الفوائد المنسية للنوم المُتقطِّع
ممارسة الجنس بين فترات النوم أمر أساسي للأزواج الذين يأملون في الإنجاب
المصدر: QUARTZ – Olivia Goldhill
ترجمة: ماري مراد
النوم لثماني ساعات متواصلة في الليل ليس سلوكًا بشريًا طبيعيًا. وفي الآونة الأخيرة، وصف الكاتب جيسي بارون في صحيفة “نيويورك تايمز” كيف وقع عن غير قصد في نمط “النوم المتقطع”، الروتين الذي كان اعتياديًا لقرون حتى أواخر القرن التاسع عشر.
هذه الممارسة -التي عادة ما تشمل الذهاب إلى الفراش من الساعة 9 مساءً إلى الساعة 10 مساءً، والنوم من 3 إلى 3 ساعات والنصف الساعة، ثم الاستيقاظ لمدة ساعة أو نحو ذلك حوالي منتصف الليل، ثم العودة للنوم ثانية لنفس المدة حتى حلول الفجر- لم تعد النمط السائد مع اختراع الضوء الاصطناعي، ما غيّر علاقتنا بالبيئة الطبيعية بشكل دائم.
في عام 1992، أظهر الطبيب النفسي توماس وير أنه حينما عاش الناس في الظلام نحو 14 ساعة يوميا لمدة شهر، كان روتينهم “النوم المتقطع”. وفي عام 2001 أظهر بروفيسور التاريخ روجر إكيرش من جامعة فرجينيا للتكنولوجيا أن مثل هذا النمط كان قاعدة لأجيال عدة. وأشار إلى وثائق طبية وقانونية توضح النوم الأول والثاني، وأشياء مماثلة ذُكرت في الأدب بما في ذلك هومر، وتشوسر، وأوستن، وديكنز، وتولستوي.
ويقول إكيرش، خلال مقابلة: “علميًا كل كاتب عظيم ذكر هذا النمط، وبجميع اللغات في أوروبا”.
ولكن رغم أننا نشعر بسعادة بالغة مع نومنا المتواصل الحديث، فقد فقدنا ساعة منتصف الليل بين فترات النوم، وهي الوقت الذي يمكننا فيه أن نكون مستيقظين بمفردنا مع أفكارنا. ويقول إكيرش: “أعتقد بأننا نفتقد زمن الحميمية والخصوصية، وقت التأمل الذاتي. لقد فقدنا سبيلًا تقليديًا لأحلامنا واللاواعي الخاص بنا”.
هذا الوقت، الذي كان يطلق عليه في القرون السابقة “الساعة”، كان يستخدم في كل مرة من أجل جميع أنواع الأنشطة. ويقول إكيرش: “كانت هناك صلوات مصممة خصيصًا للساعة. كما رأت العديد من الأديان أنها ساعة مقدسة تتلاءم أكثر مع التواصل مع الله”، وكانت أيضا فرصة للتفكير في أحلام حية والتأمل في السرير.
واستخدمت الأنواع الأكثر نشاطًا “الساعة” للاطمئنان على أفراد العائلة المرضى، أو القيام بالأعمال الأساسية مثل إعداد الطاولة، أو حتى استخدام غطاء الظلام لاختلاس التفاح من بستان الجار. وبما أن الجميع سوف يستيقظون في وقت مختلف، حتى داخل نفس العائلة، فقد كانت ساعة خالية من المطالب الاجتماعية. ويقول إكيرش إنه وجد رسائل لامرأة إيطالية من القرن الخامس عشر كانت تحب الساعة التي لم تكن فيها محاطة بالرجال وتقوم بأداء الأعمال الروتينية للرجال، وبدلا من ذلك كانت تلجأ إلى التطريز أو كتابة الرسائل على انفراد.
عمومًا، يشتبه إكيرش في أننا أقل اتصالا بأحلامنا نتيجة لأننا لم نعد نستيقظ بين فترات النوم، ويقول بما أن النوم المتقطع أصبح أقل شيوعًا، فإن الأحلام “أصبحت مصدرًا للسخرية وليس التعليم”.
كما أن النوم المتواصل، الذي يسرق منا هذه الساعة من العزلة الهادئة، يمكن أن يسهم أيضًا في زيادة الإجهاد. يقول إكيرش: “أعتقد بأنه حس سليم. القدرة على التفكير في اليوم السابق في خصوصية الظلام لتوقع أنشطة اليوم التالي”.
يعتقد الأطباء من القرون السابقة أيضا في الفوائد الطبية المختلفة لتناول الدواء خلال الساعة أو تغيير وضع النوم. وقال أحد الأطباء الفرنسيين في القرن السادس عشر، والذي أيده العديد من الأطباء البريطانيين في ما بعد، إن ممارسة الجنس بين فترات النوم أمر أساسي للأزواج الذين يأملون في الإنجاب.
وفي حين أن النوم المجزأ يأتي بفوائد كثيرة، يقول إكيرش إنه سيكون من المستحيل إعادة إحيائه اليوم دون حرمان نفسك من الضوء الاصطناعي. وكما روى جيسي بارتون، بالتأكيد قد تكون قادرًا على النوم مؤقتًا على مرحلتين، لكن الضوء له “تأثير عميق على ساعة جسم الإنسان، ولا يمكننا اختبار تجربة النوم الحقيقية لحقبة ما قبل إديسون دون إيقاف المصابيح التي تحيط بنا – إلى الأبد”.
ورغم ذلك، نجاحات النوم المتقطع من شأنها المساعدة في تخفيف قلق من يعانون من أرق منتصف الليل. ويقول إكيرش إن من يستيقظون في الليالي المظلمة لكن لديهم القدرة على العودة إلى النوم بعد ساعة أو أكثر، عادة ما يسمعون أن هناك شيئا غريبا معهم، مضيفا أنه من واقع التاريخ فإن نوم هؤلاء المجزّأ أكثر طبيعية من النوم الاصطناعي الحديث جدا الذي نطمح إليه.