مجتمع

حمام باب البحر :كيف وجدت منى عراقي نفسها وحيدة؟

المونيتور: توقعت منى عراقي  أن يساندها الناس  لاستخدامها تعبيرات مثل “وكر الشذوذ” . ولكن حصل العكس  

 

 

photo by REUTERS/Asmaa Waguih . رد فعل المتهمين على حكم البراءة في 12 يناير

سارة السرجاني-المونيتور  

ترجمة وإعداد  محمد الصباغ

أعادت التفاصيل التى نقلها محامون عن تقرير للشرطة في قضية “حمام رمسيس” للأذهان الرسومات الرومانية القديمة لحفلات الجنس الجماعية. ووصف تقرير الشرطة كيف ألقى القبض على 21 متهما من أصل 26 في قفص الاتهام، في أوضاع جنسية متنوعة خلال حملة أمنية على حمام شعبي في 7 ديسمبر الماضي.

و كانت المذيعة منى عراقي قد بدأت القضية حين نشرت صورا لرجال شبه عرايا يغطون وجوههم و يلفون خصورهم بمناشف حمام، أثناء اقتيادهم لسيارات الشرطة بعد إلقاء القبض عليهم في حمام باب البحر الشعبي.

و انتشر على مواقع الإنترنت هاشتاج ”#مخبر_ إعلامي  ”

، و هاجم مستخدموه منى عراقي بسبب ممارساتها الصحفية و اختيارها للموضوع.

و قال الناشط الحقوقي وصحفي التحقيقات حسام بهجت على فيسبوك، معقباً على صورة تظهر فيها عراقي و هى تصور الرجال أثناء القبض عليهم خلال الحملة الأمنية، “تلك الصورة سوف تنتشر لسنوات مع كل مقال أو تحقيق أو حتى كتاب كمثال لانهيار أخلاقيات الإعلام المصري.“

و لم يكن تعاون مذيعة مع الشرطة في تلك الحملة هو الأول  فقد سبقتها المذيعة ريهام سعيد في تصوير المقبوض عليهم في الحملات الأمنية، و في إحدى الحلقات صورت لقاءً مع من زعمت أنه يعمل في تجارة الأعضاء البشرية و قامت بعد ذلك بإبلاغ الشرطة عنه. و بعد القبض عليه، واجهته بالكاميرا في مكتب أحد ضباط الشرطة.

و يقول صحفي التحقيقات أحمد رجب لـ”المونيتور”: “يعمل الصحفيون من أجل القراء وليس لحساب الشرطة، وعلى سبيل المثال لو حدثت جريمة كالإتجار بالمخدرات و انتشرت لدرجة أنني وجدتها و بدأت إجراء تحقيق صحفي عليها، فهذا يعني أن وزارة الداخلية لا تؤدي واجبها و يجب أن يسأل الناس عن تواجد الشرطة”.

يقول المدير السابق لبرنامج حقوق المثليين بهيومان رايتس ووتش سكوت لونج: “الطريقة الواضحة التى ظهر فيها الرجال يعاملون بشكل سيئ و تم الحكم عليهم بسبب اللقطات التى أذاعتها عراقي بكل فخر، تلك الطريقة أغضبت الناس”. وكان سكوت صاحب مدونة “بيبر بيرد”  قد قاد حملة ضد منى العراقي وصلت لذروتها في مهرجان “شنيت” للأفلام القصيرة.

ورغم محاولتها توجيه حلقتها لمتحدثي الإنجليزية بإضافة ترجمة للفيديو المنشور على فيسبوك إلا أن منى عراقي رفضت أي لقاءات مع وسائل إعلام أجنبية خوفا من التركيز على ملاحقة المثليين. وكتبت عراقي بالإنجليزية على حسابها بفيسبوك في 18 ديسمبر: “لقد عملت على تلك القصة لسبب واحد هو رواج الجنس في مكان عام (الحمام الشعبي) في وسط القاهرة، ولم تكن مشكلتي مع المثليين”. وأضافت أنها بثت حلقات وتحقيقات للتركيز على المساعدة في تأمين حياة صحية لتلك المجموعات.

وعند تحدثي مع منى عراقي هاتفياً من أجل عمل مقابلة معها، اشترطت تصويري أثناء عمل اللقاء لاستخدام اللقطات في مشروع خاص بها حسب ما قالت، لكني رفضت طلبها، واستمرينا بالحديث. المقابلة مع عراقي لم تحدث أبداً، حيث غادرت هى البلاد في إجازة كان من المفترض لها أن تنتهي يوم 12 يناير أي نفس يوم النطق بالحكم في قضية الحمام ولكن الوصول لها كان غير ممكناً بعد ذلك اليوم. خلال محادثتنا الهاتفية حول القضية سألتني عن رأيي في تقريرها وهل اعتقد أنها شخص سيئ.

لم يعد للتحقيقات أي قيمة في قاعة المحكمة حيث لا تتوافر أي اعترافات مثبتة في الأوراق الرسمية، و حسب اعتقاد المحامين فالقضية تعتمد فقط على أقوال ضابط الشرطة أحمد حشاد الذي ظهر في برنامج منى عراقي. و لم تذكر تحقيقات الطب الشرعي أي شيء عن مرض الإيدز وقالت إن ثلاثة من المتهمين ظهرت عليهم  اثار ممارسة الجنس المثلي. وكان هؤلاء الثلاثة مع 15 متهما آخرين اتهمموا بفعل فاضح في مكان عام ولم يوجه لهم اتهامات مثل التى وجهت لستة آخرين وهى اعتياد الفجور، التهمة التى توجه عادة للمثليين، بينما وجهت تهم التحريض والمساعدة على الجريمة لخمسة اخرين.

و لم يذكر تقرير النيابة دور منى عراقي وأشار إلى “مصدر سري” أبلغ الشرطة، واعتبر بعض المحامين ذلك تزويرا. و قال المحامي طارق العوضي لهيئة المحكمة، من غير الواقعي أن يستطيع ضابط شرطة أن يرى ويعرف أسماء 21 متهماً و يحددهم في أوضاع جنسية في تقريره، وكل ذلك في لحظة دخوله الحمام الملئ بالبخار.

و يضيف العوضي، القضية عبارة عن عمل مشترك بين ضابط شرطة ومذيعة يسعيان للشهرة على حساب الفقراء. و توافق مع العوضي عائلات من كانوا في الحمام وقالوا إنهم سوف يرفعون دعاوى قضائية ضد منى عراقي وقناة “القاهرة والناس” بسبب التشهير. وقالت العائلات إنهم واجهوا مخاوف من العار وكذبوا على جيرانهم الذين سألوا عن أسباب اختفاء أبنائهم.

وخلال جلسات المحاكمة، وجهت أسر المتهمين الغضب تجاه الصحفيين المتواجدين، وحذروهم من تصوير أبنائهم واتهموهم باستغلال أزمتهم. وغطت النساء من أقارب المتهمين وجوههن. وقبل النطق بالحكم، عند دخول أحد المتهمين للقفص هاجم بغضب المراسلين وقال لهم: “يا كفرة، يا ولاد الكلب”.

كان القاضي إيهاب الراهب منذ أسبوع قد طلب مقابلتي مع اثنين آخرين من الصحفيين ليسألنا عن سبب اهتمام الصحافة الأجنبية بتلك القضية. وقلنا أن الطريقة التى قبض بها على المتهمين و طريقة تعامل الإعلام مع القضية سببت ذلك الاهتمام.

و يقول عمر، شقيق أحد المتهمين، بدلاً من توريط 26 شخصاً، لماذا لا يتم محاكمة من تستضيفهم عراقي. في إشارة للقاء المذيعة مع أحد الرجال الذين يمارسون الدعارة.

و قال عادل اسكندر، المدرس بجامعة سيمون فراسر، موجهاً سؤاله لـ”المونيتور”: “هل ساعد برنامج منى عراقي في رفع وصمة العار التى تحيط بحياة المثليين في مصر؟ وهل عرضت عراقي مشكلة الرفض المجتمعي الذي يواجهه هؤلاء الناس؟”.

و يجيب اسكندر على سؤاله: “إجابة كل تلك الأسئلة هى لا.. بل جعلتهم ضحايا وروّعت حياتهم و ألصقت بهم العار بدرجة أكبر”.

و في 12 يناير حكم القاضي ببراءة المتهمين، و امتلأت القاعة بالاحتفالات وواجه المتهمون وعائلاتهم الكاميرات بابتسامات.

هل الحكم يعتبر نصراً لحقوق المثليين؟

في البداية، لم يكن هناك أي دليل على أن أحد المتهمين مثلي الجنس. ويتواجد اسم الحمام على موقع “جاي هاوس دوت كوم”، لكن نفى اثنان من أصحاب المحلات بجوار الحمام وجود أي أنشطة تشير للمثلية. و لم يناقش أي شخص في المحكمة كون المثلية ليست جريمة، ولم يعنون منطوق الحكم ذلك. و أيضاً حرص المتهمون دائماً على إخفاء وجوههم في كل مرة يظهرون في قفص الاتهام. و يبقي بالنسبة لهم ولعائلاتهم كونك مثلي الجنس هو وصمة عار.

و بعد الحكم بالبراءة وقف بعض أقارب المتهمين يهتفون “الصحافة فين، الرجالة أهم”، وتقول عزة شقيقة أحد المتهمين ”يجب ان تصلحوا كل ما قيل عنهم، حاجات مثل الشذوذ”.

و يظهر عمر شقيق أحد المتهمين الذين حصلوا على البراءة مرة أخرى ليقول: “هذه التقارير تسيىء لمصر، لا يوجد ما يعيب الرجال المصريين”.

و يقول سكوت لـ”المونيتور” قبل النطق بالحكم: “المثليون ليسوا قضية واضحة ذات أهمية بالنسبة للنشطاء الليبراليين، واعتقد أن منى عراقي استندت على ذلك، وتوقعت أن يقف الناس بجانبها وليس في مواجهتها”.

لم تمنع كلمات مثل “وكر للشذوذ” التى استخدمتها عراقي، الصحفيين من إدانتها و لم يتم التغاضي عن تفاصيل القضية وتناقضات تقرير الشرطة كما كان يحدث من قبل.

و في ضوء ذلك، يمكن اعتبار الحكم نصرا صغيرا، حيث ظهر المحامون وعائلات المتهمين والنشطاء المؤيدين لحقوق المثليين في قاعة المحكمة واحتضنوا بعضهم البعض بالدموع غير مصدقين البراءة.

.

اقرأ أيضا:

براءة حمام منى عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى