سياسةمجتمع

واشنطن بوست: هاربون من داعش.. إلى تصفيف الشعر

واشنطن بوست: هاربون من داعش.. إلى تصفيف الشعر

واشنطن بوست- هاج نيلور ومصطفى سالم

ترجمة- محمد الصباغ

كل شيء متناقض تقريبًا بين حلاقين عراقيين، في أحد محلات تهذيب الشعر، وبين المسلحين المدججين بالأسلحة الذين يسيطرون على بلدات هذين الشابين.

هم مهرة في تجفيف الشعر وتصفيفه بشكل رائع، وهو ما يحاول تنظيم الدولة الإسلامية محاربته. يصنعون تسريحات صعبة كالتي يمتلكها الرياضيون. يشربون ويدخنون ويسبّون، كل الأفعال التي يعاقب عليها التنظيم.

عانوا كثيرًا بسبب مسلحي التنظيم السني المتطرف، الذي اجتاح بلداتهم وقتل أفراد من عائلاتهم ومن أصدقائهم.

يقول أركان إسماعيل، 21 عامًا، أحد الشابين: ”داعش عدونا، وعدو العراق. حاولوا قتل جميع قبيلتي.“ هرب إسماعيل من مدينته ”هِيْت“ بعد وقت قصير من استيلاء الدولة الإسلامية عليها منذ عامين. قاومت قبيلته -البو نمر- المسلحين، ودفعت الثمن باهظًا. قتل التنظيم المئات، وألقى بعشرات الجثث في مقبرة جماعية قرب هيت، في محافظة الأنبار غرب العراق.

تحدث إسماعيل عن قتل التنظيم لعمه وأطفاله الثلاثة في وضح النهار. وقال وهو يلعن التنظيم ويصف كيف استطاع الهرب مع عائلته: ”لو بقيت هناك لقُتلت.“ حررت القوات العراقية المدينة لكن الخطر ما زال قائمًا هناك، وتابع أن ابن عمه وصديقه قتلا إثر انفجار سيارة في الأيام الأخيرة. وأعلنت الدولة الإسلامة مسؤوليتها عن الهجوم.

اعتداءات مسلحي داعش وهجمات القوات العراقية أجبرت ملايين العراقيين على النزوح من موطنهم، من بينهم أربعة حلاقين في المحل الذي نتواجد به.

يتفاخر صاحب العمل بتوظيفه لأبناء مدينته النازحين. في الحقيقة، قال إنها سياسة يتعمد انتهاجها. وتابع بشرط عدم ذكر اسمه بسبب المخاوف الأمنية: ”هذه طريقتي في مساعدتهم ومساعدة بلادي.“

في محل الحلاقة، دائما يكون هناك ضوضاء بسبب الأحاديث المتواصلة والمزاح. حيث يفضل الموظفون عنده الحديث عن آخر الصيحات في تصفيفات الشعر بدلًا من الحديث عن النزاعات الطائفية التي قسمت العراقيين.

أصر صاحب العمل على أن الطائفية لا مكان لها في محله. هذا لتعزيز مناخ من التوافق كان موجودًا في عصور سابقة حين لم تمانع الطائفتان العمل مع بعضهما البعض أو الزواج من دين آخر.

وحينما سألت صاحب العمل عن ديانته قال: ”أنا عراقي.“

وضّح محمد سلطان، 29 عامًا، طريقته في تهذيب الشعر واللحية بطريقة مثالية، كاللحية الأنيقة التي يطلقون عليها ”تاتو“.

قال سلطان الذي نزح من الموصل في شمال العراق بعدما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة عام 2014 ”لا يهم كونك جيدًا في تصفيف الشعر أم لا، الأمر يعتمد على امتلاك مهارة في يديك.“ بعدما استولى التنظيم على المدينة، ألقوا القبض على شقيقه، يونس، الذي اختفي منذ ذلك التوقيت، ويتوقع أنه قد قتل.

المحل في ذاته لا يلفت الأنظار، فالكراسي والمعدات تبدو قديمة. لكن يوميًا يأتي عشرات الأشخاص، ويبحث أغلبهم عن أحدث صيحات تصفيفات الشعر.

غادر صاحب الـ27 عامًا مدينته الفلوجة مع عائلته عام 2008، بعد ما قام به متشددون تابعون لتنظيم القاعدة، ثم احتلتها القوات الأمريكية. فقررت عائلته في ذلك التوقيت الرحيل.

رفض نوري الحديث عن الاضطرابات التي واجهها عندما كان طفلًا. لكنه أظهر بعد جدال عن الوشم الذي يزين ذراعه اليسرى.

وعند سؤاله عما يرمز إليه، قال: ”لا أعلم. كنت ثملًا عندما حدث ذلك.“

شكك في إمكانية عودته مرة أخرى إلى الفلوجة، فالمدينة تواجه خطر التدمير الكامل مع استمرار المعارك فيها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ككل العراقيين ترك نفسه لمستقبل مجهول. لكنه على الأقل لديه فريقًا من الأخوة مصففي الشعر.

قال: ”عانينا جميعًا. لهذا يدعم كل منا الآخر.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى