سياسة

مصر إلى مجلس الأمن: على مايكروسوفت أن تقوم بدور الشرطة الإلكترونية

NEW YORK, NY – SEPTEMBER 19: Members of the United Nations Security Council hold a meeting on the situation concerning Iraq on September 19, 2014 at UN headquarters in New York City. Secretary Kerry attended the Council for supporting the new Iraqi government and the Iraqi people. (Photo by Eduardo Munoz Alvarez/Getty Images)

مصر إلى مجلس الأمن: على مايكروسوفت أن تقوم بدور الشرطة الإلكترونية

طلبت القاهرة من شركة مايكروسوفت أن تساعدها في كبح جماح الإرهاب، وقال خبراء إنه على الشركة الكبيرة أن تتجنب أن تشارك في الحملة التي تشنها مصر على حرية التعبير.

فورين بوليسي- COLUM LYNCH

ترجمة- فاطمة لطفي ومحمد الصباغ

دعت مصر في مجلس الأمن هذا الشهر الشركة الأكبر في مجال التكنولوجيا، مايكروسوفت، أن تقدم المشورة للقوى العالمية لمساعدة الحكومات على مكافحة التطرف والإرهاب. لكن هذه الفرصة النادرة وضعت أهم شركة للبرمجيات الأشهر في العالم في ورطة، كيف يمكنها أن تتجنب دعم دولة تفرض إجراءات قاسية على وسائل الإعلام الاجتماعي وغيرها من وسائل حرية التعبير، بداية من الفنانين والصحفيين حتى الكتاب.

الاجتماع الذي تقرر عقده من مجلس الأمن يوم الأربعاء جاء تحت عنوان “مواجهة أيديولوجيات الإرهاب”، يسعى هذا التباحث إلى اكتشاف وسائل لمكافحة الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات الإرهابية المتطرفة، وفقًا إلى ورقة سرية صاغتها مصر وحصلت عليها (فورين بوليسي). أرادت مصر من مجلس الأمن أن تعتمد قرارا يبين احتياج الحكومات إلى وضع استراتيجية دولية شاملة لمكافحة الجماعات المتطرفة خاصة الدولة الإسلامية (داعش).

يشمل الاجتماع خطابا من نائب رئيس شركة مايكروسوفت ستيف كرون، ونائب الأمين العام للأمم المتحدة يان الياسون، ومحيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بالقاهرة، والذي ارتبط بشكل وثيق بمصر. قال دبلوماسيون إنهم لا يمكنهم تذكر أن رئيس شركة مايكروسوفت قد قدم خطابًا في مجلس الأمن من قبل، على الرغم من أن مؤسس مايكروسوفت بيل جايتس، قد ألقى خطابًا من قبل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول أنشطتهم الخيرية في عام 2008.

انتقادات حادة وجهت لمبادرة مصر التي رأوا أنها مصممة خصيصًا من أجل حشد دعم دولي لسياسات القاهرة التي تقمع حرية التعبير بحجة كبح جماح جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. كان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد عزل الرئيس السابق محمد مرسي زعيم الإخوان المسلمين بانقلاب عسكري في يوليو عام 2013، ومؤخرًا كثّفت مصر حملتها القمعية لسجن الصحفيين والمعارضين السياسيين والفنانين والكتاب الذين يهاجمون الدولة.

أخبر ديفيد كاي، مُقرر الأمم المتحدة الخاص لحرية الرأي والتعبير، فورين بولسي في تصريحات على البريد الإلكتروني: “هناك مشكلة حقيقية مع الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات”، وأضاف أن كثيرا من البلدان يتخذون من “التطرف” حجة لمعاقبة الصحفيين وفرض رقابة على حرية تداول المعلومات، خاصة عبر الإنترنت.

وأضاف: “تستخدم مصر لغة “مكافحة التطرف والعنف” لحبس الأفراد الذين يتظاهرون ضد سياساتها، والصحفيين الذين يغطون هذه الاحتجاجات”.

جاء الاجتماع بعد محاولة مصر إقناع العالم أن يستجيب بقوة لما تراه تهديدا إرهابيا حقيقيا. استطاعت مصر اختيار موضوع جذب تعاطف الدول التي تعد قوى عظمى، مثل روسيا والصين والولايات المتحدة. هذه الدول التي استضافت من قبل اجتماعات مجلس الأمن في مكافحة التطرف العنيف. وقال بعض دبلوماسي الأمم المتحدة إن مصر لديها مخاوف مشروعة حول خطر الإرهاب داخل وخارج البلاد، خاصة بعد الفيديو الذي نشر في فبراير 2015 وظهر فيه مسلحو الدولة الإسلامية يذبحون 20 قبطيًا مصريًا في ليبيا.

لكن أبدت الولايات المتحدة قلقها حول الوثيقة التي صاغتها مصر ومحاولة التأكد أنها لم تذهب بعيدًا كفاية لتشمل منظمات المجتمع المدني، وكذلك شركات التكنولوجيا العالية، لتعمل معًا مع الحكومات لمواجهة جهود المتطرفين وردع أتباعهم المحتملين. شملت المسودة الأخيرة التي من المرجح أن تتم الموافقة عليها التعديلات الأمريكية التي أوضحت هذه المخاوف وحاولت معالجتها.

مع ذلك، قالت سوزان نوسل، المدير التنفيذي لمنظمة القلم الأمريكية، إن اجتماع مجلس الأمن يضع مايكروسوفت في موقف صعب أمام حكومة تحبس الصحفيين والسينمائيين والكتاب.

وأضافت نوسل أنه لن ترغب أي شركة من شركات وسائل التواصل الاجتماعي أن ينظر إليها باعتبارها مساحة لنشر التطرف والعنف. هذا خطر على سمعتها التجارية، كما أن في الوقت نفسه شراكة كهذه مشوبة بالمخاطر، حيث ستتولى الشركة دور الشرطة.

وقالت نوسل إن التحدي الذي تواجهه الآن مايكروسوفت هو تحقيق التوازن بين الاعتراف أن الإرهاب هو هذا “التهديد العالمي الخطير الذي يستدعي المزيد من التعاون والعمل معا”، والتأكد من أن الحرب على الإرهاب لن تستخدم كذريعة للقمع الداخلي، وأضافت أنه يجب عليهم أن يتجنبوا وجود أي شيء قد يستخدم كرخصة للقضاء على أعداء سياسة الدولة الداخلية أو المعارضين.

وقال مايكل هانا، خبير في في شؤون مصر في مؤسسة القرن: “هذا أمر ليس سهلا على مايكروسوفت”، سيكون مثيرًا للقلق إذا اشتركت مايكروسوفت مع مصر في هذا الأمر.

في أعقاب الهجوم الإرهابي على جريدة تشارلي إيبدو الفرنسية الساخرة، عام 2015، قامت الحكومات بتصعيد درامي للضغط على شركات الإنترنت والتكنولوجيا لتتعاون مع الاستخبارات ووكالات تنفيذ القانون. وقال مناصرون للحقوق الرقمية إن ذلك شمل طلبات بإزالة المحتويات العدائية أو مراقبة الأنشطة الإرهابية المحتملة. لكن دون تعريف دولي للإرهاب أو التطرف العنيف، تُركت الحكومات بشكل منفرد لتقرر ما هو غير مقبول.

تعتبر مصر الإخوان المسلمين خلفية أيديولوجية للمتطرفين اليوم، ومن بينهم تنظيم الدولة الإسلامية. لكن جماعة الإخوان، والتي حُظرت إبان حكم الرئيس حسني مبارك، أصبحت قانونية بعد ثورة الربيع العربي التي أطاحت بمبارك من السلطة. وسعت الولايات المتحدة للعمل مع مرسي، وهنأه الرئيس أوباما على نجاحه في الانتخابات الرئاسية عام 2012، في مكالمة هاتفية. وتتعامل مصر وحلفاؤها مثل السعودية وروسيا، الجماعة كمنظمة إرهابية. لكن هناك دول قليلة تتفق مع تلك الرؤية، فالأمم المتحدة لم تعتبر الإخوان المسلمين أبدًا جماعة إرهابية. ولم يذكر اسمها في بيان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ولم يشر مطلب مصر صراحة إلى جماعة الإخوان المسلمين. لكنه اشتمل على إشارة مبطنة نحو الجماعة، واعتبر أن دعاتها في منتصف العشرينيات هم المسؤولون عن الأسس الدينية للمتطرفين الجدد مثل تنظيم الدولة الإسلامية، وبوكو حرام في نيجيريا، وجبهة النصرة في سوريا، وحركة الشباب في الصومال.

ووفقًا للورقة المقدمة من قبل مصر: ”كل تلك الجماعات الإرهابية تتشارك في نفس الهدف النهائي بإعادة بناء ما يسمى بالخلافة أو الدولة الإسلامية، عبر وسائل عنف.“

وتقول إيما ليانزو، مديرة مركز الديمقراطية ومشروع حرية التعبير الرقمية، إنه في مصر، وبشكل روتيني، يُسجن الصحفيون ”لمزاعم بانتهاك قوانين محاربة الإرهاب لأنهم يتابعون أخبار الإخوان المسلمين أو ينتقدون الحكومة.“ وخلال هذا الشهر، قضت مصر بحبس صحفيين بشبكة الجزيرة بالسجن المؤبد غيابيًا، لاتهامهم بتسريب أسرار الدولة ووثائق إلى قطر، الدولة الحليفة للإخوان المسلمين.

وأكدت الجزيرة أن الاتهامات بلا أي أسس. وأضافت ليانزو: ”الأمر خطير عندما يتعلق بما الذي يتم اعتباره تهديدا حقيقيا للأمن القومي.“

عملت الأمم المتحدة من خلف الستار لحشد الدعم من شركات التواصل الاجتماعي لمحاربة الإرهاب. واستضافت لجنة الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب، اجتماعًا في ديسمبر الماضي، وشارك به ممثلون لشركات فيسبوك وجوجل ومايكروسوفت وتويتر وويتشات، وويبيو. ونفى مكتب شركة مايكروسوفت التعليق على هذا التقرير حول اجتماع الأربعاء، عدا التأكيد على حضور مايكروسوفت.

كما أكد أن مايكروسوفت تعمل بالفعل عن قرب مع حكومات لمواجهة عدد من الأنشطة الإجرامية من بينها الإرهاب. وأضاف أن الشركة عملت مع السلطات في فرنسا والأمم المتحدة لتزويدهم بمعلومات إلكترونية حصلت عليها خلال 45 دقيقة عقب هجوم تشارلي إيبدو. لكنه قال أيضاً إن تعاون مايكروسوفت ستقوده ”مبادئ ترتكز على دور القانون، من بينها القانون الدولي.“

وقال في ديسمبر: ”نحن بالطبع، في حالة غضب من استخدام الإرهابيين لشركتنا وتقنياتنا،“ مؤكدًا للجنة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب أن شركته لم يكن لديها نية مطلقًا أن يتم استخدام منتجاتها أو الوسائل المساعدة -مثل شركة سكايب للمحادثات- بواسطة الإرهابيين. لكنه عاد وقال إنه من المستحيل أن ”نهرب من الواقع“ الذي يمكن فيه استخدام التكنولوجيا الرقمية ”إما لأغراض جيدة أو سيئة.“

ستدعو مبادرة مصر في الأمم المتحدة إلى ”استراتيجية دولية شاملة“ تجمع الحكومات، ووكالات الاستخبارات، والقادة الدينيين، وشركات التواصل الاجتماعي، معًا في المعركة ضد عنف التطرف. خاصة الدولة الإسلامية التي نفذت هجمات إرهابية ضد المصريين. والهدف الرئيسي هو إيجاد ”أسلوب مثالي للتنسيق والمتابعة وحشد الموارد والتحركات الضرورية،“ وفقاً للمبادرة المصرية.

كما تقترح المبادرة نقاشات حول الخطوات التي يمكن للمجتمع الدولي القيام بها ”تماشيًا مع دور القانون، ووسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الاتصال الإلكترونية الأخرى من أجل نشر الخطابات والأيديلوجيات.“

وجاء بالورقة المقدمة تساؤلا حول الإجراءات التي يجب اتخاذها لتعزيز التعاون والتنسيق بين سلطات الأمن والاستخبارات في الدول المختلفة؟ وما الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها لمواجهة خطابات وأيديلوجيات الجماعات الإرهابية؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى