ثقافة و فن

الجنون في صور

صور: اعتقد  الطبيب البريطاني هيج ولتش أن التصوير مفيد لعلاج المرضى النفسيين.. والتقط صورا لمريضاته طوال 10 سنوات

دانجروس مايندز – ترجمة: محمد الصباغ

من بين رواد التصوير الأوائل في القرن التاسع عشر كان هناك الطبيب الإنجليزي هج ويلتش دياموند، الذي اعتقد أن التصوير يمكن أن يستخدم في تشخيص وعلاج المرضى النفسيين. بدأ دياموند حياته المهنية بعيادة خاصة صغيرة بسوهو في لندن، قبل أن يتخصص في الطب النفسي ويصبح  في 1848 المشرف المقيم لقسم النساء في مصحة مقاطعة “سوري” للأمراض العقلية واستمر في المنصب حتى 1858.

تبنى دياموند التصوير الفوتوغرافي، و التقط أولى صوره بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على قيام هنري فوكس بالتوصل إلى طريقة التصوير الخاصة به ”Salt print“ التي تؤدي إلى ما كان يعرف حينها بـ”الرسومات الفوتوغرافية”، وهى صور غامقة وبها نقاط سوداء لكنها اعتبرت تطورا كبيرا في التصوير الفوتوغرافي خلال ذلك الوقت.  ووكأحد المؤمنين بعلم “الفسيونومي” (الاعتقاد بأن ملامح الوجه تعبر عن الشخصية) فقد اعتقد دياموند أن التصوير الفوتوغرافي يمكن أن يستخدم كعلاج شاف.

سار دياموند على خطى السير أليكسندر موريسون في توثيق الجنون، وكان الأخير قد قدم كتاباً من الصور التوضيحية بواسطة فنانين متنوعين يصورون المرضى بأحد المستشفيات النفسية، وكان بعنوان ”علم الفيسيونومي في الأمراض العقلية“ عام 1838.

اعتقد دياموند أن الكتاب لم يكن علمياً لأن الرسومات تفسر ما يراه الفنان وربما تتجه بالموضوع إلى فن الكاريكاتير. اعتقد أيضا أن الكاميرا كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوثق بها الأطباء المرض دون اتهامهم بالتحيز.

”الماورائي والأخلاقي، الطبيب والفسيولوجي سوف يتناولان هذا الأمر بوجهات نظرهم الخاصة، وتعريفاتهم وتصنيفاتهم – لا يحتاج المصور في حالات كثيرة إلى مساعدة من أي لغة من لغاته، لكنه يفضل أن يستمع إلى الصورة التي أمامه، إلى الصمت لكن يتحدث بلغة الطبيعة“.

بين عامي 1848 و1858 قام دياموند بتصوير المرضى السيدات بالمصحة التي يعمل بها، ووضع صورهن الشخصية على ستائر الحائط أو على شاشة من الأقمشة. أصبح مقتنعاً بأنه قادراً على تشخيص المرضى النفسيين من خلال صورهم الشخصية ثم بعد ذلك يستخدم الصورة كعلاج – الفكرة تقوم على أن المريض قد يكون قادراً على التعرف على المرض من خلال ملامحه. و كدليل على ذلك، استشهد بنجاحه في علاج مريض استخدم تلك الطريقة معه.

”كانت رؤيتها المتتابعة للصور وحديثها المتكرر عنها هو الخطوة الأولى في تحسنها التدريجي، ثم شفائها تماماً وأخيرا ضحكها بحرارة على تخيلاتها السابقة..“

وبناء على اقتناعه بالعلاج المحتمل للمرضى النفسيين قدم دياموند بحثاً عن ”استخدام التصوير الفوتوغرافي مع الفيسيونومي (علم الملامح) والأمراض العقلية“ إلى الجمعية الملكية للطب عام 1856، وفيها أوضح نظرياته. ورغم أن كثير من العلماء والأطباء يرون مزايا أطروحات دياموند، إلا أن تلك الأطروحات رفضت في نهاية الأمر.

الاعتقاد في علم الفيسيونومي كمذهب علمي تجريبي تطور بواسطة الشرطة، والباحثين في القياسات الحيوية ومخترع التصوير الجنائي ألفونس بيرتليون الذي ابتكر نظاماً للقياسات البدنية لتصنيف المجرمين. ثم انتهى أمر هذا النظام مع ظهور بصمات الأصابع والحمض النووي.

خلال عمله بمصحة مقاطعة “سوري”، كان دياموند قادراً على توثيق حالات أغلب المرضى السيدات حيث كانت المصحة العقلية مؤسسة عامة، حيث لا يوجد للمرضي أي خصوصية. من المثير أن نشير إلى أنه عند مغادرته للمصحة إلى أخرى خاصة في تويكنهام، لم يسمح له بتصوير المرضى. والصور التالية لنساء من مرضى نفسيين بمصحة مقاطعة “سوري”، ولم نتمكن من الوصول إلى هوياتهم أو مرضهم.

دكتور هيج ولتش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى