سياسة

وائل غنيم لنيويورك تايمز: الانترنت يهدم ولا يبني

نيويورك تايمز: غنيم أدرك أنه أخطأ في يناير 2011 حين اعتقد أن كل ما نحتاجه للتحرر هو الانترنت

نيويورك تايمز – توماس فريدمان – ترجمة: محمد الصباغ

شهدنا خلال السنوات القليلة الماضية عددا من ”ثورات الفيسبوك،“ بداية من الربيع العربي ومروراً بـ  “احتلوا وول ستريت” وميدان اسطنبول وكييف وهونج كونج، تم الشحن لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لكن مع انتهاء الزخم، فشلت أغلب تلك الثورات في بناء أي نظام سياسي دائم، والسبب قد يكون تضخيم الكثير من الأصوات، فأصبح البناء بشكل دائم مستحيلاً.

“السؤال: هل يعني ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي “أفضل في القضاء على الأشياء بدلاً من صنعها؟

أجاب أحد الأشخاص المهمين في الشهر الماضي عن هذا السؤال وكانت إجابته واضحة بـ “نعم”. هذا الشخص هو وائل غنيم – الموظف المصري بشركة جوجل والتي ساعدت صفحته المجهولة على فيسبوك في بدء ثورة ميدان التحرير في بدايات 2011 وإسقاط الرئيس حسني مبارك- لكنه فشل بعد ذلك في إيجاد بديل ديمقراطي حقيقي.

في ديسمبر، تجدث غنيم عبر ”TED talk“ حول الأخطاء. كان من المهم متابعته وبدأ بقوله: ”قلت ذات مرة، لو أردت أن تحرر مجتمعا، فكل ما تحتاجه هو الإنترنت. كنت مخطئاً. قلت تلك الكلمات في 2011، عندما ساعدت صفحة على فيسبوك في إطلاق شرارة الثورة المصرية. كشف الربيع العربي عن أعظم امكانيات مواقع التواصل، لكن أيضاً أبرزت عيوبها. نفس الوسيلة التي وحدتنا وجعلتنا نسقط الديكتاتوريات، سرعان ما مزقتنا.“

في بدايات الألفية بدأ العرب في التدفق إلى الانترنت، ويواصل غنيم: ”التعطش إلى المعرفة، والفرص والتواصل مع بقية الأشخاص حول العالم، هربنا من إحباطات الواقع السياسي ودخلنا في حياة افتراضية بديلة.“

وأشار غنيم أنه مع بداية يونيو 2010، ”حوّل الإنترنت حياتي إلى الأبد. فبينما أتصفح فيسبوك، رأيت صورة… جثة بها أثار تعذيب لشاب مصري. اسمه خالد سعيد. كان خالد في عمر ال29، من الإسكندرية، وقتل على يد الشرطة. رأيت نفسي في تلك الصورة…. دون إبراز هويتي، أنشأت صفحة على فيسبوك باسم (كلنا خالد سعيد)، وفي خلال 3 أيام فقط، جمعت الصفحة أكثر من 100 ألف معجب، من المصريين الذين لديهم نفس المخاوف.“

سريعاً، استخدم غنيم وأصدقاءه موقع فيسبوك لجمع الأفكار، و”جمعت الصفحة أكثر المعجبين من بين صفحات الموقع في العالم العربي.. وسائل التواصل الاجتماعي كانت أمر حيوي في تلك الحملة. ساعدتنا في إنشاء حركة لامركزية. جعلت الناس يدركون انهم ليسوا وحدهم. وصار من المستحيل أن يستطيع النظام إيقافها.“

تعقبت أجهزة الأمن المصرية غنيم بعد ذلك وتعرض للضرب ثم احتجز بمعزل عن العالم الخارجي لمدة 11 يوم. لكن بعد إطلاق سراحه بثلاثة أيام، أسقط ملايين المتظاهرين ،الذين ساعدت صفحته على فيسبوك في حشدهم، نظام مبارك.

لكن للأسف الشديد، انتهى وقت الابتهاج، ويقول غيم أن السبب ”أننا فشلنا في بناء توافق، وقاد الصراع السياسي إلى استقطاب كبير.“ ويضيف أن وسائل التواصل الاجتماعي ”فقط، ضخمت“ من الاستقطاب ”من خلال تسهيل انتشار المعلومات الخاطئة، والشائعات، وخطابات الكراهية. كانت البيئة حينذاك مسممة تماماً. أصبح عالمي الالكتروني أرض معركة مليئة بالتصيد والأكاذيب وخطابات الكراهية.“

استخدم مؤيدو الجيش والإسلاميين مواقع التواصل الاجتماعي في تشويه كل منهما للآخر، في حين أن مركز الديمقراطية –ميدان التحرير- الذي شغله غنيم وكثيرون أصبح مهمشاً. سرق الإخوان المسلمون ثورتهم، وعندمنا فشلوا، فعل ذلك الجيش، والذي ألقى بعد ذلك الفبض على كثير من الشباب العلماني ممن خدموا الثورة في البداية. ثم أنشأ الجيش صفحته الخاصة على فيسبوك للدفاع عن نفسه.

ويتابع غنيم: ”كانت لحظة هزيمة. ظللت في حالة صمت لأكثر من عامين.“

وهذا ما توصل إليه حول وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الأيام. قال وائل غنيم: ”بداية، لا نعرف كيف نتعامل مع الشائعات. الشائعات التي تؤكد تحيزات الأشخاص يتم تصديقها الآن وتنتشر بين ملايين الأشخاص. ثانياً، اتجهنا فقط للتواصل مع الأشخاص الذين يتفقون معنا، والفضل يعود للسوشيال ميديا، يمكننا التجاهل أو عدم متابعة أو حتى حظر أي شخص آخر. ثالثاً، المناقشات الالكترونية سريعاً ما تصل إلى الحشود الغاضبة… وكاننا قد نسينا ان الأشخاص خلف الشاشات هم بالفعل حقيقيون.“

ويضيف غنيم: ”رابعاً، أصبح من الصعب جداً تغيير وجهات نظرنا. بسبب سرعة وإيجاز وسائل التواصل الاجتماعي، أجبرنا على تخطي فكرة الاستنتاجات وكتابة آراء حادة في 140 حرفاً حول شأن عالمي معقد. وعندما نفعل ذلك، تبقى للأبد على الانترنت.“

خامساً، والأكثر أهمية، يقول: ”اليوم، تجاربنا عبر السوشيال ميديا تصمم بطريقة تفضل البث بدلاً من التفاعل، النشر بدلاً من المناقشات، تعليقات سطحية حول موضوعات عميقة… كما لو أننا اتفقنا على أننا هنا للحديث عن الآخر بدلاً من الحديث مع الآخر.“

لم يفقد غنيم الأمل. أنشأ مع قليل من أصدقائه موقع (Parlio.com)،  لإستضافة حوارات ذكية بناءة حول القضايا المثيرة للجدل، بهدف تقليل الفجوات في الآراء لا زيادتها. (شاركت في مناقشة بالموقع ووجدت مشاركة وموضوعية.)

ويختتم غنيم حديثه: ”منذ 5 سنوات، قلت إننا لو أردنا تحرير المجتمع فكل ما نحتاجه هو الانترنت. اليوم أعتقد أننا لو أردنا تحرير المجتمع، في البداية علينا تحرير الانترنت.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى