الكاريكاتير في عهد السيسي .. بين التراكم والصدمة
الجارديان تستعرض حال الكاريكاتير في عهد الرئيس السيسي بين وجهتي نظر يمثلهما رساما كاريكاتير شابان، أنور وأنديل.
ترجمة – محمود مصطفى
في ذلك الأسبوع، تلقى أحد أبرز رسامي الكاريكاتير السياسي في مصر، محمد أنور، اتصالاً هاتفياً من قارئة وطنية. القارئة كانت تبكي ومنهارة لأن كاريكاتيره في ذلك اليوم سخر من الرئيس عبد الفتاح السيسي بطريقة غير مباشرة. سألت القارئة أنور “لماذا تفعل هذا بالسيسي؟ لماذا تحاربه دوماً؟”
المثير للسخرية أن الكاريكاتير المذكور لم يظهر حتى الرجل القوي نفسه، ونادراً ما يذهب أنور إلى هذا المدى. بدلاً من رسم السيسي سخر الكاريكاتير من عادة السيسي اللامبالية في أن يقول للمواطنين الذين يعانوا إن عليهم أن “يتشاركوا حمل الأزمة الإقتصادية في مصر.
صبي صغير يحتاج دورة المياه ويسأله والده “لماذا تريد الذهاب إلى الحمام الآن؟ هذه لحظة حرجة للبلاد ويجب أن نتشارك كلنا الحمل.”
بالنسبة لأنور، ردة الفعل العنيفة كانت مثالاً جيداً على الضغوطات التي يواجهها رسامو التيار السائد من الكاريكاتير المصريون عادة ليس فقط من قبل السلطات ولكن من قبل مديريهم كذلك.
وبالرغم من التوقف على مسافة من الخط الأحمر الضمني لشخصنة السخرية، فإن أنور ذهب بعيداً بسخريته “هذا هو أقسى عصر ترسم فيه كاريكاتير في صحيفة معروفة في مصر.”
أنور جزء من جيل من شباب رسامي الكاركاتير السياسي الذين ظهروا في الإعلام الخاص الذي تأسس حديثاً خلال السنوات الأخيرة من عهد الديكتاتور السابق حسني مبارك، وساعدت سخريتهم في تهيئة بيئة أمكن من خلالها إسقاط مبارك.
لكن فقط في عهد خليفة مبارك المنتخب ولكن المستبد، محمد مرسي، انفجر غضبهم الكامل ساخرين من سلطوية مرسي المتشعبة متجنبين السقوط ضحايا لها.
“كانت هناك رسوم كاريكاتورية قليلة جداً لمبارك في الصحف، حتى في السنوات الأخيرة حين تضخمت المعارضة ضده” يقول جوناثان جاير كبير المحررين بمجلة “كايرو ريفيو” والدارس للكاريكاتير المصري “لكن في عهد مرسي كانت الصفحات الأولى في الصحف تحمل رسوماً كاريكاتورية له، رسوم بالفعل تحط من قدره وتركز بالفعل على وأسلوبه المضلل.”
هذه الفترة القصيرة من الحرية انتهت، بسخرية، عندما عزل السيسي مرسي عقب أيام من المظاهرات في يوليو 2013 وتبين أنه أكثر قمعاً بكثير.
ومع منطق النظام الجديد “معنا أو ضدنا” يعتبر الآن معظم المعارضون ومنهم رسامو كاريكاتير خونة. بعض الرسامين سعداء بالإصطفاف كما كانوا خائفين من الحكم الإسلامي لمرسي. ولكن هؤلاء الذين يعارضون كلاً من مرسي والسيسي يستوعبون الحاجة إلى أن يجرون رقابة لأنفسهم أو أن يقوم بذلك رؤساء تحريريهم أصدقاء النظام، لا يحتاج النظام تقريباً إلى أن يحرك إصبعاً في هذا الشأن.
ونتيجة لذلك، ظهور السيسي في الكاريكاتير في الصحف أمر نادر كما كان الأمر مع مبارك “لا يرسم الكثيرون السيسي بالأساس” يقول أنديل، أكثر رسامي الكاريكاتير الشباب في مصر تمرداً.
“بعضهم لا يستطيع ذلك فهم يعملون في أماكن لن تسمح لهم بذلك وبعضهم مقتنع بأن هذا ليس الوقت المناسب وأن الوضع الحالي يستلزم نوعاً آخر من المعارضة. أنديل لا يتفق مع ذلك “أشاهد رسوم الكاريكاتير التي ينشروها” ويقول “ومع كامل احترامي لهم أنا محبط بشدة.”
أعمال أنديل الخاصة تضرب في مقتل، أحدث أعماله هو ملصق إعلاني بحجم A3 يسخر من رؤية السيسي الأبوية، “هنعمل ايه في الزبالة والمرور والكهربا والمستشفيات” يقول أحد أفراد حاشية السيسي في الكاريكاتير “هنعمل ايه في الجهل؟” يتوقف السيسي في الكاريكاتير ثم يقول “زودوا الجهل.”
خفف منتقدو النظام الآخرون أعمالهم لأسباب تتعلق بأمنهم، وأنهى الساخر التليفزيوني باسم يوسف، الذي يوصف في الغرب بأنه جون ستيوارت مصر، برنامجه بسبب تهديدات وجهت لأسرته. لكن أنديل يقول إنه لا يخشى عواقب التعامل مع الرجل الكبير.
“أنا أعرف أن الغربيين لديهم فكرة مثيرة عن أن تكون جزءاً من المعارضة في بلد قمعي، ولكن في الحقيقة هي وظيفة مثلها مثل أي وظيفة أخرى” يقول أنديل الذي بدأ الرسم للصحف المعروفة قبل عقد من الزمان عندما كان مراهقاً.
“منذ أن بدأت رسم الكاريكاتير عندما كنت في السابعة عشر، عرفت أن جزءاا كبير من وظيفتي هو التعامل مع الرقابة. لا يمكنك أن تكون ضد من لديهم السلطة ولا تتوقع أنهم سيفعلون كل ما في وسعهم لمنعك من إخبار الناس بأنهم فشلة.”
لكن أنديل لم يعد يفعل ذلك في إعلام التيار السائد، استقال أنديل في الخريف الماضي من وظيفته في صحيفة “المصري اليوم”، أكثر الصحف الخاصة في مصر رقياً، والآن يقدم أعمالاً بلا قيود للصحيفة التقدمية الإليكترونية “مدى مصر” وفي مجلة مصورة تدعى “توك توك” حيث نشر ملصقه الأخير.
وبالرغم من أن الإنترت في مصر له ثقافة معارضة مزدهرة إلا أن “توك توك” المتمردة هي واحدة من مطبوعات قليلة باقية في مصر تتعامل مع التابوهات الاجتماعية والسياسية، وبفضل فريقها التحريري الغير هرمي وجاهزيتها لنشر الموضوعات الصادمة والعادية أصبحت “توك توك” رمزاً لما تبقى من الروح الثورية في مصر.
” لا يوجد مثلها شيء” يقول جاير الذي يرى أن “توك توك” هي النسخة المصرية من مجلة “ماد”، “إنها بالفعل تتطلع للمستقبل وتحتضن الفنانين وتفكر في أشكال جديدة كما أنها عمل جماعي وهو أمر نادر في مجتمع شديد الهرمية.”
تطبع “توك توك” 2000 نسخة فقط في حين لم تخترق “مدى مصر” التيار السائد بعد، لكن أنديل يفضل أن يخاطب هذا العديد الصغير من القراء، إضافة إلى متابعيه على فيسبوك، على أن يقدم أعماله للقراء الكثيرين والأكثر تحفظاً في المصري اليوم.
بالمقابل يقبل أنور، صديق أنديل وزميله السابق، أن تكون رسومه غير مباشرة كما يمكن لها أن تكون لكنه يقر بأن التضحية تستحق لكي يستطيع أن يصل إلى أشخاص مثل السيدة التي اتصلت به باكية.
“أنا لا أريد أن أتحدث فقط إلى أشخاص يتفقون معي” يقول أنور “أستطيع أن أضع رسومي على الإنترنت للخمسين ألف متابع الذين يشاركونني نفس الخلفية والمعتقدات، لكن في المصري اليوم أنا أتحدث إلى 600 ألف شخص لهم أراء مختلفة تماماً عني وهذا هو هدف الكاريكاتير. أن تجعل الناس البسطاء يعتادون على أنواع معينة من الكاريكاتير والإنتقاد، هي عملية تراكمية.”