“باسم يوسف لـ”فايس”: هذا ما فعله بنا “مرسي
حوار باسم يوسف مع “فايس” كاملا
ترجمة- محمد الصباغ
يعدّ باسم يوسف من أشهر الرجال على سطح الكوكب، يمتلك 7 ملايين متابع لحسابه على “تويتر”، لكن في حفلات العشاء الأمريكية فقط عندما تقول “جون ستيوارت المصري”، ستجد من الحضور نظرة تدل على معرفتهم به.
يشير فرانز فانون في كتابه ”معذبو الأرض“ إلى أن نزع صفة الإنسانية عن الأشخاص هو شكل من أشكال الاستعمار. في الإعلام الأمريكي، هذا التجريد أو النزع يأتي في شكل شيطنة هؤلاء الأشخاص، وهذا ما يجعل الرجال الذين تعرَف أسماؤهم فقط في الشرق الأوسط هم من تريد الولايات المتحدة إزاحتهم عن السلطة أو اغتيالهم. يبقى الجيدون بلا أسماء، مما يخلق مشكلة عند الحديث عن باسم يوسف، 42 عامًا، أو المعروف بجون ستيورات المصري. صار باسم رجلا طيبا حسن النية في الغرب، عندما تم ربط اسمه باسم آخر، والطريقة الوحيدة التي يعرفها الإعلام الأمريكي هي ”أمركته“ أو جعله أمريكيّا.
وفي فيلمها الوثائقي، دغدغة العمالقة (Tickling Giants)، الذي عُرض في مهرجان تريبيكانا للأفلام الشهر الماضي، تسعى سارة تاكسلر إلى إظهار أن باسم يوسف هو أكثر من كونه فقط جون ستيوارت المصري. وفي الفيلم تعرض تحوله من جرّاح للقلب إلى علاج المصابين في ميدان التحرير خلال الثورة المصرية عام 2011، إلى شخصية عالمية مشهورة، يواجه السلطة بالحقيقة من خلال النكتة.
كان صديق باسم هو من أقنعه في البداية بنشر مقاطع فيديو ساخرة حول الربيع العربي على موقع يوتيوب، فبعد عقود من سيطرة الديكتاتور على وسائل الإعلام بقبضة حديدية، كانت هذه أول مرة يتحدث فيها شخص ما بكل جرأة عن سلطة الرئيس مبارك. قال الأشياء التي فكرت فيها الجماهير لكن لم تجرؤ على قولها، وفعل ذلك مع وهج كوميدي يطل من عينيه.
خلال أسابيع، انهالت عليه عروض من قنوات بارزة، وكان على الطبيب أن يواجه مسألة إما الاستمرار في خدمة العامة في المستشفيات أو بدء حياة مهنية جديدة كمذيع كوميدي. وبعد وقت قصير، سخر برنامجه ”البرنامج“ من جماعة الإخوان المسلمين وقائدها محمد مرسي، الذي فاز بأول انتخابات رئاسية حرة في مصر عام 2012. وألقى الكثير من النكات حول محاولات مرسي التحدث بالإنجليزية والالتفاف على القانون.
استضافه برنامج جون ستيوارت ”ذا دايلي شو“ في يونيو 2012، حيث قابل تاكسلر للمرة الأولى. وقالت تاكسلر لي: ”تأثرت كثيرًا لأنني وجدتهم يفعلون ما نقوم به، لكن مع مخاطر أكبر.“ وتابعت: ”أنا شخص يتعامل مع الحياة والسياسة والعالم من خلال النكتة، وكان من الصعب أن أتخيل معاقبة أشخاص عرفتهم وعملت معهم بسبب السخرية. كنت في حالة خوف مما يفعله باسم وفريق عمله.“
لكن دغدغة المشاعر، كانت قصة من المقدر لها أن تتغلب على الجانب المظلم. أصبح باسم شخصية مشهورة حول العالم في أبريل 2013، بعد صدور أمر بالقبض عليه بعد اتهامات بإهانة مرسي والدين الإسلامي. كانت القشة الأخيرة حين سخر باسم من استخدام مرسي للغة الإنجليزية عندما قال إن الكحول وقيادة السيارة لا يحدثان معا (Gas and alcohol don’t mix). أسقطت الاتهامات عنه في مرحلة لاحقة، لكن تم إنهاء عمل البرنامج مرتين، بعدما رضخت قناة سي بي سي المصرية وبعدها إم بي سي المملوكة لسعودي، للتهديدات من السلطات.
وجد بعد ذلك باسم يوسف والشركة المنتجة للبرنامج مطالبين بدفع غرامة قدرها مليون دولار بسبب السخرية من الجيش. كانت تلك الضربة التي قرر بعدها باسم الرحيل إلى سان جوزيه بكاليفورنيا. وفي بداية هذا العام، ذكرت تقارير أن تلك الغرامة قد ألغيت. قابلتْ باسم يوسف مؤخرًا في نيويورك. تحدثنا عن فيلم وثائقي عنه، وكيف كانت جولته الأخيرة وأحاديثه الملهمة، وبعض الشيء عن حياته في الخارج.
فايس: هل موافقتك على الظهور بالفيلم تعد طريقة لاستمرارك في المواجهة من أجل الديمقراطية في مصر؟
باسم يوسف: دعني أسألك سؤالًا: هل يمكنك أن ترفض عرضا من شخص بعمل فيلم وثائقي عنك؟ كم عدد الأشخاص الذين يتلقون عرضًا كهذا؟ سارة قالت لي ”أريد صناعة فيلم وثائقي عنك،“ وقلت لها ”حسنًا“. لكن عليك أن تدرك أيضًا أن في ذلك التوقيت عام 2012، لم يكن لأحد أن يتنبأ بهذا المستقبل. كنا في موقع جيد. في الحقيقة قلت ”ربما يصبح الأمر مملًا.“ ربما أقصى ما يمكن الوصول إليه أن أستضيف جون ستيوارت في برنامجي، أو يستضيفني هو، هذا هو كل ما بالأمر. لم يتخيل أحد أن يكون برنامجي بمثل هذا التأثير، وأن العوائق ستكون بهذا الحجم الكبير، أو أن المخاطر ستتغير.
بدأت ببرنامج على يوتيوب، هل تخيلت نجاحه؟ أنت طبيب، ما الذي جعلك تعتقد بأنك تستطيع أن تكون معلقًا على الأحداث السياسية؟
لم أر نفسي كنجم أو شيء من هذا القبيل. كنت طفلًا عاديًا. كنت غريبًا في الواقع. صديقي طارق، الذي أعرفه منذ 7 سنوات، جاء وبمجرد وجودي في منتصف مكان ما، أجعل الناس يستمعون إليّ.
لماذا كان ذلك؟
يمكن القول إنني كنت شخصا يمتلك الكاريزما. كنت اجتماعيًا: يمكن للناس الحديث معي، أتحدث إليهم، لكن ليس لحوالي نصف سكان الأرض. لا أعتقد أنني كنت شيئًا مميزًا حتى بدأت.
هل كنت طبيعيًا أمام الكاميرا؟
عندما شاهدت حلقاتي الأولى على يوتيوب، لم أستطع تحمّل مشاهدة نفسي لثلاثين ثانية. كأي شيء، عندما تتابع أي شخص عند بداية برنامجه، وبعد سنوات قليلة، فبالطبع سيكون هناك تغيير. كان هناك تطور، وتحسن، واستثمار.
ما اللحظة التي اعتقدت فيها أن الأمر يمكن أن يصبح أكبر؟
مع أول تعاقد تليفزيوني: بعد شهرين من بدايتي على يوتيوب. سارت الأمور بطريقة سريعة جدًا، وكان أول موسم في استوديو صغير. اعتقدت آنذاك بأن العرض سيكون على الهواء. أردت القيام بذلك على طريقة جون ستيوارت، متابعين في الاستوديو وعلى الهواء مباشرة. مع كل نكتة يضحك المتابع على الهواء.
هل هناك ارتباط بين كونك جرّاحا وكوميديا؟
هناك ارتباط افتراضي لم أعلم به حتى قرأت عنه. السخرية في اليونان تعني تقطيع الطبقات، لذا أعتقد أنهما شيء واحد.
ما الذي جعلك تذهب إلى ميدان التحرير؟
ذهب الجميع إلى ميدان التحرير لمعرفة ما الذي يحدث. تابعنا ذلك على قنوات التليفزيون، وأردنا معرفة ما كان يحدث. وكطبيب، ذهبت بعد الهجوم على الميدان وكنت مع زملائي الآخرين في المستشفى، وقررنا أن نحمل أدواتنا معنا إلى الميدان.
هل كانت التجربة الأكثر رعبًا؟
كانت تجربة جديدة. أعني، كنا أسرى تلك الفترة، وكنا نعالج الناس. مرت الطلقات النارية وأشياء أخرى من فوق رؤوسنا. كانت تجربة غريبة.
أصبحت مشهورًا بسبب البرنامج، وفي الوثائقي قلت إن الشهرة صحبها الخوف، هل يمكنك توضيح ذلك؟
لأن ذلك جعلني تحت الأضواء. قلت في إحدى الحلقات: ”تمنيت لو كان لي حياة مختلفة.“ جاء ذلك من حقيقة أنني وجدت نفسي وسط شيء ما لم أعمل من أجله. كنت أصنع النكات، وفجأة بدأ الجميع في ملاحقتي.”
هل تعتبر نفسك شخصا عنيدا؟
ربما مثابر، مثابر ستكون الكلمة الأفضل.
كيف كانت حياتك تحت حكم نظام الرئيس حسني مبارك؟
كنت أحد المحظوظين. حالتنا الاجتماعية جيدة. كنا من الطبقة فوق المتوسطة، ما شهدناه لم يكن فقرًا، أكثر منه ظلم وركود. حتى لو لم يحدث شيئًا لك بشكل مباشر، كان يمكنك رؤية ما أحدثك عنه. هذا ما جعل كثيرين منا يلتحقون بركب الثورة، حتى لو لم نُظلم أو نسجن أو نكن من الفقراء.
هل تعتقد أن التخلص من مرسي كان خطأ، عندما فعلت مصر ذلك؟ حتى عندما أصدر قرارات غير دستورية، كانت هناك فرصة لرؤية ما إذا كان سيحترم الديمقراطية ويقيم انتخابات أخرى؟
لم تكن هناك أي فرصة. لو بدأت خطابا أصوليا ومتطرفا جدا، ولم تستمع للآخرين فأنت تضعنا أمام معادلة نحن أم هم. القوى الليبرالية لم يكن لديها القوة وكان هناك الجيش.
بالطبع أدركنا بعد فوات الأوان، أنه من الخطأ استخدام الجيش، لكن البديل -السماح لمرسي بإعادة كتابة الدستور وحظر المعارضة- لو استمروا أكثر من ذلك، كانوا سيستخدمون الجيش لفعل نفس الشيء الذي يفعلونه الآن. الخيار بشكل أساسي بين أخف الضررين. لا أعرف ما الخيار الأخف ضررًا، لأن بكليهما ضررا.
ما شعورك تجاه ما يسمى الربيع العربي، بعدما صارت مصر تحت قيادة شخصية عسكرية مرة أخرى؟
هذه بداية، والديمقراطية تحتاج بعض الوقت. هذه بداية شيء آخر، وأعلم أن المسار يبدو فوضويا حاليًا، لكن هناك حاجة لبعض الوقت، لكن ستبدأ الأمور في أخذ طريقها الصحيح في وقت ما.
لديك الآن هذه الحياة في أمريكا، لكنها تأتي من موقع حزن؟ ما شعورك تجاه برنامجك الآن؟
أنت تعرف، الأمور في صعود وهبوط. يريدون سخرية ونكات ”منقحة“. ولديك فرصة بداية كل ذلك من البداية. كما قلت خلال الفيلم، اخترت أن أحترم البرنامج وأن أكون وفيا للرسالة وأن أغادر.
تعمل الآن على برنامج لفيوجن تي في على يوتيوب. هذه المرة حول السياسات الأمريكية من منظور شرق أوسطي. هل ذلك لأنك تشعر بأن بحياتك في الخارج، لم يعد ممكنًا أن تعلق على الحياة اليومية في مصر؟
أعلق من خلال حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الحقيقة هي أنه بالنسبة لصناعة برنامج عن مصر، من خارج الدولة، كما قلت آنذلك: ”لا، لا أستطيع القيام بذلك. سيكون أشبه بوقوفي بالخارج وإلقاء الحجارة.“
عندما أعلق على مواقع التواصل، فهذا رأيي الشخصي، لكن بوجود إنتاج كامل تكون القصة مختلفة.
تقوم أيضًا بإلقاء كلمات في جولات عديدة، وقمت مؤخرًا بعرض في لندن، ونيويورك ولوس أنجلوس، إلى أين تسير تلك الأمور؟
الفكرة مرتبطة بأنني أريد تطوير قصتي إلى قصة مسرحية. مثل ”دغدغة العمالقة“ لكن ليس الفيلم. بشكل أساسي، أعرض كيف تتلاعب وسائل الإعلام بالناس، كيف يستخدم الإعلام الإسلامي والعسكري والليبرالي نفس الخطابات، وأقوم بالمقارنة بين تلك الخطابات لذا بدلًا من صنع فكرة جامدة، تكون أكثر تفاعلية. أعتقد بأنها أفكار تأسيسية حتى اللحظة، ومتأكد من أنه عندما يتبلور كل ذلك في هيئة كتاب، ستكون هناك أفكار أخرى أكثر.