الوقت ينفد في كوريا الشمالية
الوقت ينفد في كوريا الشمالية
ريتشارد ن. هاس
ترجمة: إبراهيم محمد علي
نيويورك ــ هناك إجماع متزايد على أن أولى أزمات رئاسة دونالد ترمب الحقيقية ربما تشمل كوريا الشمالية، وعلى نحو أكثر تحديدا قدرتها على وضع قنبلة نووية على واحد أو أكثر من الصواريخ الباليستية القادرة على بلوغ المدى الكافي للوصول إلى الولايات المتحدة. وقد تنشأ الأزمة من عوامل أخرى أيضا: على سبيل المثال، أي زيادة كبيرة في عدد الأسلحة النووية التي تنتجها كوريا الشمالية، أو ظهور أدلة تشير إلى أنها تبيع المواد النووية لجماعات إرهابية، أو استخدامها لبعض قواتها العسكرية التقليدية ضد كوريا الجنوبية أو القوات الأميركية المتمركزة هناك.
لا يسعنا أن نهدر أي وقت: فقد يحدث أي من هذه التطورات في غضون أشهر أو سنوات على الأكثر. ومن الواضح أن نهج الصبر الاستراتيجي في التعامل مع كوريا الشمالية والذي تبنته الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين بلغ منتهاه.
يتمثل أحد الخيارات ببساطة في قبول الزيادات الحتمية في كم ونوعية المخزون النووي والصاروخي لدى كوريا الشمالية باعتبارها أمرا حتميا. وسوف يكون لزاما على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان أن تعتمد على تركيبة من الدفاعات الصاروخية وتدابير الردع.
المشكلة هي أن الدفاعات الصاروخية منقوصة، والردع غير مؤكد. والشيء الوحيد المؤكد هو أن فشل أي من الأمرين من شأنه أن يؤدي إلى تكاليف لا يمكن تصورها. وفي ظل هذه الظروف، ربما تعيد كل من اليابان وكوريا الجنوبية النظر في ما إذا كانت هي أيضا في احتياج إلى الحصول على الأسلحة النووية، مما يزيد من خطر حدوث سباق تسلح جديد ربما يزعزع الاستقرار في المنطقة.
وتتلخص مجموعة ثانية من الخيارات في توظيف القوة العسكرية، إما ضد تهديد كوريا الشمالية أو تهديد آخر يُرى أنه وشيك. والمشكلة في مثل هذا النهج هي عدم اليقين حول قدرة الضربات العسكرية على تدمير كل صواريخ كوريا الشمالية وأسلحتها النووية. لكن حتى لو أمكن ذلك، فربما تنتقم كوريا الجنوبية باستخدام قوات عسكرية تقليدية ضد كوريا الشمالية. ولأن قوات سول والولايات المتحدة المتمركزة في كوريا الجنوبية تقع ضمن نطاق الآلاف من قطع المدفعية، فإن الخسائر في الأرواح والأضرار المادية قد تكون هائلة. ومن المؤكد أن حكومة كوريا الجنوبية الجديدة (التي ستتولى مهامها في غضون شهرين) سوف تقاوم أي تحرك ربما يشعل شرارة مثل هذا السيناريو.
ولهذا يرى بعض المراقبين ضرورة تغيير النظام، على أمل أن تثبت قيادة مختلفة في كوريا الشمالية أنها تتمتع بقدر أكبر من الحكمة والعقل. وربما يحدث هذا حقا؛ ولكن نظرا لمدى انغلاق كوريا الشمالية، فإن تحقيق مثل هذه النتيجة يظل أقرب إلى التمني من كونه سياسة جادة.
ويقودنا هذا إلى الدبلوماسية. فربما تعرض الولايات المتحدة (في أعقاب مشاورات وثيقة مع الحكومات في كوريا الجنوبية واليابان، وفي الحالة المثالية على خلفية من قرارات الأمم المتحدة الإضافية والعقوبات الاقتصادية) إدارة مفاوضات مباشرة مع كوريا الشمالية. وبمجرد بدء المحادثات، يستطيع الجانب الأميركي أن يعرض صفقة توافق كوريا الشمالية بمقتضاها على تجميد قدراتها النووية والصاروخية، وهو ما يستلزم وقف جميع التجارب للأسلحة النووية والصواريخ، إلى جانب تمكين المفتشين الدوليين من التحقق من الامتثال. وينبغي لكوريا الشمالية أن تتعهد أيضا بعدم بيع أي مواد نووية لأي دولة أو منظمة أخرى.
في المقابل، تعرض الولايات المتحدة وشركاؤها، فضلا عن المحادثات المباشرة، تخفيف العقوبات. وبوسع الولايات المتحدة ودول أخرى أن تتفق على توقيع اتفاقية سلام مع كوريا الشمالية ــ بعد أكثر من ستين عاما من نهاية الحرب الكورية.
وبوسع كوريا الشمالية (مثل إيران في بعض النواحي) أن تُبقي على خيارها النووي ولكن مع منعها من ترجمته إلى واقع. ولن تُمارس الضغوط هذه المرة بشأن انتهاكات كوريا الشمالية العديدة لحقوق الإنسان، وإن كان على قادة البلاد أن يفهموا أن حدوث أي تطبيع للعلاقات (أو إنهاء للعقوبات) أمر مستحيل طالما ظل القمع هو القاعدة. وسوف يتطلب التطبيع الكامل للعلاقات أيضا تخلي كوريا الشمالية عن برنامج الأسلحة النووية.
في الوقت نفسه، ينبغي للولايات المتحدة أن تحد من المدى الذي قد تكون على استعداد لبلوغه. فلا ينبغي أن تكون للمناورات العسكرية الأميركية الكورية الجنوبية المشتركة نهاية، فهي تشكل عنصرا ضروريا للردع والدفاع المحتمل، في ضوء التهديد العسكري الذي تفرضه كوريا الشمالية. ولنفس السبب، فإن فرض أي قيود على القوات الأميركية في البلاد أو المنطقة لن يكون مقبولا. وأي مفاوضات لابد أن تُجرى في غضون فترة زمنية محددة، خشية أن تستخدم كوريا الشمالية ذلك الوقت لخلق حقائق عسكرية جديدة.
ولكن هل يصادف مثل هذا النهج النجاح؟ الإجابة القصيرة هي “ربما”. فمن المرجح أن يكون موقف الصين بالغ الأهمية. صحيح أن القادة الصينيين لا يحملون قدرا كبير من الود لنظام كيم جونج أون أو أسلحته النووية، ولكنهم يكرهون احتمال انهيار كوريا الشمالية وتوحيد شطري شبه الجزيرة الكورية على أن تكون عاصمتها سول.
السؤال هنا هو ما إذا كان من الممكن إقناع الصين (القناة التي تمر عبرها السلع دخولا وخروجا من كوريا الشمالية) باستخدام نفوذها الكبير مع جارتها. وينبغي للولايات المتحدة أن تقدم بعض التطمينات إلى أنها لن تستغل توحيد شطري شبه الجزيرة لتحقيق ميزة استراتيجية، في حين تحذر الصين من المخاطر التي يفرضها المسار الذي تنتهجه كوريا الشمالية حاليا على مصالحها. ومن الواضح أن إدارة المحادثات المستمرة مع الصين حول أفضل السبل للاستجابة للسيناريوهات المحتملة على شبه الجزيرة أمر منطقي.
مرة أخرى، ليس هناك ما يضمن نجاح الدبلوماسية، ولكنها قد تنجح. وحتى لو فشلت، فإن التدليل على وجود جهود حسنة النية من شأنه أن يحد من صعوبة التفكير في سياسية بديلة، وتنفيذها، ثم في قت لاحق تقديم تفسير واضح للمراقبين المحليين والدوليين حول الأسباب وراء انتهاج هذه السياسة البديلة، التي تتضمن استخدام القوة العسكرية.
ريتشارد ن. هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف كتاب “عالَم في فوضى: السياسة الخارجية الأميركية وأزمة النظام القديم“.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2017. ينشر بالاتفاق مع زحمة دوت كوم
www.project-syndicate.org