سياسة

الجارديان: جرافيتي التحرير ..إزالة ما تبقى من الثورة؟

إزالة سور الجامعة الأمريكية تخلصاً من الماضي الذي رُسم عليه؟

الجارديان – Mia Jankowicz – إعداد وترجمة: محمد الصباغ

جداريات الجرافيتي التي انتشرت على حوائط القاهرة كانت رد فعل عفوي للثورة المصرية. لكن على الرغم من أهميتها الثقافية، يتم تدميرها في محاولة لتنظيف المدينة.. أم هي إزالة الماضي؟

جاء عمار أبو بكر إلى القاهرة من أجل الثورة، ثم ظل من أجل الجرافيتي. كان أستاذ الفنون الجميلة في منزله بالأقصر في الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث تابع مقاطع فيديو عبر موقع يوتيوب لمتظاهرين في ميدان التحرير. بعد ساعتين، كان على متن قطار متجه إلى القاهرة.

وقال أبوبكر: ”في تلك الأثناء، قمت بأشياء بسيطة كأي شخص –كنت أكتب رسائل بالإسبراي على الجدران. أحببت كيف كانت الجدران كالجرائد، كتب الناس أشياء مثل: لا تسيروا في هذا الشارع، هناك بلطجية.“

وفي نوفمبر 2011، كان أبوبكر من بين موجات المتظاهرين الذين تدفقوا إلى شارع محمد محمود، المتفرع من ميدان التحرير، وأسفرت الاشتباكات في هذا الشارع مع أجهزة الأمن عن مقتل 40 متظاهر مع بداية ديسمبر. ردّ أبو بكر برسم الجرافيتي في نفس الشارع، وصوّر المتظاهرين الذي فقدوا أعينهم. وكانت أول جرافيتي كبير ورُسم على سور الجامعة الأمريكية، وأصبح أيقونة في المدينة.

الجداريات كانت تطوراً بصرياً للثورة المصرية: ظهرت وجوه المشير طنطاوي ومبارك، ومواكب للشهداء والملائكة والجثث، محاربة فرعونية تطيح بأساطير الطغاة، وطفل يأكل من طعام الشوارع والدموع في عينيه.

أصبحت بعض شوارع القاهرة موطناً لفن الجرافيتي الثوري، فيما أصبحت أماكن أخرى مرادفاً للصراع الثوري. لكن ما جعل شارع محمد محمود فريداً من نوعه ع أنه جمع بين النوعين.

منذ أشهر قليلة، صنع عمال حفرة في جدار من الجدران، لترد مواقع التواصل بموجة من الغضب والتعليقات. وفي نوفمبر، أكدت الجامعة الأمريكية بالقاهرة أنها تخطط لهدم 40% على الأقل من السور من أجل هدم المبنى المهجور خلفه.

في الحقيقة، تشهد منطقة وسط البلد تغيراً عاماً. تعيد السلطات طلاء واجهات المباني ووضعت نصباً تذكارياً جديداً في ميدان التحرير. ولا تتماشى رسومات الجرافيتي الثورية مع خطة التجميل.

في عام 2013، أقر قانون يمنع التظاهر ما سمح بالقبض على المتظاهرين السلميين. وألقي القبض على كثيرين من فناني الجرافيتي، واضطر الفنان المعروف باسم ”جنزير“ على مغادرة البلاد بعد حملة تشويه. شهد ذلك العام اعتداءات متكررة على حرية الرأي والتعبير، مثل الحملات على المراكز الثقافية ودور النشر، ومؤخراً سجن الروائي أحمد ناجي.

في مثل هذا المناخ، تتناغم عملية ”تنظيف“ وسط البلد مع تدمير الجدران التي رُسم عليها الجرافيتي بشكل سيئ. كان جدار الجامعة الأمريكية على وجه الخصوص، تحفة معقدة غنائية وطموحة. على مدار 50 يوماً في بدايات 2012، نظم الفنان علاء عوض، لصناعة أشهر جدارية منهم: تصوير لمجموعة مناضلة من المصريين القدماء. وقال: ”قررت أن أترجم صوت الناس على الجدار.“

ساعد هؤلاء الفنانون في إضفاء الإنسانية على منطقة خلال أسوأ الاشتباكات كانت تمتلأ بقطع الزجاج والحجارة. صارت جدران المدينة كوثائق معقدة. لم يتم اعتبار أي عمل فني على الجدران كشئ دائم: عادة يقوم موظفو الحكومة بإزالته في الصباح. كتب أبو بكر رسالة على الجدار للعمال الذين يزيلون الجرافيتي: ”امسح كمان يانظام جبان.“ كما كانت له جولة مع من يقومون بدور المراقبين ويكتبون على جدارياته. عندما سيطر الإسلاميين على ميدان التحرير في فترة ما، كان قد كتب آيات قرآنية تنتقد السعي للسلطة والكبرياء والنفاق- مما أحرج الإسلاميين الذين اعتبروا النص موجه لهم.

وبالرغم من إدراك أن الجرافيتي بطبيعته نوع عابر من الفن، إلا أن هناك شعور كبير من أنصار وجوده على الجدران بأن الجامعة الأمريكية قد ربحت إرثاً ثقافياً ضخماً من الجدار، من خلال المؤتمرات والمطبوعات، دون أن رغبة حقيقية في حماية معناها الفني أو الثوري.

قالت الجامعة إن مبنى العلوم- خلف الجدار، والمواجه لميدان التحرير- مهمل، وأن خطط التطوير تلك ”في إطار خطة للحكومة المصرية بتطوير وترميم المنطقة المحيطة بميدان التحرير،“ وقد يتم تحويل المبنى إلى حديقة أو مركز ثقافي.

وفي مؤتمر ”المدن الابداعية“ أو ”Creative Cities“: وزع فنان الجرافيتي ”التنين“ ملصق الفعالية مكتوب عليه: ”كيف للإبداع أن يدمر جدران الجرافيتي الثوري؟“

وقال: ”تمتلك الجامعة الأمريكية الجدار. ولو قالوا إنه يجب تدميره، فهذا شأنهم. لكن عندما يستضيفون مؤتمر المدن الابداعية في نفس المكان الذي سيقومون فيه بتدمير الفن الثوري، احتجت أن أقول شيئاً.“

فيما قالت بهية شهاب، مديرقسم تصميم الجرافيك بالجامعة الأمريكية، وفنانة الجرافيتي: ”الجدار لا يقل عن كونه توثيق للثورة. لكن الكثير منّا فقط يسير في حياته ويفعل أشياء أخرى. الجرافيتي قصة مستمرة، لا أرى في ذلك نهاية لأي شئ. أعتقد أن ما حدث مجرد إجراء عملي.“ لا توجد خطط في قسم الفنون لتغيير القرار.

وقال العاملين بقسم المحفوظات بالجامعة إنهم وثقوا الأعمال الفنية على الجدران ووعدوا بمعرض في المستقبل دون تحديد موعد. فيما رد الناشط وائل إسكندر عبر فيسبوك بشأن الموضوع: ”لنقم بتصوير كل الرسومات بداخل المعابد المصرية ثم ندمرها ونقيم معرض.“

تثير تلك التصريحات سؤالاً عن شكل الثقافة الذي يمكن أن يعتبر تراثاً مصرياً حقيقيا. واعتبر كثيرون أن الجرافيتي لا يدخل بين تلك الأشكال- وان عملية إزالتها مسألة أيدولوجية. قالت المؤرخة الحديثة، لوسي ريزوفا، في مؤتمر مؤخراً: ”عملية التنظيف أو التطهير في وسط البلد من العناصر الغير مرغوب فيها ساعدت في إظهار محاولات النظام الجديد لفرض أسلوبه. تستهدف تلك الأفعال تركيبتين سكانيتين… المرتبطين بتلويث شوارع وسط القاهرة وهم بائعي الشوارع، والنشطاء الثوريين.“

أما عالمة الاجتماع بالجامعة الأمريكية، منى أباظة، التي تكتب بغزارة عن الجرافيتي، فقالت إنه يخدم الاهتمامات السياسية. وأضافت: ”تنظيف شوارع وسط البلد هو إضفاء شئ من النظام في أعقاب يناير 2011. جميعنا في حالة إنكار. ميدان التحرير انتهى، والجرافيتي جزء منه. مررنا بأربعة سنوات من الصدمة- القتل والنشوة- لكن البشر في حاجة إلى  الحياة الطبيعية. والحياة الطبيعية هي هذا النظام.“

فيما تقول الكاتبة ثريا مرايف: ”هذا السور هو الدليل الوحيد الباقي على حدوث الثورة. بالنسلة لذاكرتنا الوطنية وتاريخنا المعاصر، هم يدمرون شيئاً اعتقدنا أنه سيبقى كأيقونة ملموسة. لو ذهبت إلى ميدان التحرير الآن، ستجد وكأن لا شئ قد حدث.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى