مجتمعمنوعات

ما سر “غباء” الرأي العام؟

ما سر “غباء” الرأي العام؟

12142015_Donald_Trump

كوارتز- أندريه سبايسر

ترجمة: محمد الصباغ

يبدو أن الفجوة بين تحليلات الخبراء و”الرأي العام” تتسع بمرور الأيام. ففي الولايات المتحدة، هناك دعم شعبي واضح لسياسات دونالد ترامب والتي يشير إليها أغلب الخبراء بأنها على الأقل مصدر ريبة وشك. وفي المملكة المتحدة، تابعنا مجموعة كبيرة من خبراء الاقتصاد يحذرون من التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن أغلبية المواطنين صوتوا للمغادرة على أي حال. ويواصل المجتمع العلمي حول العالم في التحذير من كوارث ومخاطر تغير المناخ، ويرى مجموعة كبيرة من العامة إلى الآن أن تغير المناخ بشري الصنع مجرد خديعة.

هؤلاء فقط ثلاثة أمثلة على الظاهرة لمنتشرة: يضع الخبراء الذين يمتلكون معلومات كافية رؤيتهم حول موضوع ما بناء على الدلائل المتاحة، في حين أن الرأي العام يسير في اتجاه آخر. فما الذي يحدث بالفعل؟

إحدى الإجابات الممكنة هي بكل بساطة أن الرأي العام غبي. ولوضع ذلك في صيغة مقبولة نسبيا، فالعامة لا يمتلكون درجة من الذكاء، أو تعليم كاف، أو حتى معلومات صحيحة للتعامل مع النقاشات بدقة. رما يتقبل هذا التفسير بعض الخبراء الذين تم تجاهل آرائهم، لكنه غيرصحيح. يمتلك الكثير من العامة ذكاء كافيا للدخول في نقاش أساسي. ولم تصل معدلات التعليم إلى هذا المستوى من قبل وعلى الأغلب أي معلومة تكون متاحة بشكل سريع أمام الجميع من خلال الإنترنت.

أما الإجابة الثانية فهي أن ثقة العامة في الخبراء في تراجع. لكن بنظرة قريبة نجد أن هذا الأمر ليس صحيحا. فتظهر الإحصاءات السنوية وفقا لمؤسسة إيلدمان للثقة، أن الأكاديميين وخبراء الصناعة يحظون ثقة العامة بنسبة تصل إلى 70%.

قرارات سريعة

للتوصل إلى السبب الحقيقي لمعارضة الناس لآراء الخبراء حول القضايا الهامة، علينا أن نلقى نظرة على كيفية تداول المعلومات. في كتاب “المفارقة الغبية”، بدأتُ مع ماتس ألفيسون البحث وسط عالم مليء بالأشخاص الأذكياء عن سبب انتهاء الأمر بنا إلى اتخاذ قرارات غبية.

أحد الأسباب هو انحيازاتنا المعرفية المتأصلة. عادة ما نتخذ قرارات سريعة حول قضايا معقدة بناء على معتقداتنا السابقة. وبعد اتخاذ هذه القرارات -والتي عادة تكون في أجزاء من الثانية- نبدأ في مرحلة إثبات لأنفسنا أننا على صواب. نبدأ في البحث عن المعلومات التي تبرر القرارات التي اتخذناها بالفعل. الكثير من العامة بالفعل اتخذوا قراراتهم في ما يتعلق بقضايا مثل أوروبا أو تغير المناخ سياسات ترامب وما يركزن عليه الآن هو إيجاد معلومات تؤكد أن قراراهم المتخذ في أجزاء من الثانية كان صحيحًا. ويتم تجاهل المعلومات التي تدحض معتقداتهم بعناية، فقد تجعلهم لا يشعرون بالراحة ويتطلب ذلك منهم التفكير مرة أخرى.

ومن الحقيقي أن الانتباه بشكل كبير إلى إثباتات الخبراء يمكن أن يؤدي إلى عدم الارتياح. يقرر البشر تجنب ما يطلق عليه العلماء التنافر المعرفي بأي ثمن. عندما لا تتناسب الحقائق مع ما نؤمن به، نفضل تغيير الحقائق وليس ما نؤمن به.

وسبب آخر لتجاهلنا الخبراء هو أن نصيحتهم قد تتسبب في عدم الشعور بالراحة مجتمعيا، فقد تبدأ في مناقشات غريبة مع زملائك. ولتجنب ذلك، يختار الناس أن ينحازوا إلى أحكام زملائهم. هذه الطريقة في التفاعل المجتمعي الطريقة يجعلك مقبولا في المجموعة، وذلك على المدى القصير. أما على المدى الطويل، يمكن أن يخلق ذلك نوعا من التفكير الجماعي الخانق.

عادة ما يكون للاقتصاديين تأثير قليل على الرأي العام فيما يتعلق بالقضايا الهامة. ويظهر البحث أن خبراء الاقتصاد يؤثرون على الرأي العام فقط عندما يتعلق الأمر بمسألة فنية. عندما تكون لقضية رمزية بشكل كبير، مثل الاتحاد الأوروبي -يتجاهل العامة آراء الاقتصاديين.

وعندا يتعرض العامة لآراء خبراء الاقتصاد والتي تتناقض مع وجهات نظرهم، يكونون أكثر تشبثا بآرائهم. يبحثون عن المعلومات التي تدحض رأي الخبراء ويتجاهلون ما يدعمها.

نكون أكثر تمسكا بأفكارنا المعارضة لإجماع الخبراء عندما يكون النخبة أكثر انقساما حول القضية. في دراسة أجراها ثلاثة أمريكيين من علماء السياسة، وجدوا أن الأحزاب السياسية بالولايات المتحدة أصبحت أكثر انقسامًا خلال الخمس وعشرين عاما الماضية، وأصبح الناس أكثر إيمانا بالمبادئ التي يتبناها حزبهم.

لا يتعلق الأمر بفقر أو سخف العامة. فالطريقة التي يفكر بها الخبراء حول القضايا المعقدة أصبحت ضبابية. هم غير قادرين على الاستماع لوجهات نظر أبعد من دوائرهم العلمية.

لذا لا تتفاجئوا عندما يكرر الخبراء تحذيراتهم من ترامب والخروج من الاتحاد الأوروبي أو تغير المناخ، ويأتي ذلك بنتيجة عكسية على العامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى