سياسة

بوليتيكو: عزيزتي أمريكا.. أنتِ “عربية” الآن

نسمع عن “أيادٍ أجنبية” و”أجندات سرية” في دولة كأمريكا.. ونتعاطف معكم

Politico- Karl Sharo

عزيزتي أمريكا..

تابعنا الدراما المصاحبة لانتخاباتك الرئاسية بكثير من الاهتمام والفضول،  من الصعب أن لا نلاحظ أوجه التشابه الكثيرة بين بلادنا وبلدكم. من مظاهرات التنصيب الحماسية والنزاعات المريرة حول حجم الحشود، إلى توغل المخابرات في السياسة وصعود متطرفي اليمين، يبدو أنكم تقتربون كثيرًا جدًا نحو اتجاهنا، وفي نفس الوقت، مثلنا، أصبحتم ممن يثيرون  فضول الصحفيين الأجانب فيحاولون تفسير ما يحدث في منطقتكم إلى العالم. ربما أنتم مضطربون مما أنتم متجهون إليه، لكننا لسنا كذلك! ربما ستكون تلك فرصة لوضع اختلافاتنا جانبا والتعرف على حجم تشابهنا.

لنبدأ من السطر الأول. خلال الحملة الانتخابية كنا متفاجئين من نفوذ رئيس المخابرات الأمريكية الذي مارسه على العملية الانتخابية، ببساطة عبر اختياره البدء في تحقيق بعينه. وكما تعلمون، كانت هذه سمة مميزة لسياساتنا منذ الاستقلال. تحولت مفاجأتنا إلى دهشة عندما تابعنا العداء المتصاعد بين الرئيس المنتخب لاحقا والمخابرات الأمريكية، وهي صفة أخرى تتسم بها السياسات العربية.

على رأس ذلك، بدأنا في سماع تقارير بتدخل أجنبي في انتخاباتكم، والتي قال البعض إنها أثرت على النتيجة. بالطبع، نحن على دراية تامة بهذا الموقف، والسبب في ذلك ليس فقط جهود حكوماتكم في ذلك عبر السنوات. مثّل الأمر لنا مفاجأة، حيث نسمع عن “أيادٍ أجنبية” و”أجندات سرية” في دولة كأمريكا. نحن نتعاطف معكم.

على الجانب المشرق، كانت هذه أيضًا اللحظة التي بدأت فيها نظريات المؤامرة في الانتشار. تعرفوننا، نحن مغرمون بنظريات المؤامرة -خصوصا عندما تشتمل على قوى خارجية- ونعتبر أنفسنا خبراء في هذا النوع. مخططاتكم بدائية قليلًا، وعلينا الاعتراف، لكن تستحقون درجات مرتفعة على الإبداع. هل كان انتخاب ترامب مؤامرة روسية؟ هل سربت المخابرات معلومات لمساعدة ترامب؟ هل سربت المخابرات معلومات لضرب ترامب؟ هل كانت تغطية وسائل الإعلام لمؤامرة ترامب المخابراتية جزءا من مؤامرة ليبرالية لإسقاطه؟ جميعهم معقدون ومنفتحون ومثيرون، أكثر من نظرياتنا.

بدأت الأمور تصبح مسلية أكثر عندما بدأ ليبراليوكم في التظاهر حول مبنى المخابرات البطولي في محاولة لمواجهة خطر المتطرفين في السلطة والتدخل الخارجي من روسيا. ستتذكرون أنه كانت لدينا تجارب مماثلة في السنوات الأخيرة في مصر، وتونس وسوريا، وأصبنا بالإحباط حينما لم يتفهم العالم موقفنا.

ومؤخرًا، بدأنا حتى في سماع أحاديث عن الدولة الأمريكية “العميقة”. هذا أيضًا شيء منتشر في بلادنا، ويُصعّد بعض التوقعات المثيرة. هل تحاول الدولة العميقة أن تقوض الرئيس الجديد؟ هل يحاول القضاء منع برنامجه السياسي؟ إلى أي جانب سيقف الجيش؟ هل بدأ المراسلون الأجانب في الحديث عن “الأجهزة السرية في الدولة الأمريكية”؟ كيف ستستخدم هوليوود، الذراع الترفيهية للدولة العميقة، قوتها في معارضة الرئيس؟ أصابنا الدوار بعد هذه الإثارة.

وبالحديث عن الجيش، في الوقت الذي نشعر فيه بإحباط بسبب عدم امتلاك الرئيس خلفية عسكرية، لكنه بدأ سريعا في علاج ذلك بتعيينه عددا من الجنرالات في مواقع مرموقة في حكومته. نأمل في حضورهم لاجتماعات مجلس الوزراء بملابسهم العسكرية، فهناك شيء ما يبعث على الطمأنينة حينما يكون قائد الدولة محاطا بأزياء عسكرية، انظروا إلى صدام حسين.

من الواضح جدا أن ترامب مولع بالعروض العسكرية. هو شخص يدرك جيدا كيف يفكر القادة العظماء. (يمكننا أن نرشح خياط ماهر ليحيك زيًا عسكريًا أنيقًا له). وشكرا للرئيس الجديد، يمكننا الآن استخدام مصطلح “النظام الأمريكي”، لقد حازت بلدكم هذا الشرف.

وبالطبع من الجوانب الحاسمة في هذا التحول هو موقف الرئيس وازدراؤه للإعلام. بداية من إلقاء المسؤولية على الإعلام في المشاركة بالمؤامرات السرية التي تسعى لتقويضه إلى تهديدهم بمنعهم من دخول بيته الأبيض إلى رفض تلقي الأسئلة من صحفيين محددين، يذكرنا الرئيس ترامب بالعديد من قاداتنا. في الواقع، قائد عربي يشتكي بسبب “سي إن إن” هو أمر شبه ثابت في حياتنا السياسية.

نحن ننتظر رؤية كيف سيتعامل الرئيس ترامب مع تدخلات الصحافة المزعجة. إلى الآن، يذكرنا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ربما هو أكثر من أي قائد آخر استطاع قيادة حركة وضع الصحافة في مركزها. هل سيستمر في اتباع مثال أردوغان في تخفيف حرية الصحافة تدريجيًا أم سيختار النهج العربي ويستبدل وسائل الإعلام بالكامل بوسيلتين أو واحدة من أجهزة الدولة؟

اللحظة التي شعرنا فيها بتعاطف حقيقي مع الشعب الأمريكي، كان عندما بدأنا الاستماع إلى مراسلي “بي بي سي” يتحدثون إلى مواطنيكم بلهجة متعالية عادة ما توجه للشرق الأوسط. أرسل الصحفيون إلى أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية للحديث مع الفلاحين وعمال المصانع في محاولة لفهم كيفية شعورهم ومواجهتهم بأسئلة متعالية. أنا من هيئة الإذاعة البريطانية، هل تعرف إذاعة بي بي سي؟ من أي مصدر تتلقى أخبارك؟ هل تشعر بالغضب؟ هل لعب الدين دور في عملية تصويتك؟

كان هناك حديث أيضًا عن مناطق حضرية وأخرى ريفية. انقسام اجتماعي وجغرافي عميق أصوله تعود إلى زمن مضى. لا توجد انقسامات قبلية، لكن هناك أكثر من الطائفية السياسية والدينية تذكي اهتمامنا. من هم الليبراليون والمحافظون وكيف بدأ الخلاف بينهما؟ ما الفارق بين اليمين البديل وحزب الشاي؟ ما هو أصل الشقاق بين المحافظين الجدد والقدامى؟ رؤية الصحفيين الأجانب يحاولون شرح الاختلافات كان لافتا للانتباه.

ثم هناك الاضطرابات. في الفترة التي سبقت التنصيب، علمنا بمظاهرات شبابية ضد النظام الجديد. هذا سطو على الحقوق الأدبية. من فضلكم دونوا مخططاتكم وتوقفوا عن الاستعارة منا. لكننا عادة ما ننتظر وصول قادتنا إلى السلطة ثم نبدأ بالتظاهر، نحب نهجكم الاستباقي في الثورة.

وحفل التنصيب، يا له من عرض مذهل: مظاهرات، اشتباكات، قنابل مسيلة للدموع، هناك كل المكونات المطلوبة لثورة عربية. رأينا صورا لنوافذ مكسورة ببنك أمريكا، وسيارة ليموزين تحترق. نتطلع إلى الكثير من هذه اللحظات التي تلتقطها الكاميرات وتحول إلى مقالات مصورة بالصحافة الأجنبية.

لو أردتم نجاح هذه التظاهرات، عليكم بخطوات ضرورية: استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي وتحدثوا عن أهمية موقعي تويتر وفيسبوك في نشر حركة التظاهر. كونوا واثقين من نشر فكرة أن الحركة بلا قائد وطبيعية. وأكدوا على أنكم لا تنتمون إلى أي أحزاب سياسية أو لديكم أيديولوجيات. اصنعوا شعارات جذابة. وفوق كل ذلك، كونوا متأكدين من إظهار أنفسكم كمعتدلين. الصحفيون والمحللون يحبون سماع مثل هذه الأشياء، كما اكتشفنا خلال تظاهراتنا.

وكونوا حذرين من تلقي مساعدات من دول أجنبية. سمعنا أن كندا والمكسيك ربما تحاولان التدخل في سياستكم الداخلية. وبالفعل قام الروس بهذا الأمر، وهذه أمر واعد ليتحول إلى مواجهة دولية.

وهناك تحذير قبل الخوض في هذا المسار. جربنا الثورة بأنفسنا، ولم تؤت ثمارها جيدا. ربما عليكم التكيف على العيش مع النظام الجديد. طالما  أخبرونا أن وجود الرجل القوي في السلطة هو الحل الأمثل لدولنا العربية، ودون ذلك ستعم الفوضى. ربما الشعب الأمريكي غير مستعد للديمقراطية الآن. لنواجه الأمر، أمريكا، تبدين كدولة عربية الآن.

المخلص،

العالم العربي.

تنبيه. سمحنا لأنفسنا بإعادة تصميم علمكم، هل تحبون ذلك؟ وأيضا، مرفق استمارة من الجامعة العربية، فكروا في الانضمام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى