سياسة

نيويورك تايمز: مستحيل ماري لوبان صار ممكنا

نيويورك تايمز: مستحيل ماري لوبان صار ممكنا

ا

نيويورك تايمز- سيلفي كوفمان

ترجمة: محمد الصباغ

وسط سعي العالم لاستيعاب أخبار انتصار دونالد ترامب يوم الأربعاء الماضي، ظهرت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، سريعًا، وعلقت عبر حسابها بموقع تويتر. حتى قبل أن يخرج الرئيس الأميركي المنتخب ويلقي خطاب النصر، سارعت إلى تهنئته و”الشعب الأميركي الحر.” كان ذلك بالكاد مفاجئًا، حيث إن لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية، تأمل في أن تكون رئيسة فرنسا في الانتخابات المقبلة.

في مساء الأربعاء، شاهدناها في القنوات التليفزيونية الرئيسية، ولم تكن ضيفًا بشكل منتظم. أغلب الصحفيين لديهم قليل من التقبل لها كما تمتلك هي، وظلت بعيدة عن أعين الرأي العام خلال العشر شهور الماضية، تعمل بجد لبناء استراتيجية انتخابية. وخلال الفترة بين الانتخابات المحلية في فرناس في ديسمبر الماضي، حيث حقق حزبها نسبة 27% من التصويت الشعبي لكن فشل في السيطرة على أي منطقة، وبين الانتخابات الرئاسية في الربيع القادم، أبقت أمامها هدفا واحدا: بناء احترام كاف بالقضاء على ما يسمى بالجبهة الجمهورية والتي اتحد فيها بعض الأحزاب الرئيسية في الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية لمنع الجبهة الوطنية من الفوز.

عملت لوبان، ذات الـ48 عامًا، بصبر لتحويل الحزب من حركة هامشية متطرفة إلى منظمة قادرة على امتلاك وممارسة السلطة. والآن هي بحاجة إلى إنهاء الإحباط بين المواطنين الفرنسيين، والذي بالفعل دفعوا بها إلى قمة استطلاعات الرأي قبل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 23 أبريل المقبل، وتحويله إلى قوة كافية لكسر حاجز السياسة التقليدية والانتصار في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة في السابع من مايو.

وتشجعت كثيرًا بتفوق ترامب على هيلاري كلينتون، وتعتقد أن فوزه بالانتخابات سيعزز بشكل بارز من فرصها في الوصول إلى ما تريد. وقالت خلال لقاء على التلفزيون الوطني الفرنسي، إن ما فعله الرئيس المنتخب يثبت أن “ما اعتبر مستحيلًا يمكن تحقيقه.” والآن تقول إنها تؤمن بكل ثقة أن ذلك يمكن أن يحدث هنا- وأن فرنسا في 2017 ستقدم المرحلة الثالثة من انتفاضة سياسية عالمية بدأت بالخروج البريطاني وتم التأكيد عليها مرة أخرى بانتصار ترامب.

ليست وحدها من يعتقد ذلك. فرئيس الوزراء السابق، جون بيير رافاران، النائب البارز عن يمين الوسط، يعتقد أن الأخبار التي جاءت إلى فرنسا عن الانتخابات الأمريكية تعني أن: “مارين لوبان يمكنها الفوز.” مثلما حدث في ترشح ترامب للرئاسة، ناهيك عن فوزه الذي لم يكن يتوقعه أحد منذ عام مضى، أغلب الخبراء الفرنسيين نفوا احتمالية فوز قائدة اليمين المتطرف بقصر الإليزيه في 2017. الخروج البريطاني وترامب غيرا ذلك. “هذا اختيار الشعب،” هكذا قالت لوبان. وتابعت: “لو ظل الشعب يقدم المفاجآت للنخبة، فهذا لأنهم منفصلين عنه.”

وردت لوبان على محاور حاول جعلها تدين عنصرية ترامب: “أنت لا تتعلم الدروس بشكل صحيح. السؤال غير مهم في مواجهة التغير الكبير الحادث.”

تسير لوبان بخطى جيدة. لا تريد أن تصبح  مثل دونالد ترامب. هي قلقة من تجاوزاته. تريد تجنب الاتهامات بالعنصرية والتمييز الجنسي: هذه الصورة تعود إلى والدها المناهض لمعادي السامية، جون ماري لوبان، الذي طردته من الحزب الذي أسسه.

تذكر: هي تريد أن تكون جديرة بالاحترام.

والآن تبدو مستعدة على شاشات التليفزيون، لا تصب غضبها على المراسلين، وينشر عنها في النيويورك تايمز، وتجري حوارات مع فورين أفيرز. أثنت على الدور الذي لعبه السيناتور بيرني ساندرز في الانتخابات الأميركية. ليس ترامب هو من يثير اهتمامها، بل الديناميكية التي أوصلته إلى البيت الأبيض، الطريقة التي سخّر بها الغضب الشعبي وحوله إلى آلة انتخابية.

تؤمن أن هذا الغضب له نفس الأسس في فرنسا كما هي في الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا: نفور من “العولمة المتوحشة”، والحدود المفتوحة، مضيفة أن الشعوب تريد استعادة دولتهم مرة أخرى. يريدون “استعادة السيطرة على مصيرهم” من النخب المغرورة التي “تحتقر الشعب”. مناصروها في الإلب من العمال ذوي الياقات الزرقاء الذين هجروا احزاب اليسار أو الاشتراكية الديمقراطية، لكنها أيضًا تجني مكاسب بين أصحاب الياقات البيضاء.

هناك أيضًا بعض الاختلافات هنا قد تجعل موقفها أقوى: معدل مرتفع للبطالة يصل إلى 9.6% بجانب أزمة الهجرة الأوروبية التي لا يمكن إنكارها والتي أذكت السخط والغضب في فرنسا. لكن ترشح ترامب احتضنه حزب سياسي رئيسي، في حين الاحزاب الفرنسية التقليدية ما زالت ترى الجبهة الوطنية كشئ دخيل.

تشعر الأحزاب الرئيسية في فرنسا بحرارة الاضطراب الأمريكي. سيعقد حزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، يمين الوسط، الجمهوريون، الانتخابات التمهيدية هذا الشهر، وعلى خطى ترامب، بزغ نجم ساركوزي باستخدامه خطابات حماسية حول المهاجرين والإسلام. على الرغم من أنه ينكر أنه شعبوي، لا يمانع في استخدام هذه الورقة، وأحيانًا أكثر من السيدة لوبان. في أعين ساركوزي، أظهر صعود ترامب أن الأمريكيين لديهم ما يكفي من المذاهب السياسية ومن المرشحين الذين تدعمهم المؤسسات ووسائل الإعلام- مرشحين مثل منافسه الرئيسي في الانتخابات التمهيدية، رئيس الوزراء السابق آلان جوبييه. إلى الآن، من الصعب لمرشح أن يترشح ضد النظام بعد 4 سنوات فقط من مغادرة الإليزييه.

يبقى معرفة من سيرتدي عباءة ترامب من لوبان أو ساركوزي أمر غير مؤكد. لكن بعد الانتصار الأمريكي، لن تعود السياسة الفرنسية كما هي. واوضحت لوبان: “ليست نهاية العالم، بل نهاية عالم.” وصارت وسائل الإعلام الفرنسية حذرة وتتابع المرحلة الجديدة التي بدأها نظرائهم الأمريكيين الذين وثقوا في فوز هيلاري كلينتون، وليس ترامب. هذا وقت البحث عن الذات في هذا الجانب من الأطلسي، أيضًا. يعاني السياسيون من ذعر حيث الخطوط الفاصلة في النقاش السياسي تتزحزح من الاختلافات الأيدلوجية مع الجناح اليساري إلى معارضة وجهات النظر حول العولمة أو المؤسسة.

وفي حوار مع لوموند، تحدث وزير الخارجية الفرنسي السابق، هوبرت فيدرين، والمساعد لفترة طويلة لفرانسوا ميتران، عن “عصر من التمرد الانتخابي.” وقال إنه حتى تدرك النخبة الفرنسية “المحنة الاجتماعية وتتفهم حاجة الناس إلى الأمن والهوية والسيادة،” سيصل هذا التمرد إلى فرنسا.

في ما يأسف المؤرخ، بيير روزانفالون، أن “كثير من الديمقراطيين الأصليين يكرهون الشعبوية لكنهم يفشلون في تفهم جذورها العميقة.” وقال إنه ليس من الكافي أن نعترض على نتائج الشعبوية فقط، بل نجتاج إلى نقد الذات. والسيدة كلينتون أظهرت أنها ليست جيدة بشكل خاص في نقد الذات.

والآن دعونا نرى ما إذا كانت فرنسا ستسير بطريق أفضل.

سيلفي كوفمان، مديرة تحرير سابقة ورئيسة تحرير سابقة لجريدة لوموند.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى