سياسة

الجارديان: مصر .. الخنازير تنتعش

خنازير في إحدى مزارع منشية ناصر -القاهرة
خنازير في إحدى مزارع منشية ناصر -القاهرة

الظروف السياسية جعلت مزارع الخنازير في مصر  تعيش أفضل أوقاتها منذ الإبادة الجماعية أثناء وباء انفلونزا الخنازير في 2009

الجارديان– باتريك كينجسلي

ترجمة – ملكة بدر

لم تساعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي العام الماضي كثيرًا في تحسين حالة الاقتصاد المصري، ولكن الأمر كان مختلفًا بالنسبة لجزاري ومربي الخنازير في عشوائيات القاهرة، إذ أن ما حدث منح عملهم دفعة غير متوقعة، فقبل 5 سنوات، كان لحم الخنزير نادرًا في القاهرة لدرجة أن جزارا مثل بيشوي سمير كان يبيعه مرتين فقط في الشهر، أما الآن، فيقول إنه يبيع لحوم خنزير كامل يوميًا تقريبًا.

كانت الحكومة المصرية منذ خمس سنوات قد قررت أن تحصد معظم رؤوس الخنازير في مصر، مما ترك سمير وعائلته بلا شيء يقدمونه، ويقول “كان من النادر أن نجد شيئًا نطهيه، اعتدنا أن نعمل أسبوعًا وأن نتوقف أسبوعًا، لكن منذ 5 أشهر، تغير الحال، وأصبحنا الآن نُعد حوالي خنزير يوميًا، ويصل الأمر لاثنين أو ثلاثة عند الآخرين”.

بدأت عودة لحم الخنزير تدريجيًا بعد ثورة 2011 التي أطاحت بحسني مبارك، عندما بدأ بعض المزارعين في تغذية قطعان صغيرة للغاية من الخنازير مرة أخرى وإخفائها في بدروم منازلهم، لكن العودة الكاملة لهذه التجارة لم تحدث إلا بعد الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو الماضي، ورغم أن تربية الخنازير مازالت غير قانونية، إلا أن هناك مزارعين يقولون إنهم يحاولون إحياء عملية كانت قد هلكت في 2009.

يقول سعيد، وهو جزار لحوم خنازير في القاهرة، ويقوم بتربية قطيع متنامي الآن على سطح منزله في عشوائيات منشية ناصر، شرق القاهرة، “في عهد مرسي، كان الجميع خائفين، وأخفى الناس حقيقة أننا كنا نملك خنازير لأننا كنا نخشى أن تأتي الحكومة وتقتلهم. لكن بعد رحيل مرسي، عادت الحرية، والآن، تتصرف الحكومة كأنها لا تعلم أن هناك خنازير لدينا، وهي راضية بهذا الموقف”.

اليوم، هناك أكثر من 50 ألف إلى 80 ألف رأس خنزير في منشية ناصر، حسبما قال عزت نعيم، رئيس نقابة الزبالين، وصحيح أن هذا الرقم أقل بكثير مما كان عليه في 2009، عندما بلغ حجم رؤوس الخنازير حوالي 350 ألف رأس، إلا إنه ضعفي أو ثلاثة أضعاف ما كان عليه العام الماضي. فمنذ عام واحد فقط، كانت عائلة سمير ومعها عائلة أو اثنتين فقط من الجزارين هي التي تشوي لحم الخنزير سرًا في منشية ناصر، في المنطقة المعروفة باسم “مدينة الزبالين”. أما السكان المحليون فيقولون إن الآن هناك أكثر من 10 عائلات حولت منازلها إلى مواقع لتربية الخنازير، ولأن المكان في الخارج في الهواء الطلق مازال محدودًا، تعيش الخنازير على أسطح المنازل وفي غرف النوم أحيانًا.

كانت الحكومة قد قامت في 2009 بقتل معظم الخنازير في مصر في إجراء وحشي، بعد أن دفنت معظمهم أحياء في الصحراء ثم غطتهم بالحمض، ظاهريًا كان ذلك “لمكافحة أنفلونزا الخنازير”، معتبرة أنها تمثل التهديد الأكبر، لكن منظمة الصحة العالمية أعلنت أنه لا علاقة للخنازير بانتشار المرض، مما دفع المسيحيين الأقباط في مصر الذين يشكلون نحو 10% من مجمل عدد السكان ويديرون صناعة لحم الخنزير إلى اعتبار الإجراء الذي نفذته الحكومة المصرية بمثابة تهميش لهم كأقلية. وشعروا أنهم ضحايا اقتصاديًا واجتماعيًا.

عادة ما يطلق على المسيحيين في منشية ناصر وفي عشوائيات أخرى بالقاهرة “زبالين” لأنهم يجمعون ثلثي قمامة القاهرة التي تبلغ في مجملها حوالي 15 ألف طن يوميًا، ويعيدون تدويرها، وكانوا يقدمون الفضلات العضوية لخنازيرهم، لكن هذا انتهى بعد موسم حصاد الخنازير في 2009.

يقول برسوم برسوم، الراهب القبطي “كان الأمر انتقامًا من مسيحيي مصر”. وازدادت مشاعر الانعزال في عهد مرسي بين الأقباط، عندما حاصر رجال الشرطة والأمن الكاتدرائية الأكبر في مصر وقاموا بإطلاق قنابل الغاز بكثافة عليها. ويرى أبو جون، الذي كان يمتلك واحدًا من أكبر قطعان الخنازير في منشية ناصر أن الأمر بدا في عهد مرسي “وكأن الرئيس لا يأبه ولا يفعل الكثير لإدانة ذلك العنف، كما لو كان مرسي لا يهتم بالبلد، وإنما يهتم بجماعته فقط. وكمسيحيين، شعرنا كأنه لا مكان لنا لنعيش في مصر”.

الآن يشعر أبو جون بالراحة أكثر، وقد عاد لتربية وتغذية الخنازير، بشكل أكبر 10 مرات من نفس الوقت في العام الماضي.

وتعتبر الأسعار المحلية للحوم الخنازير أكبر معبر عن عودة هذه التجارة، فالكيلو يكلف حوالي 50 جنيهًا، بعد أن كان ثمنه العام الماضي 70 جنيهًا، ويظل باهظ الثمن بالنسبة لما كان عليه في 2009، عندما كان كيلو لحم الخنزير يكلف فقط 20 جنيهًا.

وبالرغم من ذلك، مازالت عودة التجارة بأكملها محدودة بالنسبة لمزارعي الخنازير ومربيهم في منشية ناصر وغيرها من العشوائيات التي لا تملك الحكومة يدًا قوية عليها، ومازالت أكبر جزارتين للخنازير في مصر مغلقتين، ومازال بعض أكبر مربي قطعان الخنازير يرفضون العودة لفتح مزارعهم، في ظل عدم قانونية تربية الخنازير حتى الآن.

يقول إيهاب إسرائيل، الذي تملك عائلته أكبر تجارة للحوم الخنازير في مصر، إلا إنها اقتصرت مؤخرًا على تجارة المرتديلا “إذا أرادت الحكومة التفتيش على أي شخص، فستبدأ بنا، ولذلك لا نريد المخاطرة، ولن نبدأ مرة أخرى إلا عندما نحصل على وثائق رسمية حكومية تسمح لنا بذلك، وكل ما نحتاجه هو إعادة فتح المجازر مرة أخرى”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى