ترجماتثقافة و فن

“فارايتي”تكتب عن فيلم “يوم الدين”: مؤثر أصيل ينظر إلى داخل الإنسان

“شوقي” استلهم الفيلم من مستعمرة الجذام التي شهدت تصوير وثائقي قصير له

 

المخرج أبو بكر شوقي والمنتجة دينا إمام على السجادة الحمراء

 بينما يجري عرض الفيلم المصري الروائي الطويل “يوم الدين” أمس واليوم، ضمن فاعليات المسابقة الرسمية لمهرجان “كان” السينمائي الدولي، يقدّم موقع مجلة “فاريتي” الفنية الأمريكية مراجعة للفيلم ضمن مراجعاته لمختلف أفلام المسابقة، يسلط فيها الضوء على مختلف عناصر الفيلم، وبشكل خاص على رؤية المخرج وبراعة البطل المجذوم في ظهوره الأول على الشاشات.

إليكم نص المراجعة.

كتب- جاي ويسبيرج

رحلة مجذوم مصري مع صديقه الطفل اليتيم بحثًا عن عائلة المجذوم.

شهد “كان” العرض الأول لفيلم “يوم الدين” الذي صنعه المخرج أبو بكر شوقي بحبّ ليصوّر رحلة الطريق التي قطعها الأبطال؛  الفيلم من بطولة ذي الكاريزما الدافئة راضي جمال، إنه “عمل أول” لمخرجه وهو فيلم  لطيف متماسك، منحوت من لحظات مؤثرة أصيلة، لحظات تعوّض أخرى كان فيها التون العاطفي مرتفعا  إلى حدٍ ما خلال أحداث الفيلم.

أبو بكر شوقي، غير المعروف نسبيًا في أوساط صناعة السينما المصرية، والذي تخرج من جامعة نيويورك، أظهر تمكُّنًا أكيدًا من توظيف ممثليه غير الاحترافيين، رغم ذلك، فإن قرار إدارة مهرجان “كان” بوضع الفيلم ضمن المسابقة الرسمية يضع قدرًا هائلًا من الضغط على عاتق “يوم الدين” ربما لا يستطيع تحمله.

أول لمحة رأينا فيها “بشاي” (البطل راضي جمال) كانت ليديه وأصابعه المنعقدة بعضها ببعض من أثر المرض، تغربل مكبًا للنفايات على حافة الصحراء. يعيش بشاي في مستعمرة جذام، يملأ فراغها بالعيش مع حماره “حربي” عبر بيع القمامة القابلة لإعادة التدوير التي يعثر عليها في المكبّ. ورغم أن أباه قد هجره في المصحة منذ كان طفلًا فقد كانت حياته أفضل من كثر آخرين؛ لكن حين ماتت زوجته المريضة عقليًا “إريني” (شوق عمارة) قرر البحث عن أسرته بمسقط رأسه في قنا.

أدرك “بشاي” بمرور الوقت، بينما هو في رحلته إلى قنا، أن صديقه الطفل “أوباما” (أحمد عبد الحفيظ) مختبئ بالعربة التي يجرها الحمار، وقد تأخر الوقت كثيرًا لإعادته إلى دار الأيتام، لذا استكمل الاثنين الرحلة وتوقفا قليلًا عند الهرم الأوسط – وهو المشهد الذي التُقِط بروعة ليضفي بعض الغرائبية الجذابة التي قد تروق للجمهور خارج حدود مصر.

يصادف هذان الصديقان الغريبان كمًا غير مفاجئ من العداء، من قِبل هؤلاء الخائفين عن جهل من أن يكون الجذام المُصاب به “بشاي” مُعديًا، لكنهما وجدا الصحبة في ثلاثة من المنبوذين، من بينهم “حامد” (ياسر العيوطي) وهو سائق شاحنة سابق فقد ساقه، تعوّض صراحته الساخرة وثقته بنفسه التوتر في ثقة “بشاي” بنفسه.

يشتبك النص بعض الشيء مع الكثير  من عناصر الحبكة المُتوقعة، وكمثل معظم “أفلام الطرق” توجد لحظات يتخذ فيها الأبطال الطريق السهلة بما يقودهم إلى مسارات مطروقة بالناس ستكون مريحة للبعض ومألوفة أكثر من اللازم للبعض الآخر. هذا يتضمن رجوعا غير ضروري للذكريات متخفيةً في سياقات الأحلام التي تتدخل بقوة لإيضاح ما هو واضح بالفعل. لكن، بمجرد أن بدت النهاية كما لو كانت اضطرارية، اتجه شوقي إلى تضمين حوار مكتوب بشكل جمالي يفاجئ المشاهدين بتحويل ما كان سيصبح نهاية عاطفية متوقعة إلى مشهد حيوي غير متكلف يلعب على أوتار القلب بكل صدق.

مستعمرة الجذام الواقعة شمال القاهرة كانت أيضًا موقع تصوير الفيلم الوثائقي القصير “المستعمرة”، الذي صوّره شوقي في 2009، حيث استلهم منها فيلمه الروائي الأول وأجرى فيها تجارب الأداء لبطله راضي جمال.

كان شوقي محظوظًا في هذا الاختيار، حيث احتل الممثل الجديد الشاشة بأداء اتسم بكرامة مجروحة لم تشعِر المشاهد بالضيق أو الافتعال على الإطلاق. ورغم أن الإتلافات التي يحدِثها الجذام بالجسم لا يمكن الهروب منها، فقد كان في مآخذ عينيه العميقة وتشابكت تجاعيده تناغمًا أكيدًا معبرًا أثبت نفسه بشكل أكبر بينما تستمر أحداث الفيلم، وبينما سمح شوقي للخطوط في وجه جمال بأن تغرق في الضوء. إنه لقرار جريء يتناسب تمامًا مع رغبة المخرج في ألا يكتفي المشاهد بالنظر إلى ما وراء التشوهات التي أصابت البطل، بل أن يراها على أنها مجموعة متنوعة لا نهائية من الأشكال الإنسانية.

العناصر البصرية للفيلم تكون جذابة دائمًا حين لا تشتبك مع “فُحش الفقر”، وفي حين أكد شوقي حسًا أكيدًا بالمكان – وهو أمر أساسي لأي “فيلم طريق” – فقد احتفظ بتركيزه على الشخصيات نفسها. ولأن “بشاي” و”أوباما” بالتحديد كانت لهما شخصيتان مرسومتان بشكل لطيف، فقد كان على المخرج استخدام موسيقى تبدل مقاطعها بنعومة، وهو – للأسف – ما بدا كإجبار للمشاعر بدلًا من مصاحبتها بصورة طبيعية.

“يوم الدين” في اللغة العربية يعني “يوم الحساب”، وقد ذُكِر مرتين: مرة في إشارة إلى الحيوانات التي لا تمر بالحساب الإلهي وتنتقل مباشرةً إلى الجنة، ثم مرة أخرى كوسيلة للفت الانتباه إلى أولوية روح الإنسان الداخلية في الحساب؛ وليست هيئته الخارجية أيًا ما كانت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى