سياسةمجتمع

تليجراف: بريطانيا “لم تعد مسيحية”..تقبّلوا الأمر

المسيحية تراجعت كثير في بريطانيا وصعود الإسلام واللادينية

التيليجراف – جون بينجهام – ستيفن سوينفورد – ترجمة: محمد الصباغ

 

بريطانيا لم تعد دولة مسيحية ويجب التوقف عن التصرف بناء على هذا الأساس، هذا وفقاً لتحقيق كبير حول مكانة الدين في المجتمع الحديث. أثار ذلك ردود أفعال غاضبة من الوزراء وأيضاً من كنيسة انجلترا.

لجنة استمر عملها عامين، قادتها القاضية السابقة باتلرسلوس وشارك معها قادة دينيون بارزون من مختلف المعتقدات، ثم طالبوا بإزالة الصبغة المسيحية  عن الحياة العامة في بريطانيا  بشكل ممنهج.

قالت اللجنة إن تراجع أعداد من يذهبون إلى الكنائس مع ارتفاع عدد معتنقي الإسلام والمعتقدات الأخرى يعني أن هناك حاجة إلى ”تسوية جديدة“ للدين في المملكة المتحدة، وإعطاء اهتمام رسمي أكثر إلى الأصوات التي لا تتبع أديان أو هؤلاء الذين لا يؤمنون بمعتقد غير المسيحية.

باتلر سلوس

أسفر التقرير عن خلاف شديد وتم إدانته من مجلس الوزراء ووصف بأنه ”مضلل بشكل خطير“ وقالت كنيسة انجلترا إنه على ما يبدو تم السيطرة عليه من جانب “الإنسانيين”.

زعم التقرير الذي أعدته لجنة مختصة بالدين والمعتقد في الحياة العامة، أن المدارس الدينية ”منقسمة اجتماعياً“ وأن اختيار الأطفال بناء على معتقداتهم يجب أن يتم التخلص منه تدريجياً.

كما اتهموا من يقومون بوضع مناهج الدراسة بغرس القيم السلبية للدين في الدروس واقترحوا أن يتم استبدال العبادة اليومية الإلزامية في المدارس ب ”وقت للتفكير“.

ودعم التقرير التحركات نحو تقليص أعداد أساقفة انجلترا في مجلس اللوردات واستبدالهم بأئمة أو حاخامات وآخرين من غير المسيحيين بالإضافة إلى قساوسة إنجيليين. و جاء أيضاً أنه يجب تعديل خدمة التتويج المقبل للملكة لتشمل معتقدات أخرى.

وبشكل مثير للجدل طالب بإعادة التفكير في سياسات مواجهة الإرهاب، ويشمل ذلك ضمان أن يكون الطلاب قادرون على التعبير عن آرائهم المتشددة في حرم الجامعة دون خوف من أن يتم إبلاغ الأجهزة الأمنية عنهم.

وتطرق التقرير إلى التوصية بإجراءات حماية جديدة للمرأة في المحاكم التي تقضي بالشريعة الإسلامية أو أي اتجاهات دينية أخرى- ويشمل ذلك دعوة الحكومة إلى إلزام حتى المتزوجين بطرق دينية دون أي سند قانوني بتسجيل ذلك الزواج مدنياً.

كما أشار إلى أن برنامج فكرة اليوم على راديو بي بي سي يجب ألا يتضمن أي رسائل دينية.

اللجنة سببت جدلاً كبيراً بسبب الشخصيات الرفيعة التي تقف ورائها. فهي تشمل روان ويليامز، الأسقف السابق بكانتربري، واللورد ولف، الرئيس السابق للمحكمة العليا، والسير إقبال سكراني، السكرتير العام للمجلس الإسلامي ببريطانيا.

وأثناء جمعهم للبيانات والأدلة  التقى  أعضاء اللجنة بشخصيات رئيسيةكبيرة منها جاستن ويلبي، أسقف كاتنبري، وإبراهام مرفيس، كبير الحاخامات، ووزيرة الداخلية تريزا ماي، وأيضاً كبار المديرين بشبكة بي بي سي و القناة الرابعة.

وقالت الكنيسة الإنجليزية إن التقرير كان ”مضيعة للوقت بشكل مؤسف“ و ”سقط أسيراً للأفكار الليبرالية.“

وقالت المتحدثة باسم كنيسة انجلترا ”هيمنت على التقرير وجهة النظر القديمة بأن الدين التقليدي يشهد تراجعاً في الأهمية والالتزام به إلى دين شبيه بالعلمانية أو الإنسانية.“

وقال مصدر قريب من وزيرة التعليم نيكي مورجان إنها وصفت التقرير والتوصيات حول المدارس الدينية بأنها ”سخيفة.“

وأضاف المصدر ”نيكي من أهم المناصرين للمدارس الدينية وأي شخص قد يتخيل أنها ستهتم بتلك التوصيات السخيفة هو موهوم بشكل كبير.“

أبرز التقرير أرقاماً تظهر تراجع الأشخاص الذين يقولون أنهم إنجليكيين من 40% منذ عام 1983 إلى أقل من الخمس في عام 2013.  فيقول ”هناك ثلاثة أمور بارزة في العقود الأخيرة أحدثت ثورة في شكل الدين والمعتقد ببريطانيا.

”الأول هو زيادة أعداد الأشخاص الذين لا يؤمنون بالأديان أو المعتقدات. والثاني هو تراجع أعداد الانتماء إلى المسيحية أو الإيمان بها أو ممارسة شعائرها، وذلك التحول في الانتماء المسيحي يعني أن الأنجليكيين لا يمثلون أغلبية المسيحيين.

الأمر الثالث هو ارتفاع أعداد الأشخاص الذين يؤمنون بديانات أخرى غير المسيحية.“

وجاء أيضاً في التقرير ”ارتفاع أعداد المؤمنين الغير إنجليكيين، وانخفاض أعداد المسيحيين وزيادة تنوعهم، وزيادة أعداد الأشخاص الذين ينتمون إلى معتقدات دينية غير المسيحية: ذلك هو السياق الاجتماعي في بريطانيا اليوم  ومتوقع في المستقبل، طالما استمر السياق الغير مستقر والمقلق في البيئة الدولية.“

وكانت التوصية الرئيسية بالتقرير هي حوار وطني يرسم بديلاً للماجنا كارتا في القرن الواحد والعشرين من أجل التعريف بقيم بريطانيا الحديثة بدلاً من العبارة الحكومية المثيرة للجدل، متطلبات ”القيم البريطانية“.

وقالت السيدة باتلر سلوس ”انطلاقاً من الأحداث الأخيرة في باريس إلى المدارس التي يذهب إليها الكثير من أطفالنا ومروراً حتى بالإعلانات التي تعرض على شاشات السينما، يؤثر المعتقد والدين بشكل جيد أو سيئ على حياتنا اليومية.“

أحد المدارس الدينية

وأضافت ”المقترحات في هذا التقرير تهدف إلى تناول جديد للدين والمعتقد في المملكة المتحدة، بهدف توفير الدور والمساحة لجميع من في المجتمع بغض النظر عن وجود معتقدات مختلفة لديهم أو عدمه.“

يبتعد التقرير -1150 صفحة- بشكل كبير عن مسيحية بريطانيا وبالأخص عن كنيسة انجلترا –مع وصف العديد من الأشخاص لأنفسهم بانهم لا يؤمنون بالأديان وارتفاع أعداداهم من أقل حوالي ثلث عدد السكان إلى النصف تقريباً خلال 30 عاماً فقط.

وفي نفس الوقت الذي يشير فيه إلى ارتفاع المعتقدات غير المسيحية، وخصوصاً الإسلام، والارتفاع الكبير في أرقام الكنائس الإنجيلية و ”خمسينية“ او ”عنصرية“ بعيداً عن الطوائف التقليدية.

لكن التقرير اعترض بشكل مقتضب على حلّ كنيسة انجلترا، وأشار إلى الموقف الخاص للإنجليكية في انجلترا وكنيسة سكتلندا في الشمال، بمساعدة المجموعات العقائدية الأخرى و”تمكينهم وجعل كلمتهم مسموعة في الفضاء العام.“

وبالرغم من ذلك عاد التقرير ليشير إلى ”العلاقة بين كنيسة انجلترا والدولة تغيرت وتتغير وقد تتغير إلى أبعد من ذلك.“ وجاء ”الشخصية التعددية في المجتمع الحديث يجب أن تنعكس على الهيئات الوطنية كمجلس اللوردات، لذا عليهم ان يشملوا طيفاً أوسع من الآراء والتقاليد الدينية، والتوجهات المسيحية الأخرى غير توجه كنيسة انجلترا.“

والأبعد من ذلك أن التقرير طالب في كل الأحداث الوطنية والمدنية –منها التتويج القادم- بضرورة أن ينعكس عليها ”الشخصية التعددية للمجتع الحديث.“

وعلى الرغم من ان التقرير لم يمتد إلى المطالبة بإلغاء المدارس الدينية، إلا أنه شكك في المنطق الأساسي لوجودها. وجاء فيه ”في انجلترا، زعمت الحكومات السابقة في السنوات الأخيرة أن المدارس الدينية هي مدارس مجانية من أجل تعزيز الاندماج الاجتماعي الذي بدوره يؤدي إلى التماسك والتكامل بين طبقات المجتمع.“

”على الرغم من رأينا بأن الأمر بالنسبة لنا غير واضح فيما يتعلق بأن تمييز أطفال من خلال توزيعهم على مدارس وفقاً لمعتقداتهم يعزز من التماسك أم أنه تقسيم اجتماعي يقود إلى توتر وقلة انسجام أكثر.“

لكن أيضاً تساءلت اللجنة في التقرير إلى التوجه المتخذ نحو الدين في الجامعات أو الكليات ، حيث يشمل إجراءات تحد من التطرف في الحرم الجامعي –وخصوصاً المطالبات من المحاضرين بالإبلاغ عن الطلاب الذين يبدو عليهم علامات التطرف.

”النقاش الحر من يجب أن يكون متاحاً دون خوف من أن يتم وصم الطلاب بالمتطرفين أو تلتفت الاجهزة الامنية إليهم.“ وجاء بالتقرير أيضاً ”ستتعامل الجامعات بشكل أفضل مع الدين لو تناولته كجزء من المناقشات الفكرية وليس عنصر خارجي يجب مواجهته.“

كما طالب الحكومة في إعادة النظر في طريقة التعامل مع المجتمع المسلم بشكل عام، من بين ذلك استشارة هؤلاء الذين تبدو أرائهم غير مستساغة سياسياً.

فجاء بالتقرير ”في اختيار المنظمات التي سنتعامل معها، يجب على الحكومة أن التصور بأن الامور بسيط فهي تتعامل مع مسلمين جيدين أو سيئين، أو بين متطرفين أو معتدلين أو متطرفين عنيفين أو لا يمارسون العنف.“

كما اقترح التقرير تشكيل ”هيئة استشارية“ من الخبراء الدينيين من أجل فحص الشكاوى حول التعامل مع الدين في الإعلام. وقالت كيث بورتيوس، المدير التنفيذي للمجتمع العلماني القومي إن التقرير لم يتعمق في هذا الأمر.

وأضافت ”هناك بعض التوصيات الحساسة في تقرير اللجنة، لكن لا مفر من أن اللجنة مكونة من أصحاب المصالح الخاصة ومن غير المحتمل أن تقدم توصيات بتغيير جذري. فحلّ كنيسة انجلترا يجب أن يكون أقل الطموحات في بريطانيا الحديثة بالقرن الواحد والعشرين.“

وقال ميشيل نظير علي ،الأسقف السابق لروتشيستر: ”بما يتعلق بحفل التتويج القادم، أتمنى أن ياتي بعد وقت طويل لكن عندما يأتي، ستكون فرصة مهمة من أجل التأكيد على أسس الأمة الدستورية.“

وأضاف ”هذا تراث يهودي ومسيحي، ووعدتنا الملكة بالحفاظ على قوانين الرب وقيم الإنجيل.“

أما الحاخام داني ريتش، المدير التنفيذي للطائفة اليهودية الليبرالية،فقال ”لو فشلنا في إدراك طبيعة الاختلافات في مجتمعنا و في مؤسساتنا المدنية أو فعالياتنا الوطنية ونظامنا التشريعي ومدارسنا وإعلامنا، فهنا نحن نخاطر باستعداء قطاعات كبيرة من مجتمعان سيرون أنفسهم ك (الآخرين).“

وأضاف ”سيؤدي ذلك إلى شعورهم بالاستبعاد ليس فقط من حقوق المواطنين البريطانيين، لكن أيضاً من الالتزامات ومعايير السلوك التي يكتسبها من كونه شريكاً كاملاً في المجتمع البريطاني. هذا خطر كبير متنام يهددنا جميعاً.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى