سياسة

بلومبيرج: لماذا “تتملّق” أميركا مصر؟

بلومبيرج: السيسي يحترم القوة وليس الولاء

بلومبيرج – نوح فيلدمان – ترجمة: محمد الصباغ

سافر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى مصر الأحد من أجل تجديد ”الحوار الاستراتيجي“ بين البلدين الذي توقف منذ عام 2009. إلا أن ذلك  التجديد من منظور الولايات المتحدة للأمن القومي  يعد خطأ على المدى الطويل. .

بعيداً عن سجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السيئ والمستمر في التدهور فيما يتعلق بحقوق الإنسان والإدانات الملفقة لقيادات جماعة الإخوان المسلمين. وعن الرسالة المأساوية التي تقول أن الدعم الأمريكي قصير الأمد لمصر من أجل الديمقراطية غير موجود الآن. فإن المزعج في تملق الولايات المتحدة  للسيسي هو أن ذلك يجرد الجانب الأمريكي من أي نفوذ مع مصر لأجل تحقيق الأهداف الأمنية الإقليمية، مثل خلق تحالف سني مستقر لهزيمة الدولة الإسلامية. لماذا يجب أن يفعل السيسي ما تطلبه الولايات المتحدة طالما  تزعم  أمريكا  بشدة أن العلاقة قوية بالفعل؟

لنبدأ  من المصالح الاستراتيجية العميقة. بالنسبة إلى مصر، فالعلاقة مع الولايات المتحدة لها أهداف واضحة: مصر ترغب في المساعدات العسكرية التي تم تجديدها هذا العام رغماً عن القانون الذي يمنع الولايات المتحدة من تسليح الدول التي حدث فيها انقلاب عسكري. الجيش المصري،الذي خرج منه السيسي، ليس فقط المؤسسة الأقوى في المجتمع المصري. بل هو المؤسسة القوية الوحيدة الباقية، بعد هزيمته للإخوان المسلمين. يتم تعزيز امتيازات الجيش الخاصة بأكثر من مليار دولار سنوياً كمساعدات أمريكية.

ولو تجاوزنا مسألة المساعدات، فمصر لا تريد أن تطالبها  الولايات المتحدة بشيء. يستمر سلام مصر البارد مع إسرائيل منذ توقيع إتفاقية كامب ديفيد، وكان حينها عمري 8 سنوات. لا تتطلب تلك المعاهدة ضغطا أمريكيا أو تدخلا من أجل أن تتجنب مصر محاربة إسرائيل. وبالفعل يمتلك السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدواً مشتركاً هو جماعة الإخوان المسلمين، وحركة حماس المنبثقة منها. يأمل السيسي في الأساس في  أن الولايات المتحدة سوف تتوقف عن جعله يعيش أوقاتاً عصيبة حول الطرق التي ينتهجها لقمع الإخوان، فعندما يقل الحديث عن حقوق الإنسان يصبح الأمر أفضل.

أما ما تريده الولايات المتحدة من مصر فهو أصعب من أن أدونه. فاهتمامات الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط الآن تتعلق بوجود قدر من الاستقرار. كانت فترة رئاسة جورج بوش مكرسة لتعطيل الاستقرار، وكانت تلك الاستراتيجية الأمريكية الإقليمية التقليدية المستخدمة منذ الحرب الباردة، والآن تريد أمريكا بشدة أن تعيد المارد إلى المصباح.

كيف تساهم مصر في تحقيق هذا الهدف؟ بالطبع الطريقة الأساسية هي أن “تستقر”. ويراهن السيسي على أنه بعمليات الاعتقال والمحاكمات الجماعية وبعض الإعدامات سيحقق هذا الهدف. وربما يكون مخطئاً، لكن حتى هذه اللحظة لنفترض أنه يعرف ما يوم به من عمل . لكن الأمرهنا، هو أن الولايات المتحدة ليست مضطرة إلى أن تقدم امتيازات للسيسي من أجل تشجيعه على جعل مصر مستقرة، لأن الاستقرار هو بالفعل من اهتمامات السيسي.

يمكن أن تلعب مصر مستقبلاً دوراً قيادياً في المساعدة على تحقيق الاستقرار في الجارة ليبيا، حيث يمثل فراغ السلطة هناك فرصة سانحة للدولة الإسلامية. ويريد السيسي إلى الآن عدم النزول إلى المستنقع الليبي، لأنه و غيره لا يمتلكون فكراً واضحاً لكيفية فرض النظام هناك. أما لو أرادت الولايات المتحدة من مصر أن تتخذ موقفاً، وحتى لو أرسلت قوات حفظ سلام إلى ليبيا، فستكون في حاجة لنفوذ من أجل فعل ذلك. والآن، مع إظهار الولايات المتحدة أنها تريد أن تمول السيسي، وحريصة على تقريب العلاقات أكثر، فهي تفقد النفوذ التي من خلالها قد تضغط على مصر في الشأن الليبي.

يصل الأمر أبعد من ذلك، فالولايات المتحدة لديها اهتمام ملح يتعلق بأمنها القومي وهو هزيمة الدولة الإسلامية. هذا قد يتطلب توفر  قوات عربية سنية، والسؤال هو من سيقدم تلك القوات. لن ترسل السعودية أبدأ قوات من جيشها ضد الدولة الإسلامية لكن قد تدفع المملكة الفاتورة لو اقتنعت أن الجماعة السنية المسلحة قد تمثل تهديداً لشريعتها الإسلامية المزعومة. سيكونون في حاجة إلى جنود من مكان آخر ليقاتلون لحسابهم، وتلك القوات يتصور أنها قد تكون مصرية. كما أن القمة العربية الأخيرة ناقشت فكرة إنشاء قوة عربية سنية مشتركة.

ومن المتوقع أن مصر ستقبل بالمشاركة في قتال الدولة الإسلامية لو رأت دافعاً خارجياً قوياً. المال لن يكون كافياً. فالدعم والاستحسان الأمريكي قد يكون كافياً. كما أنه غير واضحاً ما المكسب الذي سيعود على السيسي من موقفه هذا، والمخاطرة بانتقام الدولة الإسلامية داخل مصر.

لنكون عادلين، فإدارة أوباما قد تقول بأن التقرب من السيسي سوف يخلق ثقة مشتركة ويشجع على التعاون المستقبلي. لا تصدقوا ذلك. يعرف السيسي جيداً أن إدارة أوباما كانت تعمل مع حكومة إخوانية ناجحة، وأن الأمريكيين قلقين من يده القوية التي تنتهك حقوق الإنسان.

لا يميل السيسي إلى ا الولاءات العاطفية، فقد وصل إلى السلطة بعد أن أطاح الإخوان المسلمين بقائد القوات المسلحة الذي سبقه، لقد  أظهر احترامه للقوة، وليس الولاء. يجب أن تعطيه الولايات المتحدة الشرعية ولكن بشكل مقتصد.

بعد فشل المثالية الليبرالية، لا يوجد جدل حول أن الولايات المتحدة ستتبع سياسة واقعية في الشرق الأوسط. وهذا النوع من الواقعية يتطلب حوافز بعيدة عن العاطفة. .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى