ترجماترياضة

صحيفة هندية: تواضع صلاح وروعته هزما “أقذر” أشكال العنصرية

لا تزال أمام اللاعب المصري تحديات ليسطر التاريخ مزيدًا من الصفحات باسمه

لم يكن فوز اللاعب المصري محمد صلاح، مهاجم “ليفربول” الإنجليزي، بجائزة أفضل لاعب بالدوري الإنجليزي لهذا العام مفاجأة غير متوقعة لمعظم متابعيه، بل المفاجأة الحقيقية كانت في نجاحه في كسر أكثر من صورة نمطية عن العرب والمسلمين والأفارقة، وتحديه طاقة هائلة من العنصرية تسود المجتمع الإنجليزي.

صحيفة “فيرست بوست” الهندية قدمت هذا التقرير التحليلي لما حققه “الملك المصري” وما ينتظره من إنجازات في تاريخ الكرة، وما حققه بجدارة من تغيير في طبيعة مجتمع لم يعرف التعايش كما عرفه على يديه.

إليكم نص التقرير.

“لا نريد مزيدًا من اللاعبين الأفارقة على الإطلاق. فأحيانًا يكون سلوكهم سيئًا ويحدثون صخبًا”. في يناير الماضي أقيل توني هنري، مدير التعاقدات بنادي “ويست هام” الإنجليزي، بسبب آرائه العنصرية هذه العبارة . وبينما يحتشد العالم تقديرًا لما أحدثه محمد صلاح من ضجة في ملاعب كرة القدم ضمن صفوف “ليفربول” الإنجليزي، كان هنري يشير إلى أن اللاعبين الذين ينامون غلى نفس قارة صلاح “غير مُرحب بهم” في نادي العاصمة.

سرعان ما أصاب إحراج عنيف “ويست هام”، الذي يضم لاعبين إفريقيين هما شيخو كوياتيه السنغالي وأرتور ماسوكو الفرنسي من أصل إفريقي، ونأى بنفسه عن هذا الجدل. لكن، حتى مع استمرار هذه التراجعات الأخلاقية، يستمر اللاعبون الأفارقة في كسر هذا الحاجز الزجاجي من العنصرية الإنجليزية.

قبل موسمين من الآن، كان الجزائري رياض محرز هو أول لاعب إفريقي يفوز بجائزة أفضل لاعب بالدوري الإنجليزي لذلك العام، وهي جائزة يختار الفائزين بها مجموعة من اللاعبين الإنجليز السابقين والمتميزين. ها هو محمد صلاح يلحق بابن قارته لاعب “ليستر سيتي”، بعدما عصف بالدوري الإنجليزي بإحرازه 31 هدفًا هذا الموسم.

هذه الجائزة العريقة جاءت صلاح في توقيت مفيد للدول العربية والكرة الإفريقية؛ فلأول مرة ستتواجد ثلاث دول من المنطقة العربية الإفريقية في كأس العالم لهذا العام، وهي مصر والمغرب وتونس، ويقود صلاح منتخبه المصري بينما يلمع نجمه داخل بلاده وحول العالم أكثر من أي وقت آخر.

صحيحٌ أن أهداف اللاعب المصري وأدائه جاءته بالجائزة التي يستحقها، لكن تواضعه وروعته جعلاه يفوز برضا الجمهور والنقاد على حدٍ سواء. في الواقع أصبح مهاجم “ليفربول”، الذي يسميه بعض معجبيه بحب شديد “الملك المصري”، موضوع أغنية تتحدى الانقسامات الدينية كما لم تتحداها أغنية من قبل، حيث تقول: “إذا كان أداؤه جيدًا لك/ فهو أيضًا جيد لي/ إذا أحرز قليلًا من الأهداف الإضافية/ فسوف أصبح أنا أيضًا مسلمًا/ إنه يجلس في المجلس/ هذا هو حيث أريد أن أكون”.

احتضن مشجعو “ليفربول”، الذين يهيمن عليهم اللون الأبيض والديانة المسيحية، الأصول الإسلامية التي يشتهر بها صلاح، وصار شائعًا أن نرى اللاعب المصري يسجد خلال المباريات، تمامًا كما يفعل رفيقيه بالنادي ساديو ماني وإمري تشان. وبينما يُتهم المجتمع الإنجليزي عادةً بالخوف الهوسي من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، فإن زملاء صلاح الموجودين بالنادي يحترمون عقيدته.

هذا يمثل تغيرًا شاسعًا في سلوكيات هذا المجتمع؛ فلم تمضِ سنوات كثر على اللاعب المصري أحمد حسام (ميدو) الذي لقبه مشجعون إنجليز بـ “مفجّر الأحذية” حين سافر للعب ضمن صفوف أندية بالدوري الإنجليزي. لكن محرز أولًا ثم صلاح غيرا إدراك الإنجليز للاعبين المسلمين، وحطموا صورة نمطية أخرى عن اللاعبين الأفارقة.

عادةً ما يُعرف لاعبو إفريقيا بأنهم أقوياء البنية ذوو جسد رياضي مثالي، وهو ما أثار شكلًا مختلفًا من التعصب مثلما أثارته أغنية ساخرة عن “قضيب” روميلو لوكاكو لاعب “مانشستر يونايتد” من عنصرية في أقذر صورها، وحتى في العنصرية الأقل وطأة لم ترتبط أسماء اللاعبين الأفارقة بالإبداع والدهاء والذكاء في اللعب.

هذه الحجة العنصرية ألقى بها الإنجليز في سلة المهملات الآن، حيث بُنيت الحملة الدعائية لـ “ليستر سيتي” الفائز بالدوري الإنجليزي المهارات المبهجة للاعب رياض محرز “الدقيق إلى حدٍ جمالي”، كما ارتقى صلاح إلى مكانة المقارنة بالأرجنتيني ليونيل ميسي في قوة القدم اليسرى التي يطلق كلٌ منهما لها العنان، والتي يبعث اللاعب المصري فرحة خاصة في الجماهير حين يراوغ بها. كم من مرة أربك فيها صلاح مدافعي الفرق الأخرى بالجري بعيدًا عنهم مقتصدًا في حركته!

واستمد “ليفربول” الإلهام من هذا الاعب “النافع” الماهر حقًا بما يفعل، وجعله رمزًا رئيسيًا في خطته التسويقية، وكثيرًا ما ركّز في هذا الموسم خلال حملته التوعوية مشهد صلاح بينما يسحر المشجعين في أنحاء مدرجات الملعب. تواضع صلاح يميّزه بشكل ملحوظ، فضلًا عن استعراضاته البطولية في اللعب.

كل ذلك ولا يزال صلاح في الخامسة والعشرين من عمره، ولا تزال أمامه حياة مهنية طويلة يمكن أن يؤسس خلالها أسطورة يتبعها لاعبو مصر وإفريقيا. نقول مجددًا أن صلاح بإمكانه أن يجد لنفسه مكانًا وسط العظماء الخالدين في كرة القدم، لم ينجح كثيرًا في ذلك خلال مهمته الأولى بنادي “تشيلي” الإنجليزي، لكنه وجد ما يبحث عنه في رحلته الثانية مع النادي الأحمر. صرّح صلاح في وقت سابق لموقع 4-4-2: “جئتُ هنا لأعرض على الجميع كرة القدم الخاصة بي”، وقد فعل بلا أدنى شك.

بالطبع لا يزال أمام اللاعب المصري المزيد مما عليه فعله قبل أن ينضم إلى نفس القاعدة الراسخة الخاصة بالأساطير الإفريقية الأخرى في الدوري الإنجليزي، مثل ديدييه دروجبا ومايكل إيسيان ويايا توريه؛ لكن اسمه سيشكّل علامة بارزة من بين 300 لاعب إفريقي تميزوا في الدوري منذ انتقال بيتر ندلوفو إلى “كوفنتري سيتي”. لا يهم كيف سينتهي مشوار صلاح مع “ليفربول”، فاستعراضاته الكروية ستظل قصصًا تُحكى لأمدٍ طويل.

لكن، في الوقت الحالي، لا تزال أمام صلاح بضعة أهداف صغيرة عليه تحقيقها. لا تكاد هذه الأهداف تكون شخصية، برغم اقترابه الشديد وحده من كسر الأرقام القياسية لمعظم الأهداف التي أحرِزت في موسم واحد بالدوري الإنجليزي، فحملة “ليفربول” لدوري أبطال أوروبا تقدم لصلاح فرصة الفوز بمزيد من صفحات يسجلها له كتاب التاريخ، في موسم لم يكف الفريق الأحمر عن تحدي التوقعات خلاله. تحقيق الفوز للنادي في نهائي دوري الأبطال، المُنتظر الشهر المقبل، يقرِّب صلاح من جائزة الفيفا لأفضل لاعب ذكر هذا العام.

وسيكون انتصار صلاح أكبر وأكبر إذا تألق في كأس العالم هذا الصيف. لكن، حتى إذا لم ينجح المنتخب المصري في إحداث طفرة بالصعود، فالمكاسب التي حققها “ليفربول” هذا الموسم تعني أن صلاح ورفاقه يمكنهم التطلع إلى مزيد من كؤوس البطولات في المستقبل. الرقم الذي سجّله صلاح لا يُصدق، لكن أحيانًا يشك المرء في أن صلاح يمكنه – بشكل فردي – الاستمرار بهذا المعدل حتى تحقيق أرقام أكبر. إذا تحقق هذا الاحتمال، فلن تكون جائزة أفضل لاعب بالدوري الإنجليزي هي آخر ما يحققه صلاح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى