ترجماتسياسة

وثائق الـ”CIA”: أمريكا ساعدت “صدّام” على قصف إيران بالغازات السامة

وثائق الـ”CIA”: أمريكا ساعدت “صدّام” على قصف إيران بالغازات السامة

saddam262way_wide-4c665fecaa711233bab4142b62a46ff384bb562a-s900-c85

فورين بوليسي- شين هاريس- ماتيو إم آيد

ترجمة: محمد الصباغ

تبحث الحكومة الأمريكية التحرك عسكريا ردا على استخدام الأسلحة الكيماوية بالقرب من دمشق. لكن من عقود مضت، كان الجيش الأمريكي والمخابرات على علم بسلسلة هجمات بغازات الأعصاب بصورة أكبر بكثير مما يحدث في سوريا الآن، ولم يفعلوا شيئا لإيقافها.

خلال عام 1988، وفي أثناء الحرب العراقية الإيرانية المشتعلة، علمت الولايت المتحدة الأمريكية بواسطة صور الأقمار الصناعية أن إيران على وشك تحقيق انتصار استراتيجي بكشفها لثغرة في الدفاعات العراقية. حددت الاستخبارات الأمريكية موقع القوات الإيرانية وأرسلتها إلى العراق، وكانت على دراية كاملة بأن جيش صدام حسين سيستخدم الأسلحة الكيماوية في الهجوم، من بينها غاز السارين، أحد أنواع غازات الأعصاب الفتاكة.

شملت المعلومات الاستخباراتية صورا وخرائط للقوات الإيرانية وتحركاتها، بجانب مواقع المنشآت اللوجيستية وتفاصيل حول الدفاعات الجوية الإيرانية. استخدم العراقيون غاز الخردل والسارين من قبل في 4 هجمات رئيسية بداية عام 1988، واعتمدت فيها على صور وخرائط وصلت من الاستخبارات الأمريكية. ساعدت الهجمات في تحويل دفة المعركة لصالح العراق، وأجبرت إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات، وأصبح واضحا أن سياسة الإدارة الأمريكية بقيادة ريجان التي ترغب في نصر عراقي ستنجح.

داوم المسؤولون الأمريكيون على نفي تواطئهم مع العراق في شنها هجمات بأسلحة كيماوية، وأصروا على أن حكومة صدام حسين لم تعلن أبدا أنها ستستخدم هذه الأسلحة. لكن الكولونيل المتقاعد بالقوات الجوية، ريك فرنكونا، والذي عمل كملحق عسكري في بغداد خلال عام 1988 الذي شهد الضربات، رسم صورة مختلفة.

قال فرنكونا لفورين بوليسي: “لم يخبرنا العراقيون أبدا أنهم سيستخدمون غازات الأعصاب. لم يكن عليهم ذلك. لأننا كنا نعلم بالفعل.”

وفقا لوثائق تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية رفع عنها السرية ولقاءات مع مسؤولين استخباراتيين سابقين مثل فرانكونا، كان لدى الولايات المتحدة دليل واضح ببداية الهجمات العراقية الكيماوية منذ عام 1983. في ذلك التوقيت، زعمت إيران أن هجمات كيماوية غير مشروعة تشن ضد قواتها، وبدأت في رفع دعاوى بالوقائع أمام الأمم المتحدة. لكنها افتقدت إلى الأدلة التي تؤكد ضلوع العراق في ذلك.

على العكس تماما من الجدل الدائر حاليا حول ما إذا كان على الولايات المتحدة التدخل لإيقاف الهجمات الكيماوية المزعومة والتي تنفذها الحكومة السورية، اتجهت الحكومة الأمريكية منذ 3 عقود إلى الحسابات الباردة في ما يتعلق باستخدام صدام حسين الواسع لتلك الأسلحة ضد أعدائه وشعبه. قررت إدارة الرئيس ريجان أنه من الأفضل استمرار الهجمات ما دام أنها ستغير مسار الحرب. وحتى إذا تم اكتشافها، راهنت الاستخبارات الأمريكية آنذاك على قدرتها على إسكات الغضب الدولي والانتقادات.

قالت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) في الوثائق التي نشرت إن إيران قد لا تجد دليلا دامغا على استخدام الأسلحة، حتى مع امتلاك الوكالة هذه الأدلة.

أُبلغ مسؤولون كبار بالاستخبارات الأمريكية، من  بينهم مدير الاستخبارات المركزية ويليام كايسي، الصديق المقرب من الرئيس ريجان، بمواقع الأسلحة الكيماوية العراقية والتي حاولت العراق العمل على إبقاء كميات منها خاصة غاز الخردل في خدمة الخطوط الأمامية لقواتها. وعلم المسؤولون أن العراق كان على وشك شراء معدات من إيطاليا لتسريع إنتاج القذائف المدفعية والقنابل التي تحمل مواد كيميائية، وأن العراق قد تستخدم غاز الأعصاب ضد القوات الإيرانية وضد المدنيين أيضا.

كما تلقى المسؤولون تحذيرات أيضا من أن العراق قد تبدأ هجمات انتقامية ضد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، من بينها هجمات إرهابية، لو تأكدت من أن الولايات المتحدة متواطئة في الحملة ضدها في ما يتعلق بشأن الأسلحة الكيماوية.

وذكر تقرير السي آي إيه السري للغاية الذي يحمل تاريخ صدور في نوفمبر 1983: “مع استمرار الهجمات العراقية وارتفاع فرصها، ستحمل القوات الإيرانية فوارغ قذائف عراقية تحمل أثر الغازات المحرمة دوليا، وقد تذهب طهران بهذا الدليل إلى الأمم المتحدة وتتهم الولايات المتحدة بالتورط في خرق القانون الدولي.”

وقال “فرانكونا” لفورين بوليسي إنه في ذلك الوقت كان مكتب المبعوث العسكري الأمريكي يتابع التحضيرات العراقية للهجوم، وذلك بواسطة الأقمار الصناعية. ووفقا للمسؤول السابق، فقد أظهرت الصور تحركات المواد الكيماوية العراقية نحو أسلحة المدفعية المواجهة للمواقع الإيرانية المواجهة لكل موقع سيشن ضد الهجوم.

وجاء بتقرير لـ”سي آي إيه” أيضا: “لو أنتج العراقيون أو طلبوا إمدادات أخرى من غاز الخردل، ففي الغالب سيستخدمونه ضد القوات الإيرانية والقرى الحدودية القريبة. لكن ذلك كشف عن سياسة ريجان التي تسعى لضمان انتصار عراقي في الحرب، مهما كان الثمن.”

وفي مارس 1984، ذكرت الاستخبارات الأمريكية أن العراق “بدأ باستخدام غاز الأعصاب في المعركة بمدينة البصرة، ومن المحتمل أن تستخدمه في عمليات عسكرية أكبر وبكميات بارزة بنهاية الخريف.”

تحظر اتفاقية جينيف عام 1925 استخدام الأسلحة الكيماوية، لكن العراق لم يصدق أبدا على الاتفاقية في حين وقعت أمريكا عام 1975. ولم تمرر اتفاقية حظر إنتاج واستخدام الأسلحة الكيماوية إلا عام 1997، بعد سنوات من الوقائع التي نتحدث عنها.

شهدت الموجة الأولى من الهجمات العراقية عام 1983 استخدام غاز الخردل. وفي حين أنه بالأساس ليس مميتا، لكن يسبب تقرحات بالجلد والأغشية المخاطية قد تؤدي بدورها إلى عدوى تسبب العمى وأمراض بالجهاز التنفسي، وتزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان.

لم تكن الولايات المتحدة آنذاك قد بدأت بتزويد العراق بالمعلومات الاستخباراتية، عندما بدأ استخدام الغاز. لكنها لم تفعل شيئا عندما حاولت إيران البحث عن دليل يثبت استخدام العراق للأسلحة الكيماوية. ولم تبلغ أمريكا الأمم المتحدة أيضا. كما لم تقعل أي شيء رغم علمها باستخدام صدام حسين غاز الخردل ضد شعبه. ومع ذلك استمر المسؤولون في تزويد العراق بالمعلومات الاستخباراتية خلال الحرب. وقدمت وزارة الدفاع مقترحا ببرنامج استخباراتي مشترك مع العراق عام 1986، لكن ووفقا لفرانكونا، تم رفضه لأن المخابرات ووزارة الخارجية رأوا أن صدام حسين شخصية “بغيضة” أو “ملعونة” ومسؤوليه “عصابة”.

تغير الموقف عام 1987، حينما اكتشفت القوات الإيرانية ثغرة في الصفوف العراقية جنوب شرق مدينة البصرة. أوضحت صور الأقمار الصناعية وجود مساحة بين القوات العراقية المتمركزة شرق المدينة، وبين القوات التي تتمركز في الجنوب الغربي وحول شبه جزيرة الفاو التي تشهد صراعا كبيرا.

رصدت الأقمار الصناعية تحركات للمهندسين الإيرانيين وهم يتحركون بسرية للتمركز في المساحة الخالية بين الخطوط العراقية مما يعني أنها ستكون المنطقة الأساسية لتمركز القوة الرئيسية الإيرانية حينما توجه ضربتها في الربيع، وفقا لفرانكونا.

وفي رسالة تحذيرية من فرانكونا إلى واشنطن، أشار إلى أن الهجمات الإيرانية المقبلة في الربيع ستكون أكبر من كل الضربات السابقة، وستكون فرصة جيدة جدا لضرب الخطوط العراقية والاستيلاء على مدينة البصرة. كما حذر أيضا من أنه لو سقطت البصرة، سينهار الجيش العراقي وستفوز إيران بالحرب.

هنا قرأ ريجان الرسالة، وفقا لفرانكونا، وكتب ملحوظة واضحة: “الانتصار الإيراني غير مقبول.”

وبالفعل أرسلت البيانات التفصيلية بتحركات القوات الإيرانية إلى الجيش العراق، والمنشآت اللوجيستية مما سهل القصف العراقي لها. ثم تبع ذلك الهجمات بغاز السارين.

بحلول عام 1988، كانت المعلومات الاستخباراتية الأمريكية تتدفق على جيش صدام. وفي مارس من ذلك العام، بدأت العراق سلسلة هجمات باستخدام غاز الأعصاب على قرية حلبجة الكردية شمال العراق.

وبعد شهر، قصفت القوات العراقية جوا وبرا أماكن تمركز القوات الإيرانية في شبه جزيرة الفاو جنوب شرق البصرة، بقذائف محملة بغاز السارين، لتساعد القوات البرية العراقية في تحقيق انتصار هام واستعادة كل مناطق شبه الجزيرة. وبتلك الهزيمة لم تتمكن القوات الإيرانية من بدء معركة الاستيلاء على البصرة.

وحسب ما قاله فرانكونا، فقد كانت واشنطن في غاية السعادة بهذه النتيجة لأن الإيرانيين لم يحصلوا على أي فرصة لبدء هجومهم. وزار فرانكونا بنفسه شبه جزيرة الفاو بعد فترة قصيرة من استعادة القوات العراقية لها. ووجد ساحة المعركة مليئة بحقن الأتروبين، العقار الشائع استخدامه لعلاج آثار غاز السارين. حيث حمل بعض منها معه إلى بغداد، كدليل على أن العراقيين استخدموا السارين في معركة “الفاو”.

كانت آخر تلك الهجمات، معروفة باسم هجمات رمضان المبارك، بدأتها القوات العراقية في أبريل 1988 واستخدمت فيها أكبر كمية من غاز السارين. ولربع قرن، لم يحدث أي هجوم بالغازات الكيماوية قد اقترب من المعدل الذي استخدمه صدام حسين في اعتداءاته. لكن ربما تقترب منه هجمات الأسبوع الماضي في دمشق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى