أنصار ترامب البائسون
أنصار ترامب البائسون
إيان بوروما
نيويورك- لقد وصفت هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا أنصار خصمها دونالد ترامب بأنهم عبارة عن مجموعة من البائسين، ولم تكن هذه العبارة التي استخدمتها كلينتون لوصف أنصار ترامب بالعبارة المهذبة أو اللبقة، علما بأنها اعتذرت لاحقا عنها ولكن في واقع الأمر كانت محقة في ذلك الوصف، فترامب اجتذب العديد من الأنصار الذين لديهم آراء بائسة مثل تلك المتعلقة بالعرق.
إن المشكلة هي أن العديد من هؤلاء الناخبين البائسين هم غير متعلمين نسبيا مما يجعل تعليق كلينتون الوارد ذكره يبدو متعاليا ومع الأسف فإن هناك الكثير من غير المتعلمين نسبيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
تحتل الولايات المتحدة الأمريكية ترتيبا منخفضا بين الدول المتقدمة في ما يتعلق بمعرفة القراءة والكتابة والمعلومات العامة والعلوم، فاليابانيون والكوريون الجنوبيون والهولنديون والروس يحققون درجات أفضل باستمرار وهذا يعود جزئيا على أقل تقدير لترك التعليم بشكل يزيد عن الحد لقوى السوق، فأولئك الذين لديهم المال يحصول على تعليم جيد والذين لا تتوفر لهم الموارد الكافية لا يحصلون على تعليم كافٍ.
وحتى الآن يبدو أن كلينتون تتمتّع بدعم الناخبين الحاصلين على تعليم أفضل في المدن، بينما يجتذب ترامب بشكل عام الرجال البيض الأقل تعليما، والكثير منهم كانوا ليكونون ضمن أجيال سابقة من عمال مناجم الفحم أو عمال الصناعات الذين يصوتون للحزب الديمقراطي. هل هذا يعني أن هناك علاقة بين التعليم -أو نقص التعليم- وبين دعم الناس لقائد شعبوي خطير؟
إن من الأشياء المثيرة للاهتمام بالنسبة إلى ترامب هو مدى جهله على الرغم من تحصيله العلمي الرفيع ومدى استفادته من التبجح بذلك الجهل، وربما من الأسهل على الجهلة الثرثارين إقناع أعداد كبيرة من الناس الذين لديهم نفس معرفتهم القليلة بالعالم.
لكن هذا الطرح يفترض أن الحقيقة الواقعية مهمة في خطاب الشخص الشعبوي الذي يهدف لتهييج مشاعر الجماهير، علما بأن العديد من أنصاره لا يبدو أنهم يهتمون بالجدل المنطقي فذلك للنخبويين الليبراليين المتعاليين، فالمشاعر أهم لأن المشاعر الأساسية التي يتلاعب بها الشعبويون في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها هي مشاعر الخوف والاستياء وفقدان الثقة.
لقد حصل ذلك في ألمانيا عندما تولى هتلر مهام السلطة ولكن معظم الدعم للحزب النازي في أيامه الأولى لم يأتِ من الأقل تعليما، فألمانيا كانت أكثر تعليما من الدول الأخرى بالمعدل، وكان من بين النازيين الأكثر حماسة المعلمون والمهندسون والأطباء بالإضافة إلى رجال الأعمال الصغار من الريف والعمال من ذوي الياقات البيضاء والمزارعون.
لقد كان عمال المصانع في المدن والمحافظون من الكاثوليك بشكل عام أقل حماسة لمداهنة هتلر مقارنة بالعديد من البروتستانت المتعلمين مما يعني أن المقاييس التعليمية المنخفضة لا تفسر صعود هتلر.
لقد ازدادت مشاعر الخوف والاستياء وفقدان الثقة بشكل كبير في ألمانيا في حقبة جمهورية فايمار بعد الإذلال الذي تعرضت له ألمانيا بعد هزيمة الحرب العالمية الأولى والكساد الاقتصادي المدمر، ولكن التحيز والتحامل العرقي من قبل النازييين لا يشبه التحامل والتحيز السائد عند أنصار ترامب اليوم. لقد كان ينظر لليهود على أنهم قوة شريرة تهيمن على المهن النخبوية: المصرفيون وأستاذة الجامعات بالإضافة إلى الإعلام والتسلية ولقد كان ينظر إليهم على أنهم مخادعون يطعنون ألمانيا من الخلف ويمنعونها من أن تصبح عظيمة مجددا.
إن داعمي ترامب يظهرون عداءً مماثلا ضد رموز النخبة مثل المصرفيين من وال سترتيت ووسائل الإعلام الرئيسية والعالمين ببواطن الأمور في واشنطن، ولكنّ عداءهم للغرباء موجه ضد المهاجرين المكسيكيين الفقراء والسود واللاجئين من الشرق الأوسط والذين ينظر إليهم على أنهم أناس مستغلون يحرمون الأمريكيين الشرفاء (أي البيض) من تبوأ مكانتهم المشروعة في السلم الاجتماعي. إن هذه المسألة تتعلق بأناس محرومين نسبيا في عصر العولمة الذي يتميز بتعدد الثقافات بشكل متزايد وهؤلاء الناس يشعرون بالاستياء من أولئك الذين يعانون من حرمان أكبر من الحرمان الذي تعاني منه تلك الفئة.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم وكما كان عليه الحال في ألمانيا إبان حقبة جمهورية فايمار فإن الغاضبين والخائفين لا يثقون بالمؤسسات السياسية والاقتصادية السائدة، ولدرجة أنهم مستعدون لاتباع قائد يعدهم بأقصى درجات الاضطراب والتشويش، إذ يأمل هؤلاء أنه بالقضاء على الفساد فإن العظمة ستعود، علما بأنه في ألمانيا هتلر كان هذا الأمل موجودا عند جميع الطبقات، سواء كانت من النخبة أو عامة الناس ولكن في أمريكا ترامب فإن هذا الطرح يسود فقط بين العامة.
في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يبدو العالم أقل رعبا للناخبين الأكثر ثراءً والأفضل تعليما والذين يستفيدون من الحدود المفتوحة والعمالة المهاجرة الرخيصة وتقنية المعلومات والخليط الغني من التأثيرات الثقافية، كما أن المهاجرين والأقليات العرقية الذين يسعون لتحسين ظروفهم ليس لديهم مصلحة في الانضمام لثورة شعبوية موجهة بالأساس ضدهم ولهذا السبب سوف يصوتون لمصلحة كلينتون.
وهكذا يتوجّب على ترامب الاعتماد على الأمريكان البيض الساخطين الذين يشعرون أنه قد تم التخلي عنهم. إن حقيقة أن هناك عددا كافا من الناس يشعرون بتلك الطريقة ولدرجة استدامة مرشح رئاسي غير مناسب هي بمثابة إدانة للمجتمع الأمريكي، وهذا يتعلق بالتعليم، وذلك ليس لأن الناس المتعلمين محصنون من الشعبوية، بل لأن النظام التعليمي السيئ يجعل الكثير من الناس في وضع أسوأ.
في الماضي كان هناك عدد كاف من الوظائف الصناعية للناخبين الأقل تعليما من أجل أن يعيشوا حياة كريمة، واليوم هذه الوظائف تختفي في المجتمعات ما بعد المرحلة الصناعية، وكثير من الناس يشعرون أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، وهذا الكلام صحيح في العديد من البلدان، ولكن الموضوع يصبح أكثر أهمية في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك نظرا لأن وضع شعبوي متعصب في موقع المسؤولية سوف يتسبب في إلحاق ضرر كبير ليس فقط بتلك البلاد ولكن أيضا بجميع البلدان التي تحاول التمسك بحرياتها في عالم محفوف بالمخاطر بشكل متزايد.
إيان بوروما هو أستاذ في الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة في كلية بارد ومؤلف كتاب السنة صفر: تاريخ سنة 1945.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكت، 2016. ينشر بالاتفاق مع زحمة دوت كوم.
www.project-syndicate.org