ترجماتمنوعات

كيف تسبب اختفاء بحر آرال في انتعاش السياحة بأوزباكستان؟

“في تاريخ البشرية الحديث، لم يحدث أن يفنى بحر أمام أعين جيل واحد”
المصدر: NEWYORK TIMES

ترجمة: رنا ياسر

“عندما فتحت الباب كان كل شيء أبيض مثل الثلج”، كلمات رددها عالم البيئة، جيليبوي زيميوراتوف، الذي يبلغ من العُمر حوالي57 عامًا، مستقبلاً عاصفة شديدة القوة في أثناء خروجه من منزله في يوم من أيام شهر مايو، وهو واحد من أحفاد الصيادين في هذا المكان الذي لم يعد فيه مجالاً لممارسة مهنة الصيد لأنه لم يبق هناك سمكة واحدة.

على مدار 3 أيام نقلت هذه العاصفة الطمي قبالة قاع بحر آرال الواقع بين أوزبكستان وكازاخستان – الذي كان يعد رابع أكبر بحر مُغلق في العالم – حد أن هذه العاصفة أخفت السماء وتركت سكان مدينة “مويناك” الواقعة في لكاراكالباكستان غرب أوزبكستان، في مواجهة مع الحصوات المالحة التي هبت مع قوة  العاصفة.

“كان من المستحيل الرؤية، فقد كان الملح جافًا حد أنه يلتصق بالجلد فيصعب إزالته، إلا أنه يمكنك بالكاد غسله بالماء، وما كان للورود أن تذبُل بفعل الرياح العاتية” تبعًا لما قاله أحد سكان المدينة.

ومن المفارقات، أن كارثة من صنع الإنسان، أصبحت عامل جذب رئيسي في السنوات الأخيرة فجعلت  السياحة فيها تعاود ازدهارها، فقد تعرض بحر “آرال”، الذي كان يعد رابع أكبر بحر مُغلق في العالم إلى استنزاف من قبل دولة الاتحاد السوفيتي التي قررت  تحويل مجري مياه الأنهار  التي تغذي آرال، في شمال شرق البلاد، لري المساحات المستصلحة من الصحاري، فبدأ البحر بالجفاف و تقلص حجمه تدريجيًا حتى أصبح بالكاد يسمى بحيرة، بعد أن فقد 90% من مسطحه المائي، وبدت الأمواج حينما تميل مرة واحدة، توقع بالسفن الصدئة في قاع البحر الرملي أسفلها.

تعود جذور المشكلة إلى ما يقرب من 60 عامًا عندما قرر رئيس الوزراء السوفيتي، نيكتاس خروشوف، الاعتماد على الزراعة عبر آسيا الوسطى على الرغم من جودتها، حينما تم تحويلي نهري أموداريا وسيرداريا، إلى قنوات ري تُغذي حقول القمح والقطن ومع بداية السبعينات اختفت دلتا أموداريا التي كانت تحوي آلاف الجزر ونظاماً بيئياً فريداً من نوعه، وأصبح بذلك البحر الذي كان  يزخر بثروة سمكية هائلة  مجموعة بحيرات صغيرة مالحة.

“من المحزن أن يتحول بحر ليصير مجرد مقبرة للسفن”، حسبما أعربت بولين بيلهوت، التي كانت تقوم بجولة في مدينة مويناك، من ضمن جولتها حول العالم، مضيفة للصحيفة الأمريكية: “فرؤيتك لقوارب تسكن على هذا النحو، يجعل الوضع مُخيف قليلاُ”

في الوقت الذي كان يفتقر فيه ميناء مدينة مويناك الحياة، أصبح يضم الآن 3 فنادق على شاطئه، إلى جانب مقهى إنترنت للسائحين، فضلاً عن أن الحكومة الكازاخية تنظم الآن مهرجانًا للموسيقى في 14 سبتمبر القادم.

يبعد البحر الذي اختفى من مونياك في عام 1989، حوالي 75 ميلاً عن المدينة، كما أن حدوث هذه العاصفة التي لم يسبق لها مثيل في مايو الماضي، أكدت توقعات الحقيقة المروعة أن الآثار البيئية الناجمة عن فقدان بحر آرال تتزايد،حسبما أشارت “نيويورك تايمز”.

في هذا الإطار، قالت هيلينا فريزر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أوزبكستان ، “إن اختفاء البحر ليس مجرد مأساة، كما قال كثيرون، حيث أنه خطر نشهده أمام أعيننا”

مشكلة بحر آرال ليست جديدة على الإطلاق، فقد انشأت الدول الخمس في آسيا الوسطى كازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان ، صندوقًا دوليًا لإنقاذ بحر آرال منذ 25 عامًا، على الرغم من رفض هذه الدول التعاون في المشاكل الرئيسية مثل توزيع المياه.

هذا الوضع بقى زمنًا طويلاً دون حل، إلى جانب أساليب الزراعة المشكوك فيها الاتحاد السوفيتي، كل ذلك كان يتم في أثناء البحث عن مشروع هائل من أجل إعادة وجود البحر.

وفي الوقت الذي انهار فيه الاتحاد السوفيتي عام 1991، كان بحر آرال يتراجع بالفعل، ومع زيادة نسبة توزيع المياه إلا أن دول وسط آسيا وقعت اتفاقًا لثبات هذه النسبة، ولاتزال تركمانستان وأوزبكستان تزرعان القطن، وفي الوقت الذي تدفع فيه بحملة ضد العمل القسري لحصد المحصول في أوزبكستان، أدى نقص الإمداد بالمياه إلى انخفاض نسبة الزراعة، كما أدى تغيير المناخ إلى  ازدياد ندرة المياه  إذ تتقلص الأنهار الجليدية في جبال تركمانستان وقرغيزستان التي تغذي النهرين.

وقبل اختفاء البحر، كان مونياك، ميناءً مزدهرًا لحوالي 25 ألف شخصًا، عملوا معظمهم في الصيد وأن حوالي 20% من جميع الأسماك المُستهلكة في الاتحاد السوفيتي جاءت من حوالي 30 نوعًا من بحر آرال.

ويُشار إلى أنه بجانب قتل صناعة الصيد، فأن اختفاء البحر ولد مجموعة من المشاكل الصحية مثل أمراض الرئة  والكلى وزيادة معدل الوفيات، فبدون الأثر الخفيف من هبوب الرياح عبر المياه، يكون فصل الصيف أكثر سخونة والشتاء أكثر برودة في جميع أنحاء المنطقة  حسبما أوضحت صحيفة “نيويورك تايمز”.

تجدر الإشارة إلى أن كازاخستان المجاورة، قد انسحبت من العمل الهام الخاص باستعادة بحر آرال، وبنت سدًا ترابيًا كبيرًا في عام 2005 لاحتواء مياه نهر سيرداريا داخل حوض أصغر.

ورغم ذلك، فإن الأسماك التي اختفت فجأة، عادت لتزدهر الآن، إلى جانب بناء الحكومة 8 محطات مائية للمعالجة، حتى أن مدينة أرالسك الكازاخستانية، التي تقع على الطرف المقابل لبحر آرال على بُعد حوالي  10 أميال فقط، والتي دُمرت مثل مويناك، قد تنتعش كميناء للصيد مع البحر.

إذا كان حلم استعادة البحر الكامل قد تم التخلي عنه إلى حد كبير، فأن الخبراء يرغبون في سحب أقل كمية ممكنة للأنهار، لذا قال المسؤولون إنه يتعين على بلدان آسيا الوسطى أن تشترك في العملية الدقيقة لإعادة التفاوض بشأن توزيع المياه وتنسيق برامج المعونة.

“الهدف الرئيسي اليوم هو التخفيف من عواقب كارثة آرال” حسبما قال اليخانوف، المختص بالأوضاع البيئية، مؤكدًا  “في تاريخ البشرية الحديث، لم يحدث أن يفنى بحر أمام أعين جيل واحد.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى