ثقافة و فنمجتمعمنوعات

جعلوني امرأة: القصة المأساوية للتوأمين بروس وبراين

القصة العجيبة للتوأمين بروس وبراين

حصلت قصة جون /جوان على اهتمام إعلامي واسع
حصلت قصة جون /جوان على اهتمام إعلامي واسع

 

كتبت- ريم الدفراوي

كان “جون موني” يحظى بتقدير المجتمع العلمي كعالم نفس وخبير في السلوك الجنسي، وقد اكتسب شهرة خاصة بعد زعمه، بعكس الاعتقاد السائد وقتها، أن “الهوية الجنسية” يتم اكتسابها من خلال التنشئة لا مع تكوّن الجنين. مع ذلك، وبعد سنوات عديدة،  اكتشف العالم والمجتمع العلمي أن تجربة “موني” الأكثر شهرة والتي استخدمها مرارا لدعم مزاعمه بخصوص الهوية الجنسية كانت معيبة على نحو جوهري. وكان موضوع هذه التجرية هو عملية تغيير الجنس التي خضع لها “بروس ريمر”، فيما أصبح لاحقا يعرف باسم تجربة “جون/جوان”.

من بروس إلى بريندا
في عام 1966، خضع التوأمان “بروس وبراين” إلى عملية الختان كعلاج لبعض مشاكل التبول التي كانا يعانيان  منها. وأدت عملية ختان فاشلة إلى فقدان “بروس” لقضيبه وكان يبلغ من العمر وقتئد ثمانية أشهر فقط. وقتها، أقنع “جون موني” والدي الطفل أن جراحة تغيير الجنس هي الحل الوحيد للتغلب على المشكلة فلم يكن الطب وقتها يعرف عمليات إعادة بناء الأعضاء التناسلية. وفي سن 22 شهرا، خضع “بروس” لعلمية جراحية لإزالة خصيتيه، وتم تغيير اسمه إلى “بريندا”.

أوصى “موني” بعد العملية بعلاج هرموني، وبإجراء عملية جراحية لشقّ مهبل صناعي للطفلة وهو ما رفضه والدا “بريندا”، كما وجه تعليماته الصارمة للأب والأم بتجنب الكلام عن الحالة مع “بروس” (بريندا) وأصر على أنه لا يجب لـ”بروس” أن يعرف أبدا أنه لم يكن فتاة منذ الولادة. وقد حاولت الأم  كل ما في وسعها لتربية “بروس” كأنثى، فكانت تلبسه ملابس الفتيات، وتعامله كما تعامل الفتيات، وعلمته كيف يضع مساحيق التجميل وكيف يتصرف كامرأة. وفي الوقت نفسه، استمر “موني” في استقبال الأخوين في مختبره ببالتيمور بشكل سنوي لمتابعة تطور الحالة.

أصبحت القضية معروفة على نطاق واسع في الأوساط الطبية في جميع أنحاء العالم باسم قضية “جون/جوان”. وقد أورد “موني” تقريره الكامل عن الحالة في كتابه “رجل وامرأة، فتى وفتاة (جون موني، 1972)” والذي كان له أثر ملحوظ على طرق العلاج الطبي في ذلك الوقت. كما استخدمت الحالة من قِبَل ناشطات نسويات كدليل علمي على أن الإنسان يولد بلا جنس ويتم جنوسته لاحقا عن طريق الثقافة والتنشئة، فنجد أورزولا شوي مثلا تستشهد بتجربة “موني” في كتابها “أصل الفروق بين الجنسين” والذي تستهله بهذه العبارة:  “نحن لا نولد بناتا أو صبياناً، إنما يجعلون منا هكذا.”

ومع ذلك، كان “جون موني” قد أخفى وحرّف الكثير من الحقائق، ورفض الاعتراف بأن التجربة فشلت فشلا ذريعا منذ البداية.  كان “بروس” يبغض ملابسه الأنثوية، وكان يمزق ثيابه، ولم يتمكن من تعلم المشي كفتاة، كان يمشى دائما مثل الذكور، وكان يكره شعره الطويل، ويهشم كل الدمى التي تهدى إليه، ولم يرغب أبدا في القيام بأي من الأنشطة التي تقوم بها الإناث في العادة. كان “بروس” يشعر في قرارة نفسه أنه صبي.

منذ البداية كان بروس يشعر في قراراة نفسه بإنه صبي لا فتاة

وبالإضافة إلى معاناته بالمنزل، كان ذهاب بروس إلى المدرسة يحمل له المزيد من المعاناة، فقد كان يُعامل باستمرار وكأنه غريب، يتعرض للإهانات والإذلال بشكل مستمر من أقرانه، وعلى حد تعبير زميلة سابقة له: “كان الجميع ينظر إلى بريندا كمسخ، مخنث، وكانت تتلقى جميع أنواع الإهانات يوميا من زملاء الدراسة، وعلى عكس البنات اللاتي كن يتحاشين الشجار مع الصبيان، فإن بريندا كانت تجادل الصبيان وكانت معاركها معهم شرسة بحيث كانت تخلّف لها خدوشا وجروحا. ”
وعلى حد قول شقيقها التوأم، براين: “الفرق الوحيد بين أخي بروس وأنا هو أن شعره كان طويلا بينما كان شعري قصيرا. فيما عدا ذلك، كنا متساويان.”

تلقت “بريندا” علاجا هرمونيا حتى سن البلوغ على الرغم من تشكك والديها بنجاح هذا العلاج. وعند بلوغها سن المراهقة، أصبح صوتها ذكوريا خشنا، كما صار منكبيها عريضان وظهرت عضلات رقبتها قوية نافرة، كما كان في عينيها نظرة ذكورية جذابة. ورغم ذلك كله، استمر “موني” بالضغط على العائلة لإخضاع بروس (بريندا) لعملية شق المهبل.
ولكن بروس احتجّ على إجراء العملية قائلا انه لم يكن في حاجة لعملية جراحية، وهدد بالانتحار إذا أجبره والداه على السفر مرة أخرى إلى بالتيمور للتشاور مع موني. في ذلك الوقت، كان بروس قد حاول الانتحار بالفعل ثلاث مرات، وكانت آخر محاولة له قد تركته في غيبوبة بعد أن تناول جرعة زائدة من الحبوب.
عندئذ قرر والد بروس (بريندا) إخباره بحقيقة ما حدث منذ ولادته. كان بروس في الخامسة عشر وقتها وكان شديد الحنق على الطبيب الذي تسبب في ضمور عضوه الذكري حتّى أنه هدد بالذهاب إلى ذات المستشفى ليجد الطبيب ويرديه قتيلا. وقد خلف له الغضب والإحساس بالعجز عن التصرف حالة عميقة ومزمنة من الاكتئاب.

بدأ بروس (بريندا) على الفور بتقديم نفسه كذكر، واستبدل اسم “بريندا” باسم “ديفيد”. ثم قام بقص شعره وبدأ في اللباس والتصرف كذكر، كما خضع لعملية لإزالة الثديين الذين حفّز نموهما العلاج الهرموني وقرر ألا يرى “موني” مرة أخرى في حياته.

لم ينشر “موني” أية أوراق بحثية أو تقارير علمية عن الحالة بعد توقف زيارات المتابعة وانقطاع صلته بالعائلة ولكنه ظل، لعدة سنوات، يتحدث عن نجاحه في تشكيل هوية “ديفيد” الأنثوية، كما كان يستخدم التجربة للتدليل على إمكانية تغيير الجنس جراحيا حتّى في غير حالات “الثنائية الجنسية” أو “الخنوثة”. كتب “موني”: “سلوك الطفل (ديفيد) هو سلوك فتاة صغيرة نشطة ويختلف كثيرا عن السلوك الصبياني لأخيه التوأم (براين)”. وفي وقت لاحق، أصيب “براين”، الأخ التوأم ل”ديفيد” بالفصام.

حظيت قصة “ديفيد” باهتمام إعلامي مرة أخرى في عام 1997 بعد أن أطلع عليها “ميلتون دياموند”، وهو أكاديمي متخصص في علم الجنس ومعارض لنظريات ميلتون حول الهوية الجندرية وجدوى عمليات تحويل الجنس في غير حالات الثنائية الجنسية. حاول “دياموند” إقناع “ديفيد” بأن يسمح له بتوثيق نتائج التجربة من أجل إثناء الأطباء عن اتباع ذات الأسلوب في حالات مماثلة وقام بنشر ورقة بحثية يدض فيها مزاعم
موني” وغيره من الأطباء الذين استخدموا عمليات تحويل الجنس ليس فقط في حالات ضمور الأعضاء التناسلية المشابهة لحالة ديفيد وإنما أيضا في حالات صغر حجم القضيب الذكري. وبعد فترة وجيزة من مقابلة “ديفيد” و”ميلتون”، قرر ديفيد إطلاع العالم على قصته في لقاء صحفي تم نشره بمجلة رولينج ستون في ديسمبر كانون الأول عام 1998.

رفض دكتور موني تماما الاعتراف بالمشكلات التي كان يعانيها بروس

تمرينات جنسية

يتحدث ديفيد عن أحلك ذكرياته كطفل، بعد سنوات من عدم القدرة على الحديث عنها، فيروي “ديفيد” كيف أن “موني” كان يجبره وشقيقه التوأم (بريان)، خلال زيارات المتابعة السنوية، على تمثيل بعض الأوضاع الجنسية بحيث يلعب ديفيد/بريندا دور المرأة فيستلقي على ظهره ويقوم أخوه باعتلائه، وفي بعض الأحيان كان يطلب “موني” من براين أن يقف منتصبا بينما يركع ديفيد على أطرافه ليقوم “براين” بعد ذلك بمداعبة مؤخرة أخيه. يروي بروس بعد سنوات: “كان موني يصرخ في وجهي، آمرا إياي أن أخلع ملابسي ولكني لم أكن أرغب في خلعها فكنت اتسمر دون حركة، فكان يصرخ، وكنت أخاف أن يضربني فكنت أخلع ملابسي وأبقى عاريا وأوصالي ترتعد”. وكان “موني” يزعم أن هذه “التمثيليات الجنسية” خلال الطفولة تساعد على تطور الهوية الجنسية بشكل صحي عند البلوغ.

نجح ديفيد في استعادة عضوه الذكري من خلال عدة عمليات جراحية، كما تزوج لاحقا وأصبح أبا  بالتبني لثلاثة أطفال. واستقرت أوضاعه المالية بعد أن قام جون كولابينتو (المحرر الذي نشر قصة ديفيد بمجلة رويلينج ستون من قبل) بنشر قصة ديفيد في كتاب سماه “الصبي الذي نشأ كفتاة” وسلم ديفيد خمسين في المئة من عائدات الكتاب الذي وصل إلى قمة الأكثر مبيعا لمجلة النيو يورك تايمز وقتها وحقق صدى واسعا حتّى أن بيتر جاكسون، مجرج ومنتج ثلاثية “مملكة الخواتم” الشهيرة، قام بشراء حقوق تحويل الرواية إلى فيلم. وقد تمكن ديفيد بفضل ذلك كله من الحصول على بعض الهدوء والسلام النفسي والاستقرار، أو هذا ما كان يبدو على الأقل.

انهيار

إلا أن تلك القصة التي بدأت بمآساة قد قدر لها أن تنتهي بمآساة، ففي عام 2002، توفي براين، شقيق “ديفيد”، بسبب جرعة زائدة من أدوية الفصام. وفي 5 مايو 2004، بعد أن عانى سنوات من الاكتئاب الشديد، وعدم الاستقرار المالي، ومتاعب الزواج، أنهى “ديفيد ريمر” حياته فيما حمّل والديه “جون موني” مسؤولية وفاة التوأمين.

وبهذا الفشل المدوّي، انهارت تماما مزاعم “موني” القائلة بأن الهوية الجنسية تتشكل من خلال التعليم والتعلم، أو أنه يمكن تهيئتها اجتماعيا. ومع هذا، فقد ادعى “موني” أن تعاطي وسائل الإعلام مع “الفضيحة” كان سببه هو تحيّز وسائل الإعلامية اليمينية ضد الأفكار النسوية. وزعم أن منتقديه يعتقدون بأن الأنوثة والذكورة تورّث جينيا حتّى يتسنّى لهم حبس المرأة بغرفة النوم والمطبخ. إلا أنه كان من بين منتقديه نشطاء ثنائيي الجنس اتهموا “موني” بالتسبب في تدمير حياة آلاف من الأطفال الذين خضعوا لعمليات مشابهة بعد أن روّج موني لنجاح حالة “جون/جوان” .

 

مصادر: اضغط على الرابط

1- The Death of David Reimer

2-Who was David Reimer ?

3-John Colapinto

4-The Boy who was Turned into a Girl

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى