ثقافة و فن

ليتا كابيلوت..  كيف تحوّلت طفلة شارع إلى فنانة تشكيلية بارزة   

James Badcock -BBC . Photographs – Eddy Wenting

ليتا كابيلوت هي واحدة من فناني أسبانيا اكثر نجاحًا،  لكنها معروفة بالكاد في بلدها الأم. الأكثر من ذلك، أن المرأة التي تُباع لوحاتها بمئات آلاف الدولارات الآن،  قضت سنواتها الأولى في الشارع.

ترجمة: فاطمة لطفي

تقول كابيلوت:”  كانت حياتي شبيهه بحياة الآلاف من أطفال الشوارع حول العالم”.

اعتادت أن تَجَوّل شوارع برشلونة مع غيرها مع أطفال الشارع الذين لا مأوى لهم، وأن تنام في الهواء الطلق.

“كنا نعتني ببعضنا البعض، نفعل ما يحلو لنا. نأخذ العملات المعدنية من النوافير، نلتمس القداحات من البحّارة ونسرق محافظ السائحين،  اعتدنا أن ندخل إلى المطاعم وندعي أن أبانا في دورة المياه بينما يقومون بخدمتنا، قبل أن ننقض على الطعام ونهرب بعدها سريعًا”.

ولدت كابيلوت عام 1961،  في قرية في أراغون في شمال شرق أسبانيا. عندما كانت طفلة انتقلت هي ووالدتها إلى برشلونة. كانت أمها تدير بيت للدعارة وكانت حينها
كابيلوت تعيش مع جدتها،  لكنها في الحقيقة قضت معظم أوقاتها في الشارع.

Frida

إذا نظرنا إلى الوراء ، تقول أن “الفن” بالتأكيد كان هناك لأنه دائمًا حولنا،  لكنها لم تفكّر فيه بجدية. كان كل ما يشغل بالها حينها هو النجاة والبقاء على قيد الحياة.

“كطفلة لم أكن لأميّز أبدًا الفن كشئ منفصل.  كنت أبيع لوحات النجوم التخيليّة في الشوارع،  هل هذا شكل من أشكال الفن؟ بالنسبة لي كان فقط وسيلة للبقاء على قيد الحياة”.

لم تذهب إلى المدرسة، ولم يخطر في بالها أبدًا أنها في يوم ما ستصبح واحدة من أكثر فناني أسبانيا نجاحًا.

كانت توقعاتي أن أكون راقصة، أن أطير، أن أركض. أن أكون أقوى من كل الأطفال حولي. توقعات الطفل تكون دائمًا متشابهه. أغنياء أو فقراء. أردنا أن نكون أبطال
خارقين.
يشير التقرير السنوي لـ “آرت برايس” لعامي 2014-2015  أن الفنان الأسباني الوحيد الذي لايزال على قيد الحياة ويبيع لوحاته أكثر من كابيلوت هو الفنان ميكيل
بارسيلو مايوركا

والآن تُباع لوحاتها بـ 100,000 دولار. والفنانين مثل هيو جاكمان و هالي بيري بالإضافة إلى الطاهي جوردن رامسي يقتنون لوحاتها.

COCO NUMERO 4

ما الذي غيّر مسار حياة كابيلوت بهذا الشكل الكبير؟

توفيت جدة كابيلوت عندما كانت في العاشرة من عمرها وانتهى بها الأمر في دار إيواء للأيتام في برشلونة قبل أن تتبناها عائلة كاتالونية جميلة في سن الثانية عشرة.

لن تفصح الكثير عنهم، غير أنهم هم من قدموها إلى الفن. أخذوها إلى متحف ديل برادو في مدريد، وعرّفوا الفتاة ذات الثالثة عشر عامًا إلى مجموعة اللوحات  السوداء لـ فرانسيسكو جويا  ولوحة “haunting Pilgrimage to San Isidro” والتي رسمهم بين عام 1820 إلى 1823. ” تقول كابيلوت:” تعرّفت في هذه اللوحات على تعبيرات عيون الناس الذين كنت أراهم في الشوارع عندما
كنت صغيرة”.
تصوّر اللوحة الجنون، الأمل، واللحظات المروعة التي يمكن أن يفقط فيها الإنسان الأمان. بالنسبة لي، عندما رأيتها للمرة الأولى شعرت بتورطي لكوني شاهدًا على  كل
هذا”.

Detail from Goya’s Pilgrimage to San Isidro

ذهبت كابيلوت لأول مرة في حياتها إلى المدرسة: ” كان الأمر صعبًا عليّ، من الصعب أن تبدأ تعلّم الكتابة والقراءة وأنت في سن 13، كما كان هناك صعوبة نفسية في تواجدك مع أطفال أصغر منك سنًا،  لكنني حصلت على دروس خاصة في المنزل، كان ضروريًا لأنه كان عليّ تعلّم كل شئ”.

بدأت  ببطء تحقيق تقدمًا في المدرسة. وقررت دراسة الفن في أكاديمية جيريت ريدفيلد للفنون في أمستردام.

“في ذلك الوقت كان صعبًا الإلتحاق بهذه الأكاديمية. كان لديهم سمعة جيدة في الثمانينيات وكانت جزء من طموحي الكبير. ومرة أخرى أردت أن أكون بطلة خارقة،
كان لدي شغف كبير بالفن وتفاني له،  يمكنك أن تطلق عليه ” هَذَيَان”، أو توق هائل”.

الأساتذة الثلاثة الذين أثروا فيها كثيرًا هم الفنان الأسباني فرانسيسكو جويا والنحات الإيطالي دوناتيلو، والمؤلف الموسيقي الألماني سيباستيان باخ.  بعد تخرجها بقيت في هولندا والآن لديها أستوديو خاص بها في لاهاي. لكن النجاح لا يأتي بسهولة.

” فعلت أشياءًا مثل إعطاء شخص لوحة حتى يدفع لي فاتورة الكهرباء ولوحة لمنزل للحصول على إئتمان لثلاثة أشهر من سوبر ماركت. عندما تكون في وقت تطورك كفنان، عليك أن تدافع بقوة عن هذا لأنك بحاجة إلى الوقت لإيجاد لغتك الخاصة. إذا أضعت هذا الوقت لن تستعيده مرة أخرى”.

وعند نقطة ما، بعد أن استطاعت إنشاء علاقة مربحة مع معرض حسن السمعة، قررت أن تبدأ من جديد ولم تبع شيئًا لمدة عامين.

Lita Cabellut in her studio

Hiroshima mon amour

” رسمت مجموعة لوحات صادمة عن دعارة الأطفال ورفضها المعرض. الناس لا يريدون هذا، ارسم لهم ملائكة أكثر، هؤلاء الملائكة يبيعون أفضل، أنا أيضًا رفضت هذا وخسرت المعرض”.

اليوم، كابيلوت معروفة برسمها بلوحاتها لشخصيات، والتي منها وجوه أشخاص مشهورة مثل كوكو شانيل وتشارلي شابلن، لكن أيضًا هناك وجوه مجهولة يعتبرها البعض قبيحة.

تقول:” لا أرى أحد دميم أو قبيح، أنا أرسم مختلف الناس، أرسمهم لتعثر على جمالهم الحقيقي خلف جلودهم. لدي نقطة ضعف تجاه المستضعفون. وأريد دائمًا البقاء في صفهم. ما يحفزني لرسم الأشخاص هو الإنسان فيهم.  أنت وأنا. نحن جميعًا”.

سامحت كابيلوت والدتها لهجرانها لها، وعندما تتحدث عن أعمالها الفنية تشير إلى طفولتها في الشارع دائمًا وتقول:” أشعر كأنني لازلت أبيع النجوم في الشوارع، لا يشتري الناس مجرد لوحات،  إنما السحر والمشاعر اللذان هما روح الفن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى