائية للشرطة سواءاً من الحكومة الفيدرالية أو من مدعي الولايات منخفض ومنخفض جداً، إنهاحالات نادرة. الأمر صعب لأسباب سأتحدث عنها ولذا أعتقد أن هذه الملاحظة صائبة.

إذا كنت متورطاً في موقف مثل ضابط فرجسون، أي إذا كنتُ في سيارة ومسدسي تم استخدامه وأحدهم قتل، على الأرجح كان سيتم اعتقالي في وقت قصير. قد يكون لدي دعوى دفاع عن النفس متماسكة لكن سيكون هذا دفاعاً في محاكمة.

في كثير من المواقف التي يتم فيها توجيه الاتهام بسرعة بالاعتداء أو التحرش، لا يحدث هذا مع الشرطة وفي بعض الأحيان لأسباب مقبولة. نحن بوضوح نصرّح للشرطة باستخدام القوة والقوة المميتة ونسمح لهم في الحقيقة باستخدامها في حين لا يمكن للمدنيين استخدامها، وبذلك يكون هناك مواقف يمكنهم فيها استخدام القوة بينما أنت وأنا لا يمكننا.

لكن من الواضح أيضاً أن هناك أسباب مؤسسية لندرة ملاحقة الشرطة جنائياً. لذا ما تراه هو اهتمام أكبر بالتحقيقات أو على الأقل وقتاً أطول لأنه في كثير من المواقف قد يكون الأمر مجرد تغطية لتجنيب الشرطة تلقّي  الاتهامات، لكن حتى بافتراض النية الحسنة في التحقيقات، ستأخذ التحقيقات وقتاً أطول.

تاوب: لنتحدث عن بعض هذه الأسباب المؤسسية، ولنبدأ بالشرطة التي تحقق في الحادثة.

رودوفسكي: في كثير من الحالات يكون الإشكال هو  أن الشرطة تحقق مع نفسها. فيرجسون تختلف قليلاً لأن لديك هيئة محلفين كبرى، لكن في الكثير من الحالات الشرطة هي من يتولى مسئولية التحقيق في حادثة بعينها وتحدد من يقول الحقيقة ومن بدأ باستخدام القوة وما إلى ذلك.

ولكن حتى عندما تتم التحقيقات بصدق نية أو عندما يتم إدخال جهة خارجية لتقوم بالتحقيق، مثل هيئة المحلفين أو الحكومة الفيدرالية، فنحن لا زلنا نتحدث عن تحقيق مكثف. المتأصّل في هذه الحالات هي التساؤلات حول المصداقية، فطالما ليس لدينا فيديو واضح لما حدث ففي الغالب يكون الأمر كلمة الضابط أمام كلمة الشخص الذي قد يكون تعرض لاعتداء جنائي.

إذا قتل هذا الشخص، فليس لدينا إذاً حتى كلمته،  فننتقل إلى : ماذا يقول لنا الطب الشرعي؟ وماذا تقول شهادات الشهود؟

ويلعب العرق دوراً بلا شك لدرجة أن الأمر يصبح ضابط أبيض مقابل ضحية سوداء، في هذه البلاد يحب الناس أن يتجاهلون هذا لكنه بلا شك يلعب دوراً.

هناك بعض الحالات من الواضح فيها تماماً أن ما فعله الضابط يمكن أن يكون جريمة تستأهل اعتقالاً سريعاً، لكن ليس في أغلب الحالات.

تاوب: هل يمكنك أن تعطيني مثالاً على حالات حدث فيها تحرك سريع؟

رودوفسكي:  تكون هذه الحالات عادة  متعلقة بفساد، عندما يتم تسجيل إعطاء رشوة، أشياء من هذا القبيل. أنا لا أقول أن هناك حصانة كاملة للضباط فقط لأنهم ضباط، لكن يبدو أن الفساد يتم التعامل معه بطريقة مختلفة عما يحدث مع ما أطلق عليه “احتمال حدوث سوء سلوك بدني”.

تاوب: لماذا؟

رودوفسكي: تأخذ الشرطة قضايا الفساد بجدية أكثر مما تفعل مع قضايا القوة المفرطة، فالأولى غالباً اثباتها أسهل فهي موجودة لديك ويمكنك رؤيتها. لكن في أغلب الأوقات في حالات استخدام القوة، تحصل على قصص متباينة من الشهود.

تاوب: هل تعتبر بعض دوائر الشرطة، داخلياً، أنواعاً من استخدام القوة مقبولة حتى لو لم يكن هذا متوافقاً مع ما قد يعتقده الجمهور أو مع المعايير القانونية؟

رودوفسكي: هناك خلط في هذا الأمر، جزء مما تفعله دوائر الشرطة ومن طريقة عملهم هو انعكاس لما يشعر به كثير من الناس في المجتمع من أن الشرطة يجب أن تطلق يدها.

كلما كان هناك قلق أكبر حول الجريمة كلما كان الشعور السياسي العام هو أنه يجب علينا أن نعطي الشرطة سلطات أكبر، وأن لا نقسو عليهم إذا تجاوزوا الخط بشكل طفيف. سأقول أن الضباط يحصلون على مزية الشك بشكل عام في القضايا الشائكة.

تاوب: هل هو شعور شعبي بأنه إذا لم يُسمح للشرطة باستخدام القوة فإن ذلك يعرضهم لخطر كبير؟

رودوفسكي: هذا أمر محوري في القضية برمتها، موقفهم هو أنه إذا لاحقت الضباط قضائياً في حالة كهذه ففي المرة القادمة سيخاف الضابط وسيُقتل.

الحجة هنا هي “القرار اللحظي”: يكون أمام الضباط لحظة فقط لاتخاذ القرار، ولذا حتى إذا أخذ القرار الخطأ فلماذا تعاقبه جنائيا؟

الرسالة البديلة هي أنه إذا لم تتركوهم يستخدمون القوة، ستكونون أنتم أقل أمناً وستكون الجرائم أكثر والمجرمين كذلك. أنا لا أتفق مع هذا بالضرورة لكن الضباط وآخرون غيرهم يقولونه.

تاوب: الآن لنتحول إلى المحلفين، أنت ذكرت أن بعض المحلفين غالباً ما يترددون بشأن إدانة الضباط، لماذا؟

رودوفسكي: هناك ميل لتصديق الضباط أكثر من المدنيين،  عندما يُحاكم ضابط فإن الشك المعقول يكون له أثر كبير، فالمدعي يحتاج إلى قضية مُجكمة جداً لكي تقول هيئة محلفين أن أحداً نثق فيه بشكل عام لحمايتنا قد تجاوز الحد بشكل خطير ليتم إدانته.

تاوب: هل هناك دفاعات بعينها ترى أنها ناجعة مع المحلفين؟

رودوفسكي: غالباً ما ترى في قضية مثل فيرجسون دفاع الضابط هكذا “كان هناك اشتباك وفي نقطة ما حاول أخذ سلاحي وكان يجري ولم أكن أعرف إذا كان يحمل سلاحاً أو لا” أو “اعتقدت بأنه كان يحمل سلاحاً، كان بحوزته جسم معدني في يده.”

والمرافعة هي “حسناً، أعضاء لجنة المحلفين، المدعي يقول، الضابط أطلق النار بسرعة، كان يجب أن ينتظر’ لكن الحقيقة هي أنه لو كان انتظر ثلاث ثواني أخرى كان من الممكن أن يكون ميتاً الآن. الحقيقة هي أن الكثير من ضباط الشرطة قتلوا وهم يؤدون الواجب وفي بعض الاحيان قتلوا لأنهم انتظروا لوقت طويل.” وهذه مرافعة عاطفية وفعالة.

تاوب: هل هناك ما تعتقد أنه يمكن فعله في هذا الشأن؟ حلول مقترحة؟

رودوفسكي: سيكون دوماً هناك مثل هذه الصعوبات، لكن يمكن تخفيفها. إذا أخذ المدعون والحكومة الفيدرالية هذا الأمر بجدية أكبر واستثمروا وقتاً وموارد كما يفعلون في أنواع أخرى من التحقيقات، سيكون هناك حالات أكثر يتم توجيه الاتهامات فيها بشكل سليم والحصول على إدانات. يتم الحصول على إدانات في هذه القضايا في بعض الأحيان إذاً فالأمر ليس مستحيلاً!

الأمر متعلق بإرادتنا السياسية. هي مسألة ضمير وإرادة سياسية وأخذ إساءة سلوك الشرطة بشكل جدي مثلما نفعل مع الجرائم الأخرى.

تاوب: ما الذي سيخلق هذا النوع من الإرادة السياسية؟

رودوفسكي: يجب أن يأتي هذا من القاعدة ولأعلى، إذا لم يطالب الشعب بذلك فلن نحصل عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى