سياسة

المجتمع المدني يخسر أرضًا في مصر

حال المجتمع المدني في مصر لم يتجمد فقط بل يواجه بالقيود القانونية والقبض على الناشطين

 s2201426171626

علا كبارة – أوبن ديموكراسي

ترجمة – محمود مصطفى

بعد فترة ليست طويلة من انتخاب السيسي وفي إعلان في الصحف في يوليو 2014 طالبت وزارة الشئون الإجتماعية كل منظمات المجتمع المدني المصرية بتوفيق أوضاعها وفق قانون 84 لسنة 2002، ويقلص هذه القانون من الهامش الضيق المسموح به لأنشطة منظمات المجتمع المدني ويسمح بالمزيد من القيود والقواعد عند تأسيس هذه المنظمات.

أصدرت منظمات مجتمع مدني عديدة بياناً مشتركاً ترفض فيه توفيق أوضاعها تحت هذا القانون المكبل المنتمي لعهد مبارك. وعبرت المنظمات عن أملها في الحصول على المزيد من الحرية في مصر تحت رئاسة عبد الفتاح السيسي.

رداً على ذلك، وافقت وزارة الشئون الإجتماعية في الأول من سبتمبر 2014 على مد مهلة توفيق أوضاع المنظمات غير الحكومية لشهرين حتى العاشر من نوفمبر نظراً لضغوط من المجلس القومي لحقوق الإنسان.

والآن ومع اقتراب المهلة من الانتهاء، من المفيد إلقاء نظرة على ما يعنيه توفيق الأوضاع لمنظمات المجتمع المدني وفروعها الشريكة.

القيود

يختص القانون 84 لعام 2002 بجمعيات تطوير المجتمع والمؤسسات المدنية بشكل أساسي، ووفقاً لمنظمة هيومان رايتس ووتش فإن القانون يسمح للحكومة برفض طلبات المنظمات للإنضمام لمنظمات دولية كما يمنح القانون الجكومة سلطة غلق هذه المنظمات كما تشاء وتجميد أرصدتها ومصادرة ممتلكاتها وتجميد تمويلها.

طالبت العديد من منظمات المجتمع المدني بإبطال العمل بهذا القانون منذ تفعيله في 2002 وكان رد الحكومات المتعاقبة ضعيفاً حيث تم تقديم مسودات قوانين مقترحة كثيرة لكن أياً منها لم يصبح قانوناً سارياً حتى الآن. في يوليو 2014 رفضت 29 منظمة مجتمع مدني آخر مقترحات وزارة الشئون الإجتماعية قائلة إنه يسمح للحكومة بوضع قيود أكبر عليهم.

آخر مسودة من مشروع القانون تتجاهلن بحسب منتقدين، المادة 75 من الدستور والتي تسمح للجمعيات الأهلية بالعمل بشكل مستقل بدون سيطرة ومراقبة من السلطات. من منظور المبادرة المصرية للحقووق الشخصية فإن القانون المقترح، إذا تم تبنيه، سيجرم عمل منظمات المجتمع المدني وسيخضعها للمسسة الأمنية ما سيغلق المجال العام في مصر أمام الكل عدا مؤيدي النظام.”

أدوات التغيير

في مسح أجرته الشبكة العربية للتنمية عام 1999، ساهم قطاع المجتمع المدني في مصر بتوظيف 629 ألف و232 عاملاً بدوام كامل، وهو ما أنتج 1.5 مليار دولار من المصروفات، ما نسبته 2% من إجمالي الناتج القومي المحلي لمصر.

في مقالها بالأهرام ويكلي، تقول ماريز تادرس إن هناك أكثر من 16 ألف منظمة مجتمع مدني مسجلة في مصر في عام 2003. ويوضح لاري دياموند إن المجتمع المدني ينطوي على “عالم من الحياة الإجتماعية المنظمة التطوعية وذاتية الدعم بشكل كبير والمستقلة عن الدولة والملزمة بنظام قانوني أو مجموعة من القواعد المشتركة.”

ويميز دايموند المجتمع المدني عن “المجتمع” في العموم لكونه يتضمن مواطنين يعملون بشكل جمعي في مجال عام للتعبير عن اهتماماتهم وشغفهم وأفكارهم ولتبادل المعلومات ولتحقيق أهداف متبادلة ولمطالبة الدولة ومحاسبة مسئوليها.

ولذا فإن منظمات المجتمع المدني تعد أدوات أساسية للتغيير الإجتماعي والسياسي في المجتمع المدني، ومع ذلك فإنه نظراً للمناخ السياسي السلطوي الموجودة فيه المنظمات في مصر فإنها ليست مؤثرة أو فاعلة كما ينبغي لها. هناك نقص في الدعم لهذه المنظمات وعادة ما يتوجب علىها القيام بالأمر بنفسها بدون مساعدات أساسية من أي أدوات أخرى للتغيير السياسي.

خلفية

قبل تفعيل قانون 84 لسنة 2002 كانت اللوائح القانونية المتعلقة بأنشطة منظمات المجتمع المدني في مصر منصوص عليها في القانون السابق وهو قانون 32 لسنة 1964. ووفق ذلك القانون كانت للحكومة السلطة المطلقة على أنشطة المنظمات.

كانت الحكومة وفق قانون 1964 قادرة على السماح بعمل المنظمات أو حظرها في أي وقت، واستخدمت أنظمة ناصر والسادات ومبارك هذا القانون لتقييد حقوق الأفراد في تكوين الجمعيات بحرية وفي ممارسة حقوقهم المدنية والجماعية الأساسية.

حاول المجتمعان المدنيان المصري والدولي مرات عديدة إقناع الحكومات المتعاقبة بتعديل قانون سنة 1964 المجحف أو على الأقل تعديل بعض بنوده ونظراً لضغوط سياسية هائلة، أوكلت الحكومة سنة 1998 مجلس الشعب بمهمة وضع مسودة قانون جديد للمنظمات يحل محل قانون سنة 1964.

ومع ذلك فإن منظمات حقوق الإنسان الدولية لم تكن قانعة بهذه التعديلات وأدانت منظمة هيومان رايتس ووتش، ومقرها الولايات المتحدة، المسودة قائلة إنها أثارت الخوف في مجتمع المنظمات غير الحكومية في مصر محاجين بأنها “ستسمح بتدخل حكومي بالغ في شئون منظمات المجتمع المدني وبنيتها الإدارية.”

استمرت المعركة ضد قانون سنة 1964 حتى عام 1999 عندما حل محله قانون 153 الذي تم تفعيله في العام ذاته لفترة قصيرة قبل أن يعلن أنه غير دستوري ويصبح مشروع قانون جديد ضرورة.

قانون منظمات مجتمع مدني جديد

خلال الجدل البرلماني الذي تلا ذلك في 2002، أعلنت أحزاب المعارضة معارضتها للأحكام المكبلة في مسودة القانون الجديد والتي ضمت معظم مواد قانون 153، إلا أنه في ظل كون 90% من النواب من الحزب الوطني الحاكم فلم يكن لانتقادات المعارضة أي تأثير.

تم تمرير قانون 84 لسنة 2002 وحافظت الحكومة على وجود وسائل قانونية كافية للتدخل في أنشطة منظمات المجتمع المدني في أي وقت وتم استبدال قانون 32 لسنة 1964 وأية أحكام أخرى تتعارض مع قانون سنة 2002. وفي وجود هذا القانون أرسى النظام قواعد جديدة لتنظيم العلاقة بين المنظمات والدولة.

كمثال، ألغى القانون متطلبات وقيود مثيرة للجدل وضعت أمام حق تكوين الجمعيات وبعد ذلك توجب على كل المنظمات الحصول على موافقة وزارة الشئون الإجتماعية قبل قبول تمويل أجنبي. وبسبب جهود منظمات المجتمع المدني للحصول على مساحة في الحياة السياسية وبدأ التغيير نحو تحرر سياسي، استمر النظام السلطوي  في تقييد أنشطتها وإبقائها تحت السيطرة.

مناقشة القوانين

  المدافعون عن المنحى المقيد يجادلون بأن منظمات المجتمع المدني في مصر كانت بشكل رئيسي تقاد عبر النخبة ، ومعزولة تماماً عن القاعدة العريضة للمجتمع وغير قادرة على الوصول للأقل نصيباً من التعليم والأقل وعياً بالشأن السياسي.

وبالتالي فلن تستطيع المساهمة في تمكين وتعبئة الشعب ولا العمل كقنوات سليمة للتعبير الإجتماعي والسياسي بالنسبة للقطاع الأكبر من السكان. ووفقاً لهذا المنطق لم تحظى المنظمات بحريات ومساحة اكبر للنشاط الإجتماعي والسياسي.

ومع ذلك وبالرغم من أن الكثير من منظمات المجتمع المدني المصرية تأسست بالفعل من قبل أشخاص مؤثرين من الطبقة العليا، إلا أنها توسعت لتشمل أناساً من خلفيات إجتماعية وفكرية مختلفة. بل وحتى إذا وصلت هذه المنظمات فقط إلى أعداد قليلة من الناس مقارنة بالتعداد السكاني ككل، بدأت هذه المنظمات نقاشات عامة مهمة ورفعت الوعي وقد تكون بذلك أشعلت التغيير الإجتماعي والسياسي.

نظرة

وضع منظمات المجتمع المدني لم يتغير منذ أن أصبح عبد الفتاح السيسي رئيساً في يونيو 2014. بالإضافة إلى الحملة الأخيرة على النشظاء الحقوقيين والسياسيين والصحفيين والمدونين وآخرين، لم تتخذ الحكومة الحالية أية خطوات تجاه حقوق وحريات أكبر لمنظمات المجتمع المدني.

حالات القمع تتضمن حكم سجن الناشطة ماهينور المصري و8 آخرين عامين في مايو 2014 لخرقهم قانون التظاهر. اتهموا لتظاهرهم خارج محكمة كانت تنظر قضية رجلي شرطة متهمين بقتل خالد سعيد.

كذلك الحكم على الناشط والمدون المصري علاء عبد الفتاح في يونيو 2014 وأربع وعشرين آخرين بالسجن خمسة عشر عاماً بسبب التظاهر في أمام مجلس الشورى وبالتالي خرق قانون التظاهر. أطلق سراح ماهينور وعلاء عبد الفتاح في نهاية المطاف بكفالة.

أمل الكثيرون في أن الحكومة ستكون أدركت أن العملية الديمقراطية لا يمكن أن تكتمل أو تستر فقط بتغيير السلطة العليا من دون تطوير وتغيير المؤسسات والمنظمات السفلى.

إذا تركت السلطات منظمات المجتمع المدني تقوم بنشاطها الإجتماعي والسياسي في سلام، على المدى الطويل ستساعد المنظمات في تطوير مجتمع واع سياسياً وإجتماعياً. وإذا استمرت السلطات في التدخل في شئونها بشكل دائم ومحاولة احتوائها وتقييد أنشطتها لن تتمكن هذه المنظمات من إتمام مهمتها وأهدافها بعيدة المدى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى