ترجمات

إعادة التفكير بالمساعدات الإنسانية في الحروب الأهلية

إعادة التفكير بالمساعدات الإنسانية في الحروب الأهلية

 

جوناثان كينيدي ودومنا ميشاليدو

لندن- في الأشهر الأخيرة ، أتهم الصحفيون والمنظمات غير الحكومية الأمم المتحدة بالإنحياز لنظام الرئيس السوري بشار الأسد والفشل في توزيع المساعدات الإنسانية للمناطق التي يسيطر عليها الثوار في سوريا . إن هذه الإنتقادات مبررة إلى حد ما فالأمم المتحدة تعمل بشكل وثيق مع الحكومة السورية والمساعدات الإنسانية لا تصل بشكل مستمر للمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة ولكن النقاد يغفلون التناقض المتأصل في مسؤوليات الأمم المتحدة في البلدان التي تواجه حربا أهلية .

طبقا لميثاق الأمم المتحدة فإن أحد أهداف المنظمة هو تنسيق عمليات الإغاثة خلال وبعد حصول كوارث ذات “طابع إنساني ” لا تستطيع السلطات الوطنية لوحدها التعامل معها. إن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لديه مسؤولية عامة عن جهود الإغاثة عند حصول الكوارث ونشاطاته يجب أن تكون على أساس المبادىء الأربع المتمثلة في الإنسانية والحياد والنزاهة والإستقلالية والمكتب يعمل مع الحكومات الوطنية ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة ويتعاون مع المنظمات غير الحكومية العالمية والمحلية .

لكن الأمم المتحدة لديها تفويض بإحترام سيادة دولها الأعضاء مما يعني أنه يتوجب عليها الإقرار بسلطة النظام المعترف به دوليا على أراضيه وعلى الناس الذين يعيشون فيها وهذه النقطة لا تعتبر مشكلة عندما تكون البلدان تحت سلطة حكومات لديها سلطة حصرية على أراضيها وإهتمام حقيقي برفاهة مواطنيها ، لكن هذه النقطة تصبح مثيرة للمشاكل عندما لا تتوفر مثل تلك الظروف مثل في حالة الحروب الأهلية .

عندما تقوم المجموعات المتمردة بإحتلال مناطق في بلد ما ، فإن الوضع يؤدي لما أطلق عليه عالم الإجتماع شارلز تيلي ” السيادة الثنائية أو المتعددة ” فيصبح الثوار بدل من النظام المعترف به دوليا أصحاب السيادة على أرض الواقع في المناطق التي يسيطرون عليها وهذا يشكل تحدي للإمم المتحدة بسبب تفويضها المزدوج بتقديم المساعدات الإنسانية بنزاهة وحياد وإحترام سيادة الدول الأعضاء.

يصبح التحدي صعبا عندما يقوم نظام معترف به دوليا بعدم السماح للأمم المتحدة بتقديم المساعدات الإنسانية للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة فمن منظور النظام فإن الخوف هو أن تقديم المساعدات لتلك المناطق سوف يعمل على إستدامة مجتمعات معادية ويمكن تفسيره كإعتراف بالثوار كقادة سياسيين على أرض الواقع .

إن سيناريو الحرب الأهلية يشخص الوضع في سوريا فنظام الأسد خسر مناطق شاسعة ضمن الحدود الإسمية للجمهورية العربية السورية وليس لديه أدنى إهتمام بصالح المجتمعات التي تعيش في المناطق التي يسيطر عليها الثوار ورفاهتها والدليل على ذلك العنف العشوائي الذي يمارسه الجيش السوري تجاه المدنيين في تلك المناطق .

لكن على الرغم من إحتقار نظام الأسد للمعايير الإنسانية فإنه ما يزال على الأمم المتحدة الحصول على الإذن منه بالعمل في المناطق التي يسيطر عليها الثوار وفي واقع الأمر ينص برنامج الرد الإنساني التابع للأمم المتحدة في سوريا على ” أن حكومة سوريا تتحمل المسؤولية الأساسية لحماية مواطنيها “.

نظريا ، تسمح الحكومة السورية بنقل المساعدات الإنسانية عبر الخطوط الأمامية من المناطق التي تسيطر عليها للمناطق التي يسيطر عليها الثوار ولكن عمليا على الأرض فإن تقديم تلك المساعدات صعب للغاية بسبب القتال الدائر والعقبات البيروقراطية التي تضعها الحكومة السورية وبالإضافة إلى ذلك لا تسمح الحكومة بالمساعدات عبر الحدود فعلى الرغم من أن تلك الطريقة هي الطريقة الأكثر فعالية لتقديم المساعدات للمناطق التي يسيطر عليها الثوار ، إلا أن إنها تقوض سيطرة الحكومة على توزيع المساعدات وتقوض كذلك من إدعاءاتها المتعلقة بالسيادة .

ليس للأمم المتحدة الكثير من السلطة للتأثير على إستراتيجية الحكومة السورية للمساعدات الإنسانية ولو قامت بتحدي النظام بشكل علني فإنها قد تخسر الإذن الممنوح لها بالعمل في البلاد وفي الوقت نفسه وبينما تزداد الأزمة السورية سوءا فإن الضغط يتزايد من أجل تحسين تقديم المساعدات الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها الثوار ولقد إستكشفت الأمم المتحدة عدد من الخيارات .

على سبيل المثال ، ساعدت الأمم المتحدة في التفاوض على وقف مؤقت لإطلاق النار مرات عديدة وذلك حتى يتسنى لوكالات المساعدات الإنسانية الوصول للمناطق المحاصرة كما قامت وكالات الأمم المتحدة بهدوء بتقديم إمدادات مطلوبة بشدة ومشورة تقنية للمنظمات غير الحكومية التي تعمل في المناطق التي يسيطر عليها الثوار ولقد قام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإصدار قرارات من أجل الإلتفاف على الحكومة السورية والسماح بتقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود.

إن الإتهامات بإن الأمم المتحدة منحازة لنظام الأسد هي إتهامات غير عادلة نظرا للواقع على الأرض . ليس للأمم المتحدة أي خيار آخر سوى التعاون مع النظام المعترف به دوليا بغض النظر عن كيف يعامل النظام السكان في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة وبينما عملت الأمم المتحدة على التغلب على هذه القيود فإن جهودها كانت بالضرورة بطيئة وقائمة على ردة الفعل عوضا عن إتخاذ المبادرة بالإضافة إلى كونها جهود لإغراض محددة وحسب الظروف والأسوأ من ذلك أن جهودها كانت ممكنة فقط لإن الأزمة الإنسانية تدهورت لدرجة أنه لم يعد بالإمكان تجاهلها.

من الناحية المثالية فإن نظام تقديم المساعدات الأنسانية الدولي يجب أن يعكس بشكل دقيق الحقائق السياسية في البلدان التي تعاني من الحروب الأهلية بحيث تتمكن الأمم المتحدة من العمل مع جميع الأطراف التي تسيطر على المناطق .

إن أحد الطرق لتحقيق ذلك هو مراجعة ميثاق الأمم المتحدة وذلك حتى يسمح للمنظمة بالتعامل مع القادة السياسيين على أرض الواقع في المناطق التي يسيطر عليها الثوار. إن الطرح وراء هذا التغيير هو طرح قوي وخاصة في حالات مثل سوريا حيث تتصرف الحكومة بدون أي إهتمام بصالح المجتمعات التي تعيش في المناطق التي يسيطر عليها الثوار ورفاهتها.

الإحتمالية الأخرى هي نقل المسؤولية عن المساعدات الأنسانية في مناطق الصراع لمنظمة غير حكومية ليست عليها نفس الضغوطات لإحترام سيادة أنظمة معترف بها دوليا. إن مثل هذا التغيير يتناقض مع النظام الحالي للسياسة الدولية والقائم على أساس حصانة الدول لكن من المؤكد أن تقديم المساعدات الإنسانية لإولئك الذين يحتاجونها يجب أن يكون له أولوية على سيادة الحكومات التي لا تحترم صالح جميع مواطنيها ورفاهتهم .

جوناثان كينيدي يدرس في كلية يو سي ل للسياسة العامة وهو باحث مشارك في دائرة علم الإجتماع في جامعة كامبريدج .دومنا ميشاليدو تعمل في الدائرة الإقتصادية في منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية وتدرس في مركز دراسات التنمية في جامعة كامبريدج وكلية يو سي ل للسياسة العامة.

حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2016. ينشر بالاتفاق مع زحمة دوت كوم.
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى