سياسة

واشنطن بوست: لماذا تصّعد السعودية الآن؟

واشنطن بوست: لماذا تصّعد السعودية الآن؟

واشنطن بوست – مارك لينتش – ترجمة: محمد الصباغ

تسبب إعدام الداعية الشيعي والناشط السياسي، نمر النمر، في تصعيد العداء الطائفي في الشرق الأوسط إلى مستويات خطيرة. ومع اقتحام السفارة السعودية في إيران، قررت الرياض قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران وطردت دبلوماسييها. التوترات في تصاعد، مع الخطابات المرعبة من كلا الجانبين.

هناك حرب بالوكالة بالفعل بين الدولتين بدرجات مختلفة على مدى سنوات في المنطقة من أجل القيادة. قد يعرقل الأمر عملية السلام السورية، بل وربما يتم ضخ المزيد من الأسلحة في الأزمة المدمرة، لكن يؤمن القليل باحتمال حدوث العملية على أية حال.

من المرجح أن تستمر الحرب في اليمن بنفس درجة التدمير مع عدم تأثير اتفاقيات وقف إطلاق النار الحالية أو المستقبلية على القتال على الأرض إلا قليلاً.  بينما ستصبح المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية أكثر تعقيداً، لكن الدول الخليجية حولوا منذ وقت طويل معظم عملياتهم العسكرية إلى اليمن. أما الولايات المتحدة فلم تكن في وضع أكثر احتمالية للابتعاد عن اتفاقها النووي مع إيران الذي تم بشق الأنفس.

أثرت تداعيات ما بعد إعدام النمر بقوة على سياسات المنطقة. ويبدو أن هناك تساؤلاً عما إذا كان ذلك تصعيداً مقصوداً من السعودية والتي لم تندهش بردود الأفعال الدولية. النتيجة الأكثر إثارة للتعجب بعد الإعدام هي تدمير الخطوط الحمراء التي كانت موضوعة أمام الحكام السعوديون عند تعاملهم مع المعارضة الشيعية لعقود. وكما وصف توبي ماتايسين بالتفصيل، كان يتم التضييق بشكل روتيني على النشطاء الشيعة كالنمر، أو سجنهم ومواجهتهم بضغوطات قانونية وغير قانونية لكن في النهاية تفرض السياسة التوافق والوصول إلى حل. فلم يتم إعدام أي داعية شيعي بتلك المكانة من قبل.

لماذا التصعيد الآن؟ لا تفسر الطائفية وحدها الكثير. القليل قد تغير منذ شتاء 2013، عندما حللت الطائفية المتصاعدة من منطلق استخدام بعض الأنظمة سياسة تعتمد على استخدام ورقة الهوية من أجل تقوية موقفها واهتماماتها الداخلية والخارجية.  والصراع الذي بدأ منذ قديم الأزل بين السنة والشيعة يفسر القليل حول الصعود والهبوط في السياسات الإقليمية.   الأمر ليس عودة لظهور صراع بدأ منذ 1400 عام. الطائفية اليوم قوية، لكن يعود ذلك إلى السياسة. النتائج المستمرة على الغزو الأمريكي للعراق، والحرب الأهلية في سوريا والاتفاق النووي الإيراني، لديهم النصيب الأكثر من التأثير على الطائفية مقارنة ببعض الاختلافات الدينية الجوهرية الخالدة.

استخدام السعودية للطائفية في سياستها الداخلية والإقليمية هو موضوع ركزت عليه أدبيات العلوم السياسية. ووصف جورجي جوز قوة تأثير ذلك بقوله إن السعودية والدول الخليجية الأخرى تميل إلى عمل توازن بين التهديدات الداخلية والخارجية. فالتعبئة ضد الشيعة كانت لوقت طويل طريقة مؤثرة للتصدي لمحاولة إيران جذب السنة، وكان يتم استخدام ذلك أيضاً داخل التنافس السني الداخلي.

أظهر ماتيسن وفريد ويري في كتبهم بشكل كبير كيف تقوي السياسة الخارجية الطائفية استقرار النظام داخلياً. يجب التعامل مع تعبئة التوترات الطائفية بالخارج على أنه شئ من اثنين، مناورة سياسية بين قوى إقليمية وأيضاً سبيل لتعزيز السيطرة داخلياً.

من هذا المنظور، التصعيد الذي تقوده الرياض يعد خطيراً، وخليط ما بين كونه يمثل خطراً أو فرصة، والقوة والضعف. السعودية قوية بشكل فريد بين الكيانات العربية في الوقت الحالي. يمكنها أن تعتمد على الشراكة القوية حالياً مع الإمارات والضعف المؤقت لقوى تقليدية كمصر وسوريا والعراق. المنافسون للسعودية من بين السنة في مقدمتهم تركيا وقطر، تعرضوا لانتكاسات متتالية ويفكرون حالياً في إعادة بناء العلاقة مع الرياض. وإلى الآن، استطاعت  السعودية هزيمة التحدي الذي تمثله الانتفاضة العربية.

لكن السعودية تشعر أيضاً بأنها غير محصنة. فحروبها في سوريا واليمن، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية واتفاق إيران النووي جعلها تشعر بأنها معرضة بشدة  للمخاطر. هذا المزيج من القوة والضعف خلق تلك السياسة الخارجية المتقلبة وخصوصاً مع قيادة جديدة عدوانية تريد ترك بصمتها.

لا يقلل ذلك من التحديات السياسية الداخلية، من بينها المعركة على من يخلف الملك سلمان، وتبعات انخفاض أسعار النفط والعجز غير المسبوق في الميزانية. مع ذلك يبدو أن النظام السعودي، كما توقع جوز، يقوم بالرد على التهديد الغير مسبوق لبقائه، والذي في هذا الحالة يعني أولوية للسياسة الخارجية على التحديات الداخلية. كما أن السياسة الخارجية أيضاً تبدو طريقة أرخص وأسهل في مواجهة التحديات الداخلية. على الأقل هناك ثلاثة أسباب رئيسية دفعت السعودية إلى التصعيد في الحرب الباردة الطائفية الإقليمية حالياً:

الاتفاق النووي الإيراني: فوق كل ذلك ما يدفع التصعيد السعودي هو الخوف من النجاح المحتمل للاتفاق الأمريكي السعودي حول البرنامج النووي. ترى السعودية في إعادة دمج إيران في النظام العالمي وتطور علاقتها مع واشنطن كتهديد عميق لموقعها الإقليمي. والتعبئة ضد الشيعة حركة مألوفة في جهودها نحو استمرار العزلة الإيرانية. عارضت السعودية تقريباً كل المبادرات السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط على مدار الخمس سنوات الماضية، وليس فقط الاتفاق الإيراني لكن أيضاً الدعم الأمريكي للديمقراطية في مصر وإصرار إوباما على التدخل في سوريا. من المحتمل أن التصعيد الطائفي كان يهدف إلى تقويض أولويات أمريكا الاستراتيجية في المنطقة مثل الاتفاق الإيراني والتفاوض من أجل إنهاء الحرب السورية بطريقة تجعل التسوية الدبلوماسية ممكنة.

فشل السياسة الخارجية: يبدو أن التصعيد السعودي يهدف إلى إبعاد المتابعين المحليين وتشتيت انتباههم عن الفشل الواضح في السياسات الخارجية. فالمملكة فشلت في منع اتفاق إيران برغم من معارضتها العلنية وشهد ذلك اهتزاز علاقتها الحيوية مع حليفتها الولايات المتحدة. كما ان سياستها في دعم التمرد في سوريا قد فشلت في الإطاحة بنظام الأسد وانتشرت المعاناة الإنسانية الكبيرة، في حين تشدد المتمردون وبزغ تنظيم الدولة الإسلامية. أما التدخل في اليمن فينظر إليه بشكل واسع كفشل استراتيجي جعلها تعجز عن تحقيق أهدافها، وحدث بتكلفة بشرية عالية. النزاع العلني مع إيران قد يوجه الانظار إلى عدوم مألوف.

القيادة السنية: قد لا تكون إيران هي المستهدفة بقدر المنافسين السنة الآخرين. ركزت الدبلوماسية السعودية على جهود تعزيز ريادتها وإعادة تشكيل نظام إقليمي سني. ومؤخراً، أعلنت الرياض عن ”تحالف إسلامي“ ضد الإرهاب وعرضت التحالف في الحرب اليمنية كمثال للعمل العربي الجماعي. مع ذلك فنفوذها له حدود. فمازالت تركيا وأيضاً قطر ينافسان السعودية في التدخل بنفوذهم و التأثير على المتمردة السورية. وبعيداً عن البحرين، يبدو أن بقية دول مجلس التعاون الخليجي من غير المحتمل أن يتبعوها في قطع العلاقات مع إيران، فحتى الإمارات قد وافقت على تقليل العلاقات الدبلوماسية مع طهران.

كما أن سيطرة بعض الجهاديين الطائفيين على التمرد في سوريا قد خلق مجموعات قوية بأجنداتهم الخاصة. والخصومة الطويلة بين السعودية وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية قد ظهر من فوضى اليمن. والاتجاه نحو قمع وتجريم الإخوان المسلمين يبقى غير مستحب بين كثير من الإسلاميين السعوديين ذوي النفوذ. إعدام النمر وإثارة المواجهة مع إيران هو الأكثر أهمية بين الإسلاميين، ويساعد في تجنب تلك الأمور لبعض الوقت.

إذاً هل ما يحدث هو المزيد من نفس الأمر؟ ليس بالتحديد. التغيرات الهيكلية في المنطقة جعلت من الصعوبة السيطرة على التوترات الطائفية عكس ما كان ممكناً في الماضي. والشباب العرب من الذين شهدوا في عمرهم السياسي غزو أمريكا للعراق في 2003  لم يتعرض لشئ سوى الصور اليومية أو الواقع الذي عاشه من الصراع الطائفي العنيف. التشكيل الطائفي في حروب المنطقة حالياً، وفي مقدمتهم سوريا، تغلغل بعمق في سياسات الهوية والخطابات العامة بعد فشل الانتفاضات العربية.

هناك دول انهارت بسبب الحرب الأهلية، مثل سوريا واليمن وليبيا. فشل الدول والحرب الأهلية ووسائل الإعلام المتحزّبة تخلق ظروفاً مثالية للطائفية وترسخها بين المرعوبين والغاضبين المستقطبين. الحرب السورية هي المثال الأكبر، فالحملات الكبيرة العامة والخاصة في الخليج لحشد الدعم للجهاد السني ضد النظام السوري وداعموه إيران وحزب الله. كما قامت إيران وحزب الله وملشياتهم الشيعية بتعبئة وفقاً للهوية والطائفة لدعم نظام الأسد.

كما روجت وسائل الغعلام المحلية بقوة للخطابات الطائفية من أجل بناء الدعم للحروب في سوريا واليمن. ونفس الشئ على مواقع التواصل الاجتماعي مما جعل التعبئة أكثر سوءاً.

من المحتمل  أن يكون هناك مبالغة في تبعات التصعيد الطائفي السعودي في المنطقة. تحدي إيران وتعبئة الادواء الطائفية جزء من السيناريو السعودي الدائم عند مواجهتها تحديات إقليمية وداخلية. لكن العناصر الجديدة التي ظهرت بعد الانتفاضات العربية، من فشل الدول إلى الحروب الأهلية ومنصات الإعلام المؤثرة، جعل لعبة الطائفية أكثر خطورة من الماضي. وسيكون هناك صعوبة في أخماد تلك التوترات الطائفية أكثر من صعوبة إذكائها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى