سياسة

تايم: ليلة الأحمر.. يوم سقط مبارك

مصورة مصرية تروي  لحظات التنحي من ميدان التحرير في 2011

تايم – لورا الطنطاوي – ترجمة: محمد الصباغ

أتذكره يوماً حاراً، بالرغم من كونه شتاءا باردا على غير العادة بالمقاييس المصرية. كان ذلك النوع من الحرارة التي تٌنشط الغدد العرقية وأعصابك خارجة عن السيطرة، الشعور الذي تحسّه حين تحب، الشعور بألم –مثيراً في المعدة حين تفكر في الطريق الغامض إلى المستقبل.

النيران كانت مشتعلة في ذاك اليوم، حية لن تهدئها كل مياه نهر النيل – النهر الخالد في الأغنية الشهيرة التي لحنها الموسيقار الأسطوري محمد عبدالوهاب.

ميدان التحرير كان القلب النابض لتلك النيران. التحرير معنى يمكن تقديره بحق فقط حينما تنطق بحرف ال(ح) في الكلمة مع احتكاك عمق حلقك ولسانك يلتف مثل الشعر المجعد حين تنطق بالراء. إنه ميدان التحرير. رمز للحرية في دولة حكامها في العادة يحكمون كالفراعنة. التحرير معلم تاريخي وحد المصريين في انتفاضة الخبز عام 1977، وشهد مظاهرات ضد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وبؤرة المظاهرات المعارضة للحكومة وضد حسني مبارك، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان المسلمين خلال الخمس سنوات الأخيرة.

التحرير ليس مكاناً اختير بالصدفة. كل شئ يحدث هناك يكون عن قصد.

في 11 فبراير 2011، كان بالميدان آلاف الأشخاص. كان اليوم الثامن عشر على التوالي من الاعتصام الشعبي الذي أوصل البلاد إلى طريق مسدود. ”ارحل… ارحل… ارحل!“ هتفت الحشود بعناد في صوت واحد ضد 30 عام من طعيان مبارك المدمر. مبارك، الذي يعني اسمه بالعربية ”سعيد“، كان رجلاً عسكرياً بدأ متواضعاً لكن مع مرور السنوات ازداد الطمع والغرور والفساد، ككل المستبدين. الشائعات انتشرت حينها بأنه يجهز ابنه الأصغر ”جمال“، شئ ما مثلما فعل حافظ الأسد مع ابنه بشار في سوريا. تحت حكم مبارك، وٌضعت الدولة تحت قانون الطوارئ لمدة 30 عاماً تقريباً، وامتلكت الشرطة سلطات كبيرة وطغت على الحقوق الدستورية. وتعرض المصريون لانتهاكات يومية على أيدي من يدفعون لهم ليحموهم. ”عيش… حرية… عدالة اجتماعية.“ التحرير هو المسرح الذي وجه فيه المصريين ضربة قوية ونهائية في وجه النظام بعد الظلم المتزايد.

كان حجم الحشود هائلاً في ذلك اليوم. بدأت أركان الاستبداد في الانهيار خلال الأيام السابقة. امتدت المظاهرات إلى بقية الدولة، أضرب العمال عن العمل بمصانعهم، واستقال الوزراء المعينين حديثاً من قبل النظام لتهدئة الشعب بعد أيام من تعيينهم. أخبر القادة الدوليون مبارك بأن ينصاع لإرادة الشعب. عاد المصريون من لخارج إلى بلادهم للالتحاق بأبناء وطنهم. كانت مسألة أيام، ساعات، وربما دقائق وكان التحرير هو مكان وجودي عندما تحقق الأمر.

تعمّق الشعور بالجلوس على حافة التاريخ –مثل أن تستلقي على سحابة وتتدلي ساقاك في الهواء. ذكرياتي سيريالية مثل اليوم نفسه. رائحة الحهواء كالحطب المشتعل. السماء باللونين الأزرق والأرجواني. أدى الناس صلاة المغرب. نسمة خفيفة مسّت وجهي، تحولت الخيام المؤقتة إلى معسكر. وقفت في الشمال الشرقي لميدان التحرير، ليس بعيداً عن مسجد عمر مكرم، وهو اسم قائد مصري معارض برز اسمه مع الغزو الفرنسي لمصر عام 1798. ومع نهاية الصلاة، وقعت عيناي عبر فتحة بخيمتهم على مجموعة من الأشخاص يحملون جهاز راديو صغير. رأيتهم يقفزون فرحاً في الهواء. وتبعهم جميع من في الميدان في تناغم مذهل. لقد تنحى مبارك.

لم أر لوناً إلا الأحمر بعد ذلك –أضاءت الألعاب النارية السماء، وأضاءت اللهب أعين الناس. الشغف كان كبيراً. كنت تحت تأثير نفس المخدر المبهج الذي يتنفسه الميدان. شعور لا يصدق بالسعادة تفشل الكلمات في وصفه. أدركت أنني لم أكن قادرة على السيطرة على حركتي في رقصة جماعية لسعب في حالة نشوة من حلق تحقق. أتذكر تفكيري في أن صوري لن تقدر على تجسيد حجم الحدث. لم أمر بحدث كهذا الحجم من قبل. كانت دوامة من الصور والأوات العابرة. لا طريق إلى تذوق اللحظة بالكامل. الأصدقاء حول العالم، بينهم من لم نتواصل سوياً منذ سنوات، أرسلوا لي للتهنئة: ”المصريين فعلوها! ما هو شعورك وأنت في قلب الحدث؟“

لم أكن قادرة بحق على الإجابة. قصة التحرير يجب أن تعيشها من أجل أن ترويها.

لورا الطنطاوي – مصورة مصرية تعيش في لندن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى