سياسة

لفيف الأوكرانية.. مركز حرب يتناساها العالم

ذا دايلي بيست: شرق أوكرانيا يميل للعقلية السوفيتية والغرب على النقيض وفي محاولة التوفيق بينهما تكمن الأزمة الأوكرانية

ذا دايلي بيست – آنا نيمتسوفا – ترجمة: محمد الصباغ

لا تظهر الأسماء على الصلبان بشكل جيد بسبب كثرة الورود الموضوعة. وفي الصباح جاءت سيدة وفتاة شابة ووضعتا باقات أكثر أمام المقابر التي حفرت حديثاً للجنود الذين قتلوا في الخطوط الأمامية للجبهة بمنطقة دونباس شرق هذه  مدينة لفيف.

مدينة لفيف هي إحدى المدن القديمة على الحدود الغربية لأوكرانيا، تهتم جداً بأبنائها من الموتى، وتدفنهم في مقابر لايشتاكوفسكي (Lychakovsky) وهي من الأقدم في أوروبا. هنا وسط الآثار الرائعة، دفن ثوار الميدان والجنود وأشهر الشخصيات في تاريخ المدينة، مع ضحايا وأبطال الصراعات والأزمات في القرون الماضية.

مقابر لايشتاكوفسكي

تحوم حول “لفيف” ذكريات إرهاب النازيين والسوفييت بجانب ويلات الحروب الحالية، فيما يقرر مصيرها حاليا رجل طويل القامة عمره 46 عاماً وهو أندريه سادوفي.

حمل عمدة المدينة ،سادوفي، لتسع سنوات مسؤولية إصلاحات ديمقراطية لتحويل المدينة إلى نموذج لباقي أوكرانيا. عمل على جعل لفيف مدينة مفتوحة على العالم. ويقول: ”نحن شوكة في حلق المجموعة الحاكمة للبلاد”.

وفي الجانب الآخر من الدولة تصاعدت الصراعات مرة أخرى. ويعلن الجيش الأوكراني ومعه المليشيات المدعومة من روسيا عن ضحاياهم تقريباً كل صباح. لكن هنا في الغرب بمدينة لفيف، يبدو أن الصراع لا يؤثر على الحياة اليومية: فالروسيون والأوكرانيون مستمرون في السفر بالطائرات والقطارات بين موسكو ولفيف. وفي المساء تملأ الحشود من السكان والسياح ساحة المدينة المركزية لرؤية الكاتدرائيات التي تعود إلى العصور الوسطى والتماثيل الرائعة، أو حتى لاحتساء شراب الشوكولاته الساخن التي تشتهر به المدينة.

قال الرئيس الأوكراني بيترو بروشينكو في يوم الاستقلال الوطني، الأثنين، إن حرب دونباس أسفرت عن مقتل حوالي 2100 أوكراني. وهنا في لفيف ارتدى الكثيرون الأثواب المطرزة احتفالاً بيوم الاستقلال، وغنوا أغنية حزينة وذرفوا الدموع تخليداً للضحايا.

احتفالات اليوم الوطني بمدينة لفيف

ويقول العمدة ،سادوفي: ”أرسلنا رجالنا إلى الصفوف الأمامية. فقدنا العشرات. واستقبلنا حوالي 11 ألفاً ممن تم ترحيلهم. وكل شركة كبرى في لفيف ساهمت بملايين الدولارات من أجل الجيش“، وأضاف: ”الحرب مؤلمة جداً، أصعب اختبار تمر به“ لكن المجتمع هنا في لفيف مر بمثل تلك التجربة عبر قرون.

تمتلك المدينة تاريخا طويلا من المعاناة، ومازال الناس يجدون بقايا لروس قتلهم القوميون الأوكران أو بقايا لجنود ألمان نازيين، وأيضاً أوكرانيين قتلتهم الشرطة السرية الروسية. ويؤكد عمدة لفيف: ”رجل من بين كل ثلاثة وامرأة من كل أربع نساء قتلوا بسبب العنف خلال القرن الماضي“.  وتستمر الخسائر المؤلمة والأعمال الوحشية في صنع الأزمات للمدينة.

في نهاية يوليو، خرج حشد من عشرات الأشخاص وهتفوا حول ”الأخوة اليهود“ الذين يديرون أوكرانيا. ويقول العمدة: ”جارتنا الغربية رتبت لهذا الحدث في الإعلام الروسي، مع ذلك معدل معاداة السامية في لفيف منخفض جداً“.

خلال المائة عام الماضية، كان يهود مدينة لفيف من بين الأكثر حيوية في أوروبا، وصل عددهم حوالي 5 آلاف شخص ويعانون الآن في إعادة بناء معابدهم المدمرة.

ويروي سادوفي عن تجريته الشخصية حيث برهن على وجود فرصة حقيقية للسياسيين للتخلص من الإرث السوفييتي في البلاد. فارتدى زي “الفيشيفانكا” (vyshivanka) المطرز الشهير، واتجه إلى ميدان السوق في مركز المدينة. يستطيع أي شخص التوقف للحديث مع عمدة لفيف بداية من المسؤول الرسمي في الجيش الأمريكي إلى أحد قادة المجتمع المدني البولندي أو حتى أحد الصحفيين. ويعد سادوفي وإدارته المهذبة والشابة أكثر السياسيين الذين يمكن الوصول إليهم في أوكرانيا هذه الأيام. لكنهم لا يديرون البلاد.

بينما تشتعل الحرب شرق أوكرانيا، تستمر العاصمة كييف في الحديث عن اللامركزية. وتستمر المدن في المطالبة باستقلالية ومسؤولية أكبر.

ويضيف عمدة لفيف عن طبيعة مراكز القوى في أوكرانيا بأنه ”في التسعينيات، احتكرت بعض العائلات الأعمال والأحزاب السياسية والإعلام، وتكتلهم الحالي لديه نفوذ كبير يؤثر على البلاد حاليا“  لكن في لفيف الأمر مختلف مع ظهور مهنيين محترفين وشباب وموهوبين جدد.

وعند سؤاله عما إذا كان يعتقد أن القيادة الأوكرانية الحالية جادة حول إصلاح الدولة، قال: ”الرئيس بيترو بروشينكو ردد عبارة لي كوان يو الشهيرة (لو أردت محاربة الفساد، ضع ثلاثة من أصدقائك في السجن). قال ذلك لكنه لم يفعل. لم يتغير النظام وتلك أزمة كبيرة في أوكرانيا“.

الرئيس الأوكراني: بيترو بروشينكو

انتقد نواب البرلمان التابعين لحزب سادوفي الرئيس ورئيس الوزراء بسبب تعيين المقربين في المناصب القيادية في شركات مملوكة للدولة تقدر قيمتها مليارات الدولارات من أجل الإشراف على الفساد والإختلاسات في نفس الوقت الذي تتوقع فيه منظمات المجتمع المدني المؤيدة للثورة أنه جاء لينهي تلك الممارسات“.

في حين يذكر منتقدو سادوفي عثراته: فقد قام العمدة برفع إصبعه الأوسط لمعارضيه في أحد المناسبات، وجعل المدينة مليئة بالمطاعم الغالية في حين أن معدل الدخل الشهري حوالي 200 دولار.

ويقول عليم علييف، قائد جالية التتار: ”فقط سادوفي هو من يستطيع خلق مركز ثقافي يخدم 2000 من التتار الهاربين من القرم، أو 11 ألفا أغلبهم من الروس النازحين داخلياً من دونباس. يعارض القوميون الأوكرانيون هذا الأمر لكنه يدعمه“.

بعض من النازحين إلى مدينة لفيف

يعقد سادوفي آمال كبيرة على عشرات من شركات تكنولوجيا المعلومات التي تفتتح في المدينة. فشركة (CTP) الهولندية تخطط للاستثمار بمبلغ 50 مليون دولار لعمل منطقة صناعية لتلك الشركات في لفيف. لكن نجاح تلك المشروعات يحتاج أن تصل لفيف وأوكرانيا إلى الاستقرار والسلام.

يقول سادوفي: ”نريد السلام. أوروبا تريد أن ترى أوكرانيا قوية وفي سلام، لكن جارتنا روسيا لا تريد لأوكرانيا القوة“.

وعند سؤالي عما إذا كان الناس في غرب أوكرانيا مختلفين عن الآخرين في الشرق، تحدث عمدة لفيف عن العقليات المتميزة، وهي بالضبط النقطة التي تشعر الكثير من الأشخاص في منطقة دونباس بالغضب. ويضيف عمدة لفيف: ”حكمت روسيا الشرق لمدة 300 عاماً، وهنا في الغرب كنا تحت سيطرة 6 دول مختلفة، هنا يستطيع الناس إدارة عمل متوسط أو صغير، بينما في المدن الشرقية تربوا في ثكنات حول المصانع“.

ويعتبر التوفيق بين تلك الثقافات المختلفة هي مشكلة أوكرانيا التي لم يصرح بها تماماً عمدة لفيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى