منوعات

إعادة إحياء أدمغة الخنازير جزئيًا بعد الموت.. ماذا يعني هذا للبشر؟

يومًا ما، ربما يصبح إحياء الدماغ ممارسة طبية اعتيادية

The New York Times

ترجمة وإعداد: ماري مراد

في دراسة أثارت تساؤلات عميقة بشأن الخط الفاصل بين الموت والحياة، تمكن باحثون من إحياء بعض النشاط الخلوي لأدمغة، سُحبت من خنازير مذبوحة. ولم تستعيد الأدمغة أي شيء يشبه الوعي: لم تكن هناك علامات تشير إلى وجود إشارة كهربائية منسقة، وهي ضرورية للوظائف العليا مثل الوعي والذكاء.

لكن في علاج تجريبي، بدأت الأوعية الدموية تعمل في أدمغة الخنازير، وتتدفق مع بديل الدم، واستعادت بعض خلايا المخ نشاط التمثيل الغذائي، حتى الاستجابة للعقاقير. وعندما اختبر الباحثون شرائح من نسيج الدماغ المعالج، اكتشفوا النشاط الكهربائي في بعض الخلايا العصبية.

العمل تمهيدي للغاية وليس له آثار فورية لعلاج إصابات الدماغ في البشر. لكن فكرة أن أجزاء من الدماغ قد تكون قابلة للاسترجاع بعد الموت، كما هو معرف تقليديًا، تتناقض مع كل ما يعتقده العلم الطبي حول العضو ويفرض الألغاز الميتافيزيقية.

وقالت نيتا فرحاني، أستاذة أخلاقيات الطب الحيوي والقانون بجامعة ديوك: “كان لدينا خطوط واضحة بين هذا حي وهذا ميت. كيف نفكر الآن في هذه الفئة الوسطى من البقاء على قيد الحياة جزئيًا؟ لم نعتقد أنها يمكن أن تكون موجودة”.

وعلى مدى عقود، تساءل الأطباء وأفراد الأسرة الحزينة عما إذا كان من الممكن على الإطلاق استعادة الوظيفة إلى شخص عانى من إصابات واسعة في الدماغ بسبب سكتة دماغية أو نوبة قلبية.  والبحث الجديد يؤكد مدى قلة معرفتنا بالدماغ المصاب وما يسمى موت الدماغ. وأصيب علماء أخلاقيات الطب الحيوي مثل فرحاني بالذهول والاندهاش بالنتائج التي نشرت يوم الأربعاء في مجلة “Nature”.

“هذا غريب” قال جوناثان مورينو، عالم أخلاقيات الطب الحيوي بجامعة بنسلفانيا. وأضاف: “إذا كانت هناك مسألة تستحق مداولات عامة كبيرة حول أخلاقيات العلوم والطب، فهذه واحدة منها”.

وحتى الآن، كان من المفترض أن الدماغ يتدهور بسرعة عندما يتم قطع إمدادات الدم. وتتدهور الخلايا، وتنهار الروابط بين الخلايا العصبية. لقد اعتقد العلماء أن هذه التغييرات لا يُمكن إصلاحها فيها ما لم يتم استعادة الدم بسرعة.

الباحثون في جامعة ييل حصلوا على 32 رأس خنزير، ذُبحت للحصول على لحمها. ونشر العلماء الجماجم وأزالوا الأدمغة. وفي الوقت الذي بدأت فيه التجربة، كانت الأدمغة خالية من الدم وفي درجة حرارة الغرفة لمدة 4 ساعات.

وطور الفريق نظامًا يسمى “BrainEx” يضخ محلولًا تجريبيًا في الدماغ السليم. ويأمل العلماء أن تساعد هذه التقنية في توجيه الطريق إلى علاجات جديدة للسكتات الدماغية وإصابات الدماغ المؤلمة وأمراض مثل مرض الزهايمر. وضخ العلماء المحلول في أدمغة الخنازير لمدة ست ساعات. ما جلب الأكسجين إلى الأنسجة، كما أنه تضمن مواد كيميائية سمحت للعلماء بتتبع تدفقها بالموجات فوق الصوتية.

ويحتوي المحلول أيضًا على مواد كيميائية تهدف إلى منع الإشارات العصبية. لقد ظن العلماء أن خلايا الدماغ يمكن الحفاظ عليها بشكل أفضل- ومن السهل إعادة عمليات الإيض الخاصة بها- إن لم تكن الخلايا نشطة.

لكن المحققين لم يرغبوا في اغتنام فرصة احتمالية استعادة الأدمغة للوعي، وخططوا لإعطاء الأدمغة عقاقير مخدرة وتبريدها على الفور لإيقاف أي نشاط كهربي يوحي بوجود وعي حقيقي.

بالإضافة إلى العقول التي حصلت على محلول” BrainEx”، فحص العلماء أيضًا الأدمغة التي لم تتلق السوائل وتلك التي تلقت دفعات من مادة وهمية. لم تظهر الأدمغة في المجموعتين أي علامات للنشاط، وتدهورت خلاياها. وعقدت المعاهد الوطنية للصحة، التي دعمت البحث، إحاطة لمناقشة أهميته.

ومن ناحيته، قال الدكتور نيناد سيستان، عالم الأعصاب في جامعة ييل الذي قاد البحث، عن الأنسجة التي تم إحياؤها: “ليس دماغًا حيًا، لكنه نشط خلويًا. أردنا اختبار ماذا كانت الخلايا في الدماغ الميت السليم يمكنها استعادة بعض الوظائف”. واستعاد مرضى السكتة الدماغية الذين تعرضوا لجلطة لمدة 16 ساعة تسد وصول الدم إلى أجزاء من الدماغ، وظائف الدماغ بمجرد أن أزال الأطباء الجلطات.

“هذا تقدم حقيقي”، قال أندريا بيكل ميتشنر، الذي يقود جهود البحث في الدماغ بالمعاهد الصحية الوطنية الأمريكية ” N.I.H.”، مضيفًا: “لم يحدث هذا من قبل في دماغ سليم لثدييات”.

وذكرت كريستين جرادي، رئيسة قسم أخلاقيات الطب الحيوي في المركز السريري بـ” N.I.H. “، إن العمل “يمثل للمرة الأولى فرصة لدراسة دماغ الثدييات بأكمله خارج الجسم بعد الموت. كما أنه يتيح للباحثين رسم خرائط للخلايا والتواصل بينها بطرق لم تكن ممكنة من قبل. وهذه التقنية قد توسع دراسة إصابة الدماغ والإصلاح الخلوي، وكذلك تأثير الأدوية على الدماغ”.

القضايا الأخلاقية التي يطرحها البحث في أنسجة المخ التي تم إحياؤها غير مسبوقة تقريبًا. ومن بينها أسئلة حول رفاهية حيوانات المختبر. وقال ستيفن أر لاثام، عالم أخلاقيات الطب الحيوي في جامعة ييل: “هذا جديد تمامًا. هذا ليس بحثا على الحيوانات. الدماغ يأتي للباحثين من حيوان ميت”. وتساءل، كيف سيقرر الأخلاقيون ما إذا كانت المعاناة الناجمة عن البحث- دماغ “حي جزئيًا”- مبررة من خلال الأهداف؟

ولفتت الدكتورة فرحاني وخبراء آخرون إلى أنه رغم عدم وجود نشاط كهربائي في الأدمغة، فقد يكون من الممكن استعادته. وليس معروفًا ما الذي كان سيحدث في حالة عدم احتواء المحلول على الإحصار العصبي. وأشارت إلى أنه “عندما يكون لديك دماغ نشط خلويًا، ما هي الحماية المناسبة؟ هل تعاملها كحيوان حي؟ لا يمكنك التعامل معها كحيوان ميت”.

بحسب ستيوارت يونجنر، عالم أخلاقيات الطب الحيوي بجامعة كيس ويسترن ريزيرف والمؤلف المشارك في مقال افتتاحي يرافق الدراسة، فإنه في فرنسا وإسبانيا، إذا أصيب شخص بنوبة قلبية تحرم الدماغ من الدم، فإن العاملين في الخدمات الطبية الطارئة يحاولون إعادة القلب لمدة 30 دقيقة أو نحو ذلك. وإذا فشلوا، فإن عمال الطوارئ يحافظون على الأعضاء بواسطة جهاز محمول لرئة القلب لضخ الدم عبر الجسم؛ يضيفون أيضًا بالونًا لمنع وصول الدم إلى المخ. وبهذه الطريقة يمكن للشخص أن يكون متبرعًا بالأعضاء، لأن الدماغ قد مات.

وأضاف: “لكن إذا كان هناك شيء مثل BrainEx متاحًا، فلماذا لا تفعل ذلك بدلاً من محاولة الحصول على أعضائهم؟”.

ولفت إلى أنه في الولايات المتحدة يعتبر نظام البالون غير أخلاقي، لكن من المحتمل أن يشجع نظام مثل “BrainEx” الأطباء وعمال الطوارئ على محاولة إنعاش المرضى لفترة أطول وبصعوبة أكبر. وقد تكون النتيجة في يوم من الأيام عدد أقل من المرضى المتوفين دماغيًا وعدد أقل من المتبرعين بالأعضاء.

لقد أكد الباحثون أن الأمر سيستغرق سنوات حتى يصل إنعاش الدماغ إلى اختبارات أولية عند البشر. لكن الدكتورة فرحاني ذكرت أنها يمكن أن تتخيل يومًا يصبح فيه إحياء الدماغ ممارسة طبية اعتيادية، متابعة: “ربما سنرى ذلك في حياتنا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى