إيكونوميست: قضاة مصر.. قسوة حماة الدولة
الإيكونوميست تتسائل عن نوايا المشير السيسي بخصوص أحكام القضاء “القاسية” على الإخوان المسلمين.
إيكونوميست – ترجمة – ملكة بدر
بالرغم من قسوة وحجم الأحكام القانونية غير المسبوقة في تاريخ القانون المصري الصادرة الآن على أشخاص يتم اتهامهم بموالاة الإخوان المسلمين والرئيس السابق مرسي، إلا أنه ليس من المتوقع أن ينتقص ذلك من فرص المشير عبد الفتاح السيسي. ربما لأن الحكم الأكثر قسوة، بإعدام 529 شخصًا في المنيا بتهمة قتل ضابط شرطة واحد، من المتوقع أن يتم تخفيفه، وربما لأنه كان تحذيرًا أكثر منه عقوبة نهائية.
يقول الخبراء القانونيون إن الحكم الذي صدر بعد يومين فقط وتشوب إجراءاته الكثير من المخالفات القانونية يسهل بالتأكيد الطعن عليه ومن ثم تخفيف الأحكام الصادرة على المتهمين، وهو نفس ما حدث في محاكمات مماثلة، كان آخرها قضية فتيات الأسكندرية في نوفمبر الماضي، إذ حكمت المحكمة في أول أحكامها عليهن بالسجن 11 عامًا والأشغال الشاقة بتهم عدة من بينها “إثارة الشغب”، ثم تم تخفيف الحكم بعدها وأطلق سراحهن.
ربما كانت النية من وراء أحكام القضاء مؤخرًا هي إظهار عزم الدولة وقوتها بعد أن جاهدت لمواجهة الاضطرابات التي أعقبت الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي في يوليو الماضي، وقد كان رئيسًا يفتقد إلى الشعبية بشكل كبير. وبدلا من ذلك، عمقت أحكام القضاء المصري الانقسامات الكبيرة داخل المجتمع، وجددت المظالم التي يشعر بها معظم مؤيدي مرسي من الإسلاميين وكراهيتهم للنظام الحالي في لحظة حرجة من تاريخ مصر. كل ذلك على ضوء استقالة المشير السيسي، وإعلانه ترشحه لسباق انتخابات الرئاسة.
وفي الشهور القليلة التي أعقبت الانقلاب، قتل ما يزيد على 300 رجل شرطة وجندي في هجمات إرهابية أو اشتباكات مع المحتجين، وألقى الإعلام المصري بالإجماع تقريبًا باللوم كله على الإخوان المسلمين، الجماعة التي أعلنتها الدولة جماعة إرهابية في ديسمبر الماضي. كل ذلك بالرغم من وجود أدلة على أن الجماعات الإسلامية المتطرفة هي التي استهدفت رجال الأمن، وبالرغم من قيام قوات الأمن بقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف من المدنيين، معظمهم من مؤيدي مرسي.
يقول ناثان براون، الخبير الأمريكي في النظام القانوني المصري، إن قضاة مصر يميلون إلى اعتبار أنفسهم حماة الدولة، وخلال الفترة القصيرة التي كان مرسي فيها حاكمًا لمصر، كانوا عادة ما يحتجون على ما رأوه أنه محاولات من الإخوان المسلمين لتحجيم القضاء واقتحام استقلاليته. وقد شعروا أن الدولة “تتعرض لهجوم شديد من قوى دخيلة غريبة”، ومن ثم يمكن النظر إلى حكم قاضي محكمة جنايات المنيا بأنه جزء من جهود القضاة لإعادة ترسيخ سيطرة الدولة وهيمنتها.
من ناحية أخرى، يظهر فوز السيسي في انتخابات الرئاسة باعتباره محتمًا بين قطاع كبير من الناس، فمن ناحية، قليلون هم المرشحون الذين يمتلكون الإرادة للوقوف أمام ضابط الجيش الذي يتمتع بالشعبية، ويحمل دعم الجيش القوي فضلا عن دعم دول الخليج الغنية، ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن يقاطع أعداء السيسي من الإسلاميين تلك الانتخابات.
هنا تظهر المعضلة أمام السيسي: هل سيستمر في حملة القمع القاسية على المعارضة أم سيطرح مبدأ المصالحة، وبالتالي تُلغى كافة أحكام القضاء القاسية التي صدرت ومنها حكم المنيا؟ لكن الإجابة على هذا السؤال، وحل هذه الإشكالية مازال رهنًا بما سيقوم به الجنرال السابق في المستقبل.