المتطرفون قادمون: الانتصار المُر لأنجيلا ميركل
حقق حزب اليمين المتطرف “البديل من أجل ألمانيا” فوزا تاريخيا
مقال مترجم عن ناشونال أنترست
ترجمة وإعداد : مي عبدالغني
شهدت الانتخابات الألمانية المنعقدة أمس الأحد فشلاً سياسياً ذريعاً من نصيب المستشارة أنجيلا ميركل وحزبها. رغم نجاحها في الاستمرار في منصب المستشار لفترة رابعة – ضمن ائتلاف من ثلاث أطراف حزبية على الأرجح- إلا أن المهمة التاريخية لحزبها الديمقراطي الاتحادي المسيحي كانت أن يمنع بزوغ حزب سياسي ينتمي إلى أقصى اليمين من الساحة الوطنية. ويرجع فشل ميركل إلى إطلاقها لسياسات غير مسبوقة تتبنى برامج يسارية. كما وسمحت بمساحة على اليمين صعد منها حزب البديل من أجل ألمانيا AFD وقد كسب 13 بالمئة من الأصوات في انتخابات الأحد.
جائت نتائج الانتخابات كالتالي: الحزب الاتحادي و حليفه البافاري الاجتماعي المسيحي ( CSU) مُنيا بهزيمة ساحقة، وانتصر الديمقراطيون الأحرار (FDP) ، وحزب البديل من أجل ألمانيا (AFD).
وثبت حزب الخضر واليسار الألماني عند نسبتهم 9 بالمئة لكلاً منهما. كما وزادت نسبة المشاركين بالانتخابات 4 بالمئة عن عام 2013.
و كان الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو تحالف الحزب الاتحادي – بزعامة ميركل والحزب البافاري CSU اللذين تراجعا بنسبة 8.7 عن نتائجهم في عام 2013. ويعود سبب هذا النزيف الانتخابي إلى الأداء الكارثي للبافاري في مقاطعته بافاريا ويعد الأسوأ منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية في 1949. وكانت بافاريا لتختبر قوة حزب البديل لو أجرت انتخابات محلية مؤخراً. واستطاع حزب البديل AFD، الذي دخل الانتخابات في 13 ولاية من أصل 16، أن يكتسب شعبية في المقاطعة بلغت حد سحب البساط من تحت منطقة نفوذ البافاري الأهم.
وكان لهذا الفشل الانتخابي نظير آخر في بريطانيا للحزب اليميني، الذي ترك رئيسة الوزراء تيريزا ماي وحيدة في مكتبها إلا من حلفاء بعيدين في شمال أيرلندا. وهذا هو ما ستتعرض له ميركل إن تحالفت مع الخضر و الديمقراطي الاجتماعي.
الخسارة الكبيرة في شعبية البافاري جعلت من هذه الانتخابات نصراً غير مشوب لحزب البديل اليميني المتطرف. لم يجلب هذا النصر لاعباً جديداً إلى البوندستاج الألماني فحسب – حصل الحزب على أعلى من خمسة بالمئة النسبة المطلوبة لدخول البرلمان- وإنما حقق إنجازاً درامياً في تاريخ السياسة الألمانية بحصوله على نسبة ال 13 بالمئة. بدأ حزب البديل كتحالف مجموعة من الأكاديميين والاقتصاديين لمعارضة سياسات ميركل الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي. واختاروا اسمهم “ البديل لألمانيا” رداً على وصف ميركل المستمر لسياستها بأنه “ لم يكن هناك بديل”، أرادوا بذلك أن يؤكدون أن هناك بديلاً.
وغصّ حزب البديل بأعداد من المتبنين سياسة كراهية الأجانب رأوا فيه المعبر الوحيد عن مخاوفهم تجاه سياسة الباب المفتوح إزاء المهاجرين التي تتبناها ميركل. فاز الحزب بسلسلة من النجاحات المتتالية على الصعيد المحلي بلغت أوجها في الانتخابات الوطنية يوم الأحد. يسبق ترتيب البديل الآن في البوندستاج FDP والخضر واليساري، وجاء بفارق 7% فقط عن عن الحزب الحاكم SPD.
وأصبح البديل الآن قوة سياسية يحسب حسابها على كل صعيد. فبينما كان تأثيرهم أقوى في الشرق (منطقة النفوذ السابقة للجمهوري الديمقراطي) جاء انتصارهم في بافاريا دليلاً أن الحزب يمثل قوة سياسية قومية أكثر من كونه حزبا متمركز النفوذ في منطقة الشرق.
كانت الانتخابات محطمة للحزب الديمقراطي الاجتماعي كذلك، الحامل الكلاسيكي للواء الديمقراطية المجتمعية في أوروبا منذ القرن التاسع عشر. جاء أداؤهم الأسوأ في ألمانيا ما بعد الحرب خاصةً أن الحزب لم يجد قائدا يخوض به الانتخابات الوطنية إلا منذ شهور قليلة فحسب. وأثبت مارتن شولتز مرشح الحزب أنه لا يستطيع التأقلم على المشهد السياسي الألماني بعد السنوات الطويلة التي قضاها في بروكسل. رغم التعاطف الشخصي مع ناخبي الحزب إلا أنه الرجل يفتقر للكاريزما والرسائل المتماسكة. ابتلي الحزب على مدار أكثر من عقد بتفضيل ناخبيه مقاطعة الانتخابات على التصويت لحزب فقد هويته وأغراضه الواضحة. وبعد حصوله على نسبة 20 بالمئة متراجعاً بفارق خمسة بالمئة عن الانتخابات السابقة، أعلن شولتز أن الحزب سيقف في صف المعارضة بدلاً من تكوين تحالف تحت قيادة ميركل- الخطوة التي كان على الحزب اتخاذها منذ أربع سنوات-.
و شهدت الانتخابات خبراً سعيداً وهو عودة حزب الديمقراطيين الأحرار الوسطى إلى البوندستاج. كان الحزب قد وقع تحت حاجز نسبة الخمسة بالمئة منذ أربع سنوات- للمرة الأولى- متعرضاً أن يقع في هوة النسيان. ولحسن الحظ، فهمت قيادته الجديدة أن اجتذاب المصوتين الشباب ليس للتميز النوعي وإنما عامل للبقاء، فتعافى الحزب بذلك. ينادي الحزب بالأسواق الحرة والحريات المدنية؛ بمصطلح أمريكي هم ديمقراطيو أيزنهاور.
بعد أداء معقول في عدد من الولايات، عاد FDP بنصر معقول بنسبة 10 بالمئة من مجموع الأصوات – مرتفعاً بنسبة 6 بالمئة عن انتخابات 2013-. وسوف يكون الديمقراطيين الأحرار الحزب الأوسط بين الخضر والاتحادي (بزعامة ميركل) فيما يعرف بتحالف جامايكا ( اختير الاسم لتشابه ألوان أعلام الأحزاب مع علم جامايكا). وبدلاً من تحالف كبير مع الديمقراطيون الأحرار، سوف يميل تحالف جامايكا قليلاً إلى اليمين رغم أن بنية التحالف الداخلية مهترأة.