سياسةمجتمع

فورين بوليسي: الكعبة: نقطة سوداء صغيرة وسط الفنادق الشاهقة

فورين بوليسي: الكعبة: نقطة سوداء صغيرة وسط الفنادق الشاهقة

فورين بوليسي – مصطفي حميد – ترجمة: محمد الصباغ

في الحادي عشر من سبتمبر، ووسط رياح قوية وجو عاصف، سقطت رافعة بناء –من بين الأطول في العالم- على المسجد الكبير بمكة، أكثر أماكن العبادة قدسية للمسلمين. قتل على الأقل 107 شخصاً في الحادثة التي أدت إلى سقوط أكثر من 200 مصاب.  كان معظم المصابين من الحجاج، الذين تجمعوا بالمسجد قبل صلاة العشاء. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من مشاهد الفوضى: اصطدام مفاجئ، تبعه متعبدين في حالة عصبية يجرون بحثاً عن الأمان. وأظهرت صور الكارثة دماء على الرخام والسجاد بعد الحطام.

تعتبر الرافعات التي تشكل حلقة حول المسجد الكبير والكعبة، جزءا من حملة سعودية كبيرة في البناء والتطوير بالمدينة المقدسة. خلال العقدين الماضيين، ومع ارتفاع أعداد الحجاج القادمين لمكة من 1,2 مليون عام 1997 إلى 2,9 مليون عام 2011، قامت المملكة بجلي الماكينات الثقيلة، وبنت الفنادق الفاخرة، والطرقات، وتوسعات كبيرة في مجمع المسجد. لكن مع بداية حج هذا العام خلال الأسبوع الجاري، زادت المأساة الأخيرة من التساؤلات حول استعداد مكة لتدفق الحجاج، وسلامة خطط السعودية الكبيرة والثمن الكبير في المقابل، المادي والثقافي والآن البشري.

مازالت 100 رافعة تقريباً تحيط بالمسجد الكبير كجزء من مشروع التوسعة، وفقاً لمصادر محلية. في أماكنهم بلا حراك بعد الكارثة الأخيرة ومع احتمال وجود أكثر من 2,5 كليون حاج في المكان. يقول عرفان العلوي المدير التنفيذي لمؤسسة أبحاث التراث الإسلامي والمنتقد لخطط البناء السعودية، ”الرافعات مازالت موجودة، في مكان يتواجد به العامة. ماذا سيحدث لو ساء الجو مرة أخرى؟“

شهدت الأماكن المقدسة حوادث مأسوية من قبل. في سنوات سابقة (ولاحقة)، أدى فيها التدافع إلى مقتل مئات الحجاج. وبسبب أحد تلك الحوادث بدأت خطط المملكة الحالية للتوسعة. لكن أيا كانت نواياهم، فهذه التطورات-من المتوقع أن تكلف أكثر من 26 مليار دولار، لا تشمل 35 مليار دولار المذكورة للعقارات فقط- قد سببت جدلاً وغضبا في كثير من المناطق بالعالم الإسلامي.

من المفترض أن يجعل مشروع توسعة المسجد استيعابه يصل إلى 1,6 مليون متعبد في المسجد الكبير، وهو عنصر واحد من التطوير. بعيداً عن ”أبراج البيت“ الفارهة، وهي عبارة عن مجمع فندقي يحتوى على مراكز للتسوق، ومهبط طائرات، ومساكن فاخرة وأكبر مبنى على هيئة ساعة في العالم. هو مكان محوري، فندق فيرمونت برج الساعة الملكي بمكة، هو ثالث أطول مبنى في العالم، وهو بحجم ستة من ساعة بيج بن، وبنى بتكلفة 15 مليار دولار. والتوسع القادم بمكة سيفتتح عام 2017، وهو عبارة عن أكبر فندق في العالم، يضم 10 آلاف غرفة.

بالرغم من تلك المليارات الكثيرة، تبقى الخدمات الرئيسية بمكة غير كافية بشكل خطير. فمستشفى الأجياد للطوارئ المجاورة للمسجد الكبير بها فقط 52 سريراً. ومستشفى النور الأكبر قليلاً  تبعد مسافة أربعة أميال. لا تمتلك أي منهم بنك دم. وبالمثل، وفقاً للعلوي من مؤسسة أبحاث التراث الإسلامي، خلال الحريق الأخير في موقع للبناء، طلب مسؤولو الإطفاء بمكة مساعدة من مدينة الطائف، البعيدة مسافة أكثر من ساعة. ومع وجود 2,5 مليون حاج في المدينة المقدسة، فهذه المرافق غير كافية بشكل صادم.

بجانب مليارات الدولارات، يشير المراقبون إلى أن الثمن الإضافي لخطة انشاءات مكة هو الاعتداء على ثقافية وجمالية المدينة: تم نقل أو تدمير عشرات المواقع التاريخية والأضرحة حول المدينة المقدسة، وولّد ذلك سخطاً متزايداً حول العالم الإسلامي.

فقلعة أجياد التي تعود إلى العصر العثماني، كانت تطل على المسجد الكبير من أعلى جبل بلبل جنوب المسجد، وكانت حصناً لأكثر من مائتي عام ضد تهديدات الغزو وقطاع الطرق. وعندما وصلت أعمال البناء إلى القلعة وجبل بلبل عام 2002، قال وزير الثقافة التركي آنذاك إن التصرف عبارة عن ”مذبحة ثقافية“. ويقبع في مكانهم الآن برج الساعة الملكي بمكة.

بين مجمع المسجد، تعود أعمدة إلى العصر العباسي، والعديد منعهم يمثل مواقع تقليدية هامة لكن تم هدمها، من اجل أن يتماشى المسجد مع الإنشاءات الجديدة. وكما قال سامي أنجواي، مؤسس مركز أبحاث الحج، للجارديان عام 2012 ”يحولون الحرم المقدس إلى آلة، إلى مدينة بلا هوية، ولا حضارة أو ثقافة، ولا بيئة طبيعية.“

كما دمرت أيضاً بعض الأماكن التي ترتبط بحياة النبي محمد أو بني فوق موقعها خلال العقود الأخيرة. فالآن يوجد فندقهيلتون وبرجر كينج فوق المكان الذي كان به منزل أقرب رفيق للنبي وأول خليفة في الإسلام. كما أن مكان منزل خديجة زوجة النبي، الآن بموقعه 1400 من المراحيض العامة.

وفقاً للمنتقدين، فهذه الأفعال تأتي متوافقة مع أيدولوجية السلفية الوهابية المحافظة جداً والتي تقرها الملكية السعودية، وفيها تعد المعالم التاريخية والثقافية بوابات لخطية ربط الألوهية بشئ آخر غير الله. ويرون أن الحل لتلك المعالم في السلفية الوهابية هو المحو أو الإزالة. ويقول علاوي ”قد تنفذ الخطط بسهولة حول المناطق التاريخية“ ووصف تدمير المعالم التاريخية والحضارية بأنها ”ثمن متعمد.“

دافع الهدم يمكن أن نجده في الأصول السعودية: فقد هدم السعوديون أضرحة عائلة النبي ورفاقه الموجودة منذ زمن طويل عندما سيطروا على مكة في فترة العشرينيات، وقل استهدافهم للمقابر والآثار منذ تلك الفترة. وظهرت أصداء لذلك في تدمير طالبان لتماثيل بوذا بباميان، ومؤخراً تدمير مدينة تدمر والآثار الآشورية بواسطة تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن على العكس من التدمير، لم تستهدف الأفعال السعودية بما يسمي بالأديان ”الأجنبية“ أو ”الوثنية“، استهدفوا معالم المسلمين والتاريخ الإسلامي. وكأيدولوجية، يرفض الوهابيون بلا تردد، ويزدرون حتى، رغبة الكثير من المسلمين حول العالم في الاحتفال أو الحفاظ على السياق التاريخي بالمدينة المقدسة. وتتناسب ذروة الغرور بأبراج مكة مع هذه الأيدولوجية، وتوعي بشيئين فقط: الله والحاضر.

تلوح الرافعات لسنوات في أفق المسجد الكبير باسم تعزيز سلامة وراحة الحجاج بالمدينة المقدسة، وسبب ذلك ثمناً بشرياً بالإضافة إلى التكلفة المادية والثقافية. ومع تجمع الحجاج لبدء المناسك عقب أيام من تنظيف الدماء من على أرضية المسجد، تستمر السعودية في البناء والتدمير، تاركة تاريخ مكة وحضارتها غير واضحين – وتاركة الحجاج متسائلين عما يحمله حج هذا العام.

وفي ظل الأبراج الشاهقة التي وصلت إلى 1972 قدم، تقف الكعبة المقدسة كنقطة سوداء وسط صحراء من الرمال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى