حياتنامنوعات

هكذا يُؤثّر غياب التلامس بين البشر على صحتنا العقلية

ما كان غريزيًا بالنسبة إلينا كالأطفال نشعر الآن بالحرج منه

The Guardian

ترجمة وإعداد: ماري مراد

متى آخر مرة لمست فيها شخصًا خارج أسرتك؟ لا أعني لمس الأصابع حينما تأخذ طردًا من رجل التوصيل، بل لمس ذراع أو ظهر شخص غريب أو زميل أو صديق؟

إذا كنت تفتقر إلى إجابة واضحة فهذا قد يشير إلى إخراج العناق والتلامس من حياتنا، خصوصا مع تردد الأطباء والمدرسين والزملاء بشكل متزايد في اللمس الاجتماعي.. فهل هذا الإحساس المفرط بالحدود يؤذي صحتنا العقلية؟

صحيفة “ذا جارديان” البريطانية أوضحت في تقرير لها أن التلامس أول شعور يتطور لدى البشر في الرحم، ولكن في وقت ما في مرحلة البلوغ، ما كان غريزيًا بالنسبة إلينا كالأطفال نشعر بالحرج منه.

بحسب الصحيفة، بطرق لا تعد ولا تحصى تم إخراج اللمسة الاجتماعية من حياتنا، ففي بريطانيا، تم تحذير الأطباء مؤخرًا لتجنب إراحة المرضى بالعناق خشية إثارة عمل قانوني، ووجد تقرير حكومي أن مقدمي الرعاية كانوا يخشون معانقة من يرعونهم من أطفال لنفس السبب، وفي أمريكا تسببت فتيات الكشافة في ضجة، مؤخرًا، عندما حذرت من أن الآباء يجبرون بناتهم على أن يعانقن أقاربهن لأنهن “لا يدينن لأي شخص بالعناق”.

أيضا، المعلمون يترددون في لمس التلاميذ، وفي المملكة المتحدة، نصف مليون من كبار السن يمضون 5 أيام على الأقل في الأسبوع دون رؤية أو لمس شخص.

واستشعارًا لهذا العجز، تزدهر صناعة اللمس في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة، حيث يعمل المعانقون المحترفون في ورشات عمل وحفلات وجلسات فردية لتهدئة الأشخاص المحرومين من اللمس.

قد يرى البعض “التلامس” بين البشر غير مهم، وفي هذه الحالة هناك سؤال يطرح نفسه: ما الذي يمكن للفرد أن يخسره إذا فقد التلامس مع الآخرين؟

“بالطبع نحن نبتعد عن التلامس” هذا ما أكده فرانسيس مكجلون، أستاذ علم الأعصاب في جامعة جون مورس بليفربول وقائد في مجال اللمسة العاطفية، الذي أعرب عن قلقه وقال: “لقد شيطنا اللمسة إلى المستوى الذي تثير فيه الاستجابات الهستيرية، وتؤجج العمليات التشريعية، وهذا النقص في التلامس ليس جيدًا للصحة العقلية”.

“يبدو أننا نخلق عالما كارها للمس” هذا ما قاله مكجلون، مضيفا: “لقد حان الوقت لاستعادة القوة الاجتماعية للمس”.

كمجتمع، بحسب الصحيفة، نحن نفهم بشكل غريزي قوة التلامس، ولهذا السبب، بعد إطلاق النار المأساوي في مدرسته، وعد رئيس مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس في فلوريدا “بأن يعانق كل واحد” من طلاب المدرسة، البالغ عددهم 3300.

يمكن للمسة واحدة صغيرة أن تغير عددا لا يحصى من الأرواح، لقد عرفت الأميرة ديانا ذلك عندما أمسكت يد مريض مصابا بالإيدز في عام 1987، كذلك فعل باراك أوباما عندما انحنى لترك صبي أسود يلمس شعره، حتى يشعر بإمكانياته الخاصة في راحة يده.

وتتمتع تيفاني فيلد -التي أسست “معهد أبحاث اللمس” في مدرسة ميامي الطبية لدراسة هذا الإحساس المهمل وتأثيره على الصحة- بتدليك أسبوعي وتسرد بسعادة الآثار الإيجابية للمس: “نحن نعرف من علم ما يجري تحت الجلد أنه عندما يتم تحريك الجلد، تُحفز مستقبلات الضغط، ما يبطئ معدل ضربات القلب، وضغط الدم وإطلاق الكورتيزول الذي يفرز استجابة للإجهاد أو لانخفاض مستوى هرمونات القشريات السكرية في الدم”، مما يعطي الناس سيطرة أفضل على هرمونات التوتر لديهم.

فوائد اللمس لم تنته بعد، فهو يزيد عدد الخلايا القاتلة الطبيعية، وقالت تيفاني: “الخط الأمامي لجهاز المناعة، يزيد السيروتونين، هذا هو مضاد الجراثيم الطبيعي للجسم، إنه يمكن من النوم العميق”.

تقييم تيفاني تم تأكيده بتجربه الحاضنة “كيارا” من مركز “Cuddle Up To Me” في بورتلاند، التي كان عليها تذكير العملاء بالتحقق من أخذ هواتفهم ومفاتيحهم ومحافظهم، وقالت: “هم يرحلون بجرعة من الأوكسيتوسين، إنهم سعداء للغاية”.

ومن جانبها، ذكرت كيلي باين، مديرة الأبحاث والسياسة في “حملة إنهاء الوحدة”، أن الوحدة مميتة على وجه التحديد لأنها تضع الناس “في حالة دفاعية حيث ترتفع مستويات الكورتيزول”، لافتة إلى أنه نظرا لأن هؤلاء لديهم تجارب سلبية، فهم يتوقعون أن تكون علاقتهم مع الناس سلبية أيضا، ما يُصعب من إعادة الاتصال.

في غضون ذلك، تشعر فيلد بالقلق من ارتفاع أعراض متلازمة الألم لدى الأطفال، مثل متلازمة الأمعاء المتهيجة، وأعراض الفيبرومالغيا، التي كانت شائعة في البالغين فقط، وتعتقد بأن هذا يرجع إلى الضغط وغياب التلامس، كما أنها قلقة أيضا نظرا لأن “الأطفال يصبحون أكثر عدوانية لتراجع التلامس”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى