سياسة

فرنسا: كي لا يهزمنا داعش

فرنسا: كي لا يهزمنا داعش 

france

دومينيك مويسي

باريس- بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس في نوفمبر الماضي -ضمن سلسلة من الاعتداءات المنسقة بعناية قام بها مهاجمون متعددون، مما أدى إلى 130 حالة وفاة- كان هناك ألم شديد وخوف، ولكن ظهرت أيضا روح الوحدة والصمود. على النقيض من ذلك، منذ مذبحة يوم الباستيل في نيس – حيث تلقى مهاجم المساعدة من خمسة رجال من الأفضل وصفهم كمجرمين عن كونهم إسلاميين متطرفين، أدخلوا شاحنة مفخخة وسط الحشد، مما أسفر عن مقتل 84 شخصا، من بينهم العديد من الأطفال أصبح الناس يشعرون بالعجز والغضب.

ونتيجة لذلك، يعاني الفرنسيون الآن من حالة الإحباط والقلق. فقد تعودوا على بعض مظاهر الأمن في مدنهم، التي ظلت لفترة طويلة معاقل للمعرفة والفن، وليس مواقع للإرهاب الوحشي. فهم يريدون الشعور بالأمان من جديد مهما كلف الأمر. هذه المشاعر مفهومة تماما، ولكنها لا تساهم بالضرورة في صنع القرار الفعال.

اٍن عبارة “مهما يكلف الأمر” هي المشكلة. إذا شعر الناس أن قادتهم فشلوا في حمايتهم، فقد يتحولون إلى بدائل أكثر تطرفا. بالفعل، الأحزاب السياسية الشعبوية وحتى العنصرية الواضحة تكتسب القوة في فرنسا وأماكن أخرى. وإذا تم الضغط عليهم من قبل هذه القوات، فقد يقرر الناس تطبيق القانون بأنفسهم.

لكن السلطات لديها بالفعل الكثير من الأمور والمشاكل التي ينبغي معالجتها. وعلى كل حال، تعد محاولة حماية السكان من الهجمات الإرهابية مع التمسك بسيادة القانون مهمة صعبة للغاية. فالأفراد، لاسيما الذين يعانون من اضطرابات نفسية وميول كبير لأعمال العنف، يمكن أن يصبحوا متطرفين بسرعة، كما حدث مع مهاجم نيس. وربما لم يرتكبوا أي جرائم من قبل، ولم يقيموا علاقات فعلية مع الجماعات الإرهابية، قبل شن هجوم كبير. ونظرا لهذا، لا يمكن للسلطات الفرنسية أن تضمن عدم حدوث مزيد من الهجمات.

هذا لا يعني أن السلطات لا ينبغي عليها بذل الجهود لتحسين أساليب الوقاية والاٍستجابة لها. هناك الكثير يمكن ويجب القيام به لتعزيز الأمن في فرنسا وغيرها من البلدان. ولكن الإنذار الذي يقدمه بعض الفرنسيين الآن بشكل مطلق -ضمان الأمن المطلق أو نطرح جانبا سيادة القانون والمبادئ الأساسية للانفتاح والمساواة- يضر أكثر مما ينفع.

ويستحق الفرنسيون، مثل كل الناس، أن يشعروا بالأمان في الشارع، والخروج لتناول العشاء، والتمتع بحفل، والاٍحتفال بعطلة وطنية، وأن يعيشوا حياتهم الطبيعية. السؤال هو كيفية استعادة هذا الشعور بالأمن في الوقت الذي لا نستطيع فيه القضاء تماما على خطر وقوع هجوم إرهابي.

الجواب يكمن في المجتمع المدني. يجب أن يصبح المواطنون العاديون في حالة تأهب أكثر لعلامات التطرف، وأكثر علما بكيفية الرد. ينبغي تشجيع الناس للإبلاغ عن تطرف المقربين لهم إلى السلطات المختصة، سواء المتخصصين في الطب النفسي أو الشرطة.

والهدف من ذلك ليس إحياء المكارثية، حيث يقوم الناس بتوجيه اتهامات لا أساس لها ضد الجيران والأصدقاء. بدلا من ذلك، الهدف هو خلق قنوات للإبلاغ عن مخاوفهم من أشخاص يعرفونه لكن يلاحظون فيهم ميولات متطرفة أو عنيفة. ومن أجل إعطاء إنفاذ القانون فرصة لمنع هجوم خطير، يمكن لمساهمات المجتمع المدني تعزيز استعداد المواطنين لترك عمليات وسياسات مكافحة الاٍرهاب للسلطات.

لقد نجح هذا النموذج في إسرائيل. على الرغم من تعرضهم المنتظم لهجمات إرهابية يحتفظ الإسرائيليين بالشعور بالأمن النسبي، ويرجع ذلك جزئيا إلى قدرة المجتمع المدني على المساهمة في سلامتهم. ونتيجة لذلك، فإن المواطنين على استعداد لاحترام ما يسميه ماكس فيبر “احتكار الدولة للاستخدام المشروع للقوة البدنية”.

وبطبيعة الحال، فرنسا ليست على وشك الوقوع في حالة من الفوضى، لأن لديها حراس أهليون يحاولون القضاء على الإرهابيين. لكن اٍشاعات التخويف القاسية من الشعبويين، جنبا إلى جنب مع التجارب المرعبة، المأساوية، والمثيرة للغضب، تضعف بصيرة الناس، مما يدفعهم للوقوع فريسة للخطاب الملهب للمشاعر. ومع تحديد الاٍنتخابات الرئاسية في الربيع المقبل، هناك حافز قوي لدى السياسيين لاستخدام ضحايا نيس كأدوات في إستراتيجية الحملة الاٍنتخابية خدمة لمصالحهم الذاتية.

ولا يمكن أن يُسمح بحدوث ذلك. إذا استسلم الفرنسيون في النهاية للخوف، وانتخبوا المتعصبين الشعبويين، ستُحقق الدولة الإسلامية المقاتلة (داعش) انتصارا كبيرا – مما سيؤدي اٍلى تقويتها.

وبالتأكيد: رغم ما يقوله الشعبويون، اٍن داعش ستخسر لا محالة. فأراضيها تتناقص، آخذة معها حلم الخلافة الجديدة الذي انتشر في العالم العربي. لكن داعش لديه استراتيجية أخيرة لدعم نفسه: التجنيد السريع. وهذا التجنيد سيكون بمثابة دفعة قوية لتكثيف الخطاب المعادي للمسلمين، أو ما هو أسوأ، انتخاب أولائك الذين يريدون تحويل الخطاب إلى سياسات.

وبالفعل، نجد أن مجندي داعش يحققون نجاحا، حتى مع فقدان التنظيم السيطرة على المدن والمحافظات في سوريا والعراق. من أورلاندو مرورا بإسطنبول إلى دكا، قد وجد تنظيم داعش الكثير من المؤيدين الذين يتوقون للقتال باسمه. وفي الآونة الأخيرة، فجر انتحاريان تابعان لتنظيم داعش أنفسيهما في مظاهرة سلمية في كابول، مما أسفر عن مقتل 80 شخصا وإصابة أكثر من 200.

ولكن طالما أن “العدو” في الغرب لا يزال موحدا وذو مبادئي، لن يحقق تنظيم داعش أي انتصار. وبالنسبة لفرنسا وغيرها، فالمفتاح هو العمل الجماعي، سواء في الداخل أو الخارج، والذي سوف يتطلب تحسين الروابط بين الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية، جنبا إلى جنب مع زيادة الوعي بالمخاطر داخل المجتمع المدني، اتباعا للنموذج الإسرائيلي، إضافة إلى أن الضربات المتواصلة ضد مواقع داعش ستُنهي حلم الخلافة في وقت قريب.

اٍنه لأمر سيئ بما فيه الكفاية أن يدمر الإرهابيون حياتنا. آخر شيء نحتاج إليه هو تدمير الشعبويين لأرواحنا. إن استعادة السيطرة على حياتنا ومصيرنا يعني أن نكون واقعيين. بدلا من المطالبة بالعودة إلى الحقبة ما قبل الإرهاب، يجب علينا أن نكون أكثر يقظة بالمخاطر التي يسببها -ليس فقط على سلامتنا، ولكن أيضا على القيم والاٍلتزام بسيادة القانون لدينا- ونقوم بدورنا للحد منه.

دومينيك مويزي أستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس (العلوم السياسية)، ومستشار أول في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI) وأستاذ زائر في كلية كينغز في لندن.

 

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2016. ينشر بالاتفاق مع زحمة دوت كوم

www.project-syndicate.org

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى