سياسة

فايننشال تايمز: لم يعد لأميركا دور في الشرق الأوسط  

فايننشال تايمز: موازين قوى جديدة في الشرق الأوسط

 juio

ديفيد جاردنر- فايننشال تايمز 

ترجمة: فاطمة لطفي 

تباهي مسؤولون من روسيا وتركيا وإيران بأنفسهم في وقت مبكر من هذا الشهر قبل اجتماع ثلاثي لوزراء الدفاع والخارجية في موسكو، للتباحث بشأن سوريا بعد حلب. لكن هل دعوا نظراءهم في الولايات المتحدة الأمريكية؟ لا. لا مكان في المباحثات التي تستند على مبدأ “الواقعية السياسية”، للمماطلين الذين قد يفسدون على روسيا وإيران انتصارهم بالقضاء على المعارضة في حلب وإنقاذ بقايا دويلة عميلهم السوري، الرئيس بشار الأسد.

ولنكن منصفين، ركزت تركيا أكثر على “الواقعية السياسية” أكثر من الشعور  بالنصر. حيث اضطرت أنقرة للتخلي عن دعمها للمتمردين السنة الذين يحاولون الإطاحة بالأسد، والتطلع نحو روسيا وإيران لمنع المقاتلين الأكراد السوريين المتحالفين مع المتمردين الأكراد الأتراك من الاتحاد وتأسيس كيان مستقل لهم على حدودها.

في كلتا الحالتين، لا يبدو سهلًا الهروب من تبعات المذبحة في سوريا. عشية اجتماع الوزراء، اغتيل سفير روسيا لتركيا في أنقرة على يد رجل شرطة تركي، الذي هتف: “لا تنسوا حلب”. كما أكد هجوم الشاحنة في سوق الكريمساس في برلين الذي وقع في نفس الليلة، على مدى سهولة شن هجوم إرهابي. لكن الجدير بالملاحظة، وبالنظر للطريقة التي قضت بها القوات الجوية لبوتين على المتمردين السنة بسوريا (بدلًا من جهادي داعش)، أن روسيا تعاني القليل فقط من محاولات الانتقام.

بالتزامن مع فظائع الجهاديين في باريس ونيس وبروكسل وإسطنبول، تم إسقاط طائرة روسية على سيناء بعد فترة وجيرة من التدخل العسكري الروسي في سوريا. قال مسؤولون أوروبيون وقتها إن الطائرة الروسية لم تكن الهدف الحقيقي. لكن تغيرت الأمور الآن، حيث قال بوتين إن اغتيال أندريه كارلوف كان يهدف إلى تخريب “عملية السلام في سوريا”، الملاحظة التي تشير بسخرية إلى احتمالية، أن تحظى روسيا، فضلًا عن الغرب، على المزيد من المناسبات المشابهة إثر ما فعلته في حلب.

لكن تستطيع روسيا وإيران، مع ذلك، وهم تتطلعان نحو العام الجديد، 2017، التفكير كم حظيتا بعام جيد أربكتا خلاله أعداءهما في الشرق الأوسط، خاصة أن الغرب وحلفاءه في المنطقة الآن في حالة من الفوضى القابلة للاستغلال. بالإضافة إلى تحقيق بعض النجاح في تقسيم أوروبا وتأسيس قطب ديمقراطي متعصب داخل الاتحاد الأوروبي. كما أن لدينا معجبا جديدا لبوتين في الولايات المتحدة، الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

بينما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هما بالفعل من معجبي بوتين. والرئيس الإسرائيلي بينيامين نتنياهو صديق للرئيس الروسي. أما الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد الشاب، والمسؤول الفعلي عن السعودية، فقد أنشا ما أسماه مسؤول عربي بـ”العلاقة الوظيفية” مع بوتين.

أصبحت هذه الدول مضطربة جراء الضعف الملموس لإدارة أوباما، ومحبطة من الاتحاد الأوروبي، وباتت هذه الركائز الغربية في الشرق الأوسط هشة الآن.

وبعد فوضى سقوط الحكومات في عام 2011 و2013، أعيدت مصر لتصبح دولة أمنية متصلبة مرة أخرى. بالإضافة إلى اقتصادها الضعيف نتيجة لخلافاتها مع السعودية، الراعي المالي الرئيسي لها. وفي نفس الأثناء، تتجه تركيا شرقًا، مع محاولة أردوغان اختبار مؤسساته للتدمير في حملاته التطهيرية التي تلت الانقلاب الفاشل ضده واتجاهه نحو الحكم المفرد. وفي كلتا الدولتين، مصر وتركيا، السجون مكتظة.

كما يبدو أن إسرائيل قررت إنهاء الحديث عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وربما لن تضم فقط المستوطنات اليهودية إنما معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة، مستفيدةً من تنصيب ترامب رئيسًا ومساعديه المؤيدين للاستيطان. بينما يذكرنا رحيل أوباما، وامتناع إدارته عن التصويت ضد قرار مجلس الأمن الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي، وخطاب كيري الذي يؤكد دعم الولايات المتحدة الأمريكية لحقوق الفلسطينيين وكذلك لأمن إسرائيل، بأن معظم دول العالم  تعتبر الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية فعل غير قانوني.

وعلى جانب آخر، لدينا خطة الأمير محمد لإجراء إصلاحات في السعودية وتحريرها من سيطرة النفط، لكن الخطوة معرضة للفشل إلا إذا تمكن من استعادة السيطرة على التعليم من رجال الدين الوهابيين الذين ضخوا التعصب الديني داخل السعودية والعالم الإسلامي.

ويبدو أن إيران الشيعية حظت أيضًا بفترة ناجحة. حيث عزز النصر في حلب الحلف العربي للشيعة من بغداد إلى بيروت. لكن يبدو أن ترامب يضع طهران هدفًا أمامه، مع تهديده بإلغاء أو تعطيل العمل بالاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع الولايات المتحدة وخمس دول أخرى منها روسيا. الخطوة التي قد تقوي متشددي إيران ونزعتهم في اتخاذ القرارات السريعة، وقد تثير نزاعًا بين المتعصبين من السنة والشيعة.

ومن المحتمل أيضًا أن تنهار خلافة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا في عام 2017. وسيسعى التنظيم بعد أن يخسر الموصل، ومن ثم الرقة، نحو ممارسة التمرد المحلي والإرهاب الدولي. كما ستدفع حلب السنة أيضًا نحو التطرف اليائس.

لا يزال هناك الكثير بانتظار تنظيم داعش والقاعدة، حيث الأسد لا يزال موجودًا جنبًا إلى جنب مع الأنظمة المدعومة من الشيعة في بغداد وبيروت. وعلى الجانب الآخر، الولايات المتحدة وروسيا، وتركيا وإيران تبدو بمثابة رقباء جيش، فراغ مؤسسي ودول فاسدة. ومن ثم ستجيء إدارة ترامب بانحيازاتها الثابتة واتجاهها المتذبذب، وترامب، الرجل الذي لا يمكن توقع ما يمكن أن يصدر عنه إطلاقا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى