إعلامسياسة

مسؤول سابق بقناة الجزيرة: هكذا أخطأنا وأصبحنا مجرد ظلّ

أسامة سعيد: مع تراجع الثورات العربية تراجعت الجزيرة

الجارديان – أسامة سعيد – ترجمة: محمد الصباغ

 

قبل خمسة أعوام، أخذ العالم برؤيته لملايين المصريين يطيحون بطاغية بعد عقود من الحكم بقبضة حديدية.

شاهد العالم كل ذلك من خلال التغطية المشهودة على الجزيرة، فيما وصفت بلحظة انتشار مفاجئ للشبكة حول العالم. شاهد المتظاهرون في التحرير أنفسهم على قناة الشبكة العربية، ونصبوا شاشة سينما في الميدان باستخدام أقمشة بيضاء.

كانت الجزيرة أول وسيلة إعلامية تتخطى الحدود، وتصنع القصص حول الأشخاص العاديين، وتوجه أسئلة محرجة لحكامها. هذا التوجه جعلها ظاهرة إعلامية،  و أكثر القنوات الإخبارية متابعة في المنطقة ،بالرغم من ظهور العديد من المنافسين مؤخراً.

كان للشبكة طرقاً متباينة في التعامل مع الثورة. وقال بعض الإعلاميين قديمي الطراز إن عملهم كان ببساطة تغطية الأحداث، وليس التشجيع عليها.

ربما يكون الأمر كما أوضحه جورج أوريل، أن تداول الحقيقة في وقت التضليل هو فعل ثوري. أما الآخرون، كوضاح خنفر المدير العام آنذاك، فصرح قائلاً:” المستقبل الديمقراطي الذي حلمنا به كان قد وصل.“

وبالعودة مرة أخرى خمس سنوات إلى الامام، أصبحت الثورات في أزمة لبعض الوقت. وميراث الجزيرة ،الذي نمى معها، سقط أيضاً. جاء المستقبل، لكن ليس ما حلمنا به خلال النشوة الأولى.

أدان الكثيرون في الشرق الأوسط الجزيرة بسبب المذابح والفوضى التي حدثت. هؤلاء المنتقدون لا يرون عدم الاستقرار كحصاد مرير لا مفر منه بسبب الطغاة. يعتقدون أن الطغاة يمكنهم الحكم مدى الحياة وأن الاحلام والروح التي رأيناها في 2011 يمكن بطريقة ما قهرها بشكل دائم- لو قبل الجميع بكل بساطة الفساد والاستبداد، كل شئ سيكون على ما يرام.

رد فعل الجزيرة على التراجع الثوري غير كاف. بعض منه كان يمكن توقعه. الأزمات في سوريا ومصر ، والدول الأخرى أصبحت شخصية جداً لهؤلاء المشتتين الذين يعتمدون في تناول الأحداث على الجزيرة. والمغتربين الذين يشكل بعضهم قاعدة كبيرة من العاملين في القناة. وقد عايشوا كل عملية قتل وسجن وظلم.

وتجلى ذلك في التغطية التي اعتُبر أن محركها هو تصفية الحسابات القديمة، بدلاً من أإضاءة الطريق نحو  الحرية والرخاء.

تعود معانا وانتكاسات  الثورات  بشكل كبير إلى  الفشل في التخطيط. كذلك في “الجزيرة: حتى الملتقى السنوى للشبكة، الذي هدف إلى جمع اللاعبين السياسيين في المنطقة، لم يتم الاستفادة منه للتخطيط للمستقبل بشكل تفصيلي. هناك القليل  فقط من المؤسسات التقدمية في العالم العربي ويجعل ذلك من المؤسسة الإعلامية الأكثر نفوذاً في المنطقة أكثر أهمية. بدلا من ذلك ، سببت التخفيضات المالية  من الدولة القطرية ذعراً في الشبكة.

بجانب انخفاض أسعار النفط، هناك تخمين حقيقي بأن الدولة تقلل من دعمها بسبب كل ”المشاكل“ التي سببتها الجزيرة مع جيرانها. زعم تقرير مؤخراً أن الشبكة منعت مقالاً بسبب ضغط من السعودية.

أغلقت الجزيرة امريكا مؤخراً بعد عامين فقط وأكثرمن استثمارات وصلت قيمتها إلى أكثر من 2 مليار دولار. شعر العاملون ب”الجزيرة أمريكا“ بالإحباط لأن الاحتمال الوحيد لمنافسة سي إن إن وبي بي سي ورلد قد توقف ل18 شهراً، مع عدم استبدال الطاقم الكفؤ المغادر. وفي نفس الوقت، لا تتخذ الشبكة موقفاً بسببه يكون دعمها مستمراً.

حاول مؤخراً توني هال، المدير العام لبي بي سي، تبرير تمويل مؤسسته مرجعاً ذلك إلى دعم الديمقراطية وبالتالي هي ليست فقط في حاجة إلى الاستمرار في بثها بلغات كالعربية والروسية والفارسية وأخريات، بل التمدد إلى كوريا الشمالية. قد يتناقش البعض في تأثير مثل هذا الانتشار، لكن الجزيرة هي القية الأساسية حين تحاول أن تكون قوة لتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط. يجب أن يهتم العالم بذلك لأن المزيد من الحريات والأمل في المستقبل سوف يوقف تمدد الجماعات المتطرفة مثل داعش.

الجزيرة ظل لما كانت عليه تحت قيادة صاحب الكاريزما خنفر. توقفت عن التعبير عن هدف أكبر، توقفت عن وضع أجندة لها، ويبدو انها لم تعد تشير بإصبعها إلى النبض –القلب. الوفود الكبيرة البارزة التي كانت تتجه نحو مقر الشبكة لتعرف ما يدور بالشرق الاوسط توقفت. يبدو أن لا أحد يهتم أو يسأل عن سبب امتلاك الشبكة لمدير عام مؤقت، مصطفى سواج، لحوالي 3 سنوات، أو كيف تستطيع متابعة مهمتها في غياب القيادة التي تمتلك صلاحيات.

هناك الكثير على المحك. يجب على الجزيرة أن تدرك أكثر الموقف، وتتوقف عن العيش بمفردها في الماضي، وتبدأ في إثارة العالم مرة أخرى بأفكارها وشغفها. وحتى مع وجودها في بركة ضحلة، تبقى المؤسسة الأكثر تقدمية في العالم العربي. يجب أن تدرك هذا الأمر وتعبر عن قوتها بشكل أفضل. بمجرد أن تفعل، ستجد الأشخاص يتطلعون إليها من جديد.

أسامة سعيد: رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة بشبكة الجزيرة في الفترة من يناير 2011 إلى يناير 2011

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى