اقتصادسياسة

قوانين أكلها القط.. (1) الإيجار القديم “يهدد الأمن القومي”

قوانين أكلها القط.. (1) الإيجار القديم “يهدد الأمن القومي”

تحقيق – سلمى خطاب

خلال العام الماضي نوقش عدد كبير من مشاريع  القوانين التي شغلت الرأي العام، وأثارت جدلًا واسعًا واقتربت من الصدور رسميا عبر مجلس النواب، ثم اختفت فجأة كما ظهرت،  بعض هذه القوانين لم تتم مناقشتها في الجلسات العلنية للمجلس، والبعض الآخر تم إقراره والموافقة عليه، ثم اختفي في ظروف غامضة.

يرصد زحمة في هذه السلسلة مجموعة من تلك  القوانين التي ظهرت وأثارت الجدل ثم اختفت فجأة.

أولا:  قانون الإيجار القديم “خطر يهدد الأمن القومي”

قال الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أول أمس الأحد ، إن هناك 10 ملايين شقة مغلقة في مصر، منها 935 ألف  شقة مغلقة لوجود أصحابها في الخارج، و3 ملايين وحدة مغلقة لوجود سكن آخر للأسرة، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان قضية “الإيجار القديم” في مصر، الذي يسمح بتوريث عقد الإيجار ودفع مقابل زهيد جدا لوحدات سكنية أو تجارية في مناطق راقية، نتيجة استمرار عقد الإيجار منذ عشرات السنوات بقوة القانون القديم، كما يسمح للكثير من مستأجري شقق الإيجار القديم بغلق الشقة ليستخدمها الأبناء فيما بعد، أو تأجيرها من الباطن لآخرين.

كان النائبان معتز محمود وإسماعيل نصر الدين  قد تقدما في أكتوبر الماضي، بمقترح لتعديل قانون الإيجار القديم، ثم أعدت وزارة الإسكان مقترحا آخر لتعديل القانون، أثارت المقترحات موجات واسعة من الهجوم على مشروع القانون، خاصة حين تزايدت شائعات موافقة البرلمان عليه وإقراره، إلا أن الحديث عنه اختفى فجأة بعد تصريحات رئيس المجلس الدكتور على عبد العال أن القانون لم تتم مناقشته بعد.

Untitled
أحد الأخبار التي أعلنت خطأ الموافقة على تعديل قانون الإيجار القديم

وفي 5 يناير أعلن النائب معتز محمود مقدم القانون أن  رئيس مجلس النواب الدكتور على عبد العال قد أحال مشروع القانون إلى لجنة الإسكان لمناقشته، لكن عبد العال نفي هذا الأمر خلال الجلسة العام للمجلس يوم 16 يناير، حيث قال «هذا القانون مثله مثل أي قانون.. فلأي نائب الحق في التقدم بمشروع  قانون.. ولكن هذا القانون لم يتم مناقشته في لجنة الإسكان أو المجلس»، بحسب ما ذكرت صحيفة الشروق.

أبرز نصوص القانون المثيرة للجدل في قانون النواب: 

ووفقًا للمقترح الذي تقدم به النائبان فإن أبرز المواد المثيرة للجدل في القانون هي المواد التي تنهي بقوة القانون عقود ايجار الاماكن المؤجرة لغير أغراض السكن والمخصصه لمزاولة نشاط تجارى أو صناعى أو تجارى أو مهنى حرفى بوفاة المستأجر ولا تمتد إلا مرة واحدة وتكون مدتها 5 سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون، وتزداد القيمة الإيجارية خلال هذه المدة طبقا للجدول المرافق بالأحكام الانتقالية.

كما نص المقترح على زيادة سنوية تراكمية في قيمة إيجار الوحدة السكنية لمدة عشر سنوات، حتى يتم تحرير العلاقة الإيجارية نهائيا وفقا لأحكام القانون المدنى وتحسب الأجرة السوقية بعد انتهاء المدة الانتقالية المشار إليها فى هذا القانون.

كما منع مقترح القانون المستأجر من التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن إلا بعد موافقة المؤجر كتابة وإلا اعتبر العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى اعتذار أو إنذار أو حكم قضائى.

ونص أيضًا على فسخ العقد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إعذار أو إنذار أو حكم قضائى فى حالة عدم استعمال العين المؤجرة مدة تزيد عن 3 سنوات، وإثبات وجود سكن بديل للمستأجر سواء كان المستأجر فى مصر أو فى خارجها، ويجوز إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات.

مقترح وزارة الإسكان

في سبتمبر الماضي أعدت وزارة الإسكان مقترح بقانون أيضًا، لكنها لم تتقدم به رسميًا إلى المجلس حتى الآن ويشمل مقترح الوزارة، زيادة القيمة الإيجارية للأماكن السكنية المحكومة بقوانين إيجار الأماكن بنسبة من القيمة الإيجارية للأماكن السكنية المحكومة بقوانين إيجار الأماكن بنسبة من القيمة الإيجارية القانونية الأصلية، وذلك على 7 دفعات في أول يناير من كل عام ، ثم تزداد بعد ذلك بنسبة 5% سنويًا من آخر قيمة إيجارية في نهاية الدفعات السبع. 

كما ينص تعديل الوزارة في مادته الثالثةعلى إنشاء صندوق لدعم غير القادرين على سداد القيمة الإيجارية الجديدة للوحدات السكنية التى يسرى عليها القانون،ويحظر المقترح الامتداد المنصوص عليه فى المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 لعقود الإيجار المحررة فى ظل العمل بأحكامه إلا لمرة واحدة ولجيل واحد لأى من أقارب المستأجر وهم” زوجه أو أولاده أو أى من والديه”، الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك ينتهى بعدها عقد الإيجار بقوة القانون ما لم يتفق الطرفان المؤجر والمستأجر على خلاف ذلك رضاء.

المؤجر والمستأجر.. كل  يرى نفسه على حق

 محمود الملا هو أحد المستأجرين لوحدة سكنية بنظام الإيجار القديم يقول لـ«زحمة» إن كل ما يريده هو قانون يعطي المؤجر حقه كما يعطي المستأجر حقه، القانون الحالي لا يعطي المستأجر حقه، موضحًا أنه استأجر هذا المنزل منذ عام 1989 بإيجار شهري قيمته 32 جنيهًا، لكنه دفع مبلغ 20 ألف جنيه كـ”خلو رجل”،وقال «في نفس الوقت كان صاحب المنزل يبيع شقق العمارة بمبلغ 75 ألف جنيه، أي أنني دفعت ثلث ثمن الوحدة، إذا بلغت قيمة الوحدة حاليًا مليون جنيه، فمن الطبيعي أن يكون لي ثلث هذا المبلغ، لأنني دفعته، والتزمت بدفع إيجار شهري عن استخدامي للمنزل طوال هذه السنوات».

أما عائشة  على عثمان التي ورثت منزلًا عن عائلتها كله مؤجر بنظام الإيجار القديم، فقالت لـ«زحمة» إنها تؤيد تعديلات القانون التي تعطي للمؤجر الحق في استعادة الوحدات السكنية، وأضافت «هذه التعديلات تنهي مشاكل عديدة بين المالك والمستأجرين بنظام الإيجار القديم، ورثت أنا واخوتي منزلا عن أبي في منطقة الغورية، وكان كله مؤجر بنظام الإيجار القديم منذ الأربعينات، والمستأجرين حاليًا يتوارثون شقق هذا المنزل، إحدي الشقق تبلغ مساحتها 200 متر ويدفع المستأجر لها ثلاث جنيهات ونصف شهريًا، هل هذا معقول في الوقت الذي يحتاج أولادي فيه إلى السكن ولا أستطيع توفيره؟!»

وواصلت عائشة «بعض السكان لا يدفعون الإيجار ولا يوجد في القانون ما يلزمهم بدفعه، سوي اللجوء إلي المحكمة في قضايا تمتد لسنوات، وتكلف أعلي من قيمة الإيجار الذي قد أحصل عليه خلال سنوات المحاكمة كلها، فالقانون الحالي يعلق البيوت، لا نستطيع تأجيرها بقيمة عادلة ولا نستطيع بيعها، أجيال تتوارث المنزل دون تدخل من المالك، أشعر وكأنهم هم من ورثوا المنزل وليس أنا».

يعبث  بالسلام الاجتماعي

على الجانب الآخر، يقول  لـ«زحمة» المحامي محمد عبد العال المستشار القانوني لرابطة المستأجرين، إن «المقترح الذي تقدم به النائبان معتز محمود وإسماعيل نصر الدين يشبه كثيرًا المقترح الذي تقدمت به وزارة الإسكان إلى مجلس النواب قبل سنوات ولم يلاقِ رضا الملاك والمستأجرين، فالملاك هدفهم الأساسي هو تحرير العقود ورفع أسعار الإيجار وفقًا لأسعار السوق الحالية، وهذه الفكرة ستؤدي لتشريد الملايين ليس فقط من سكان الوحدات السكنية، ولكن أيضًا من مؤجرين المحلات التجارية التي يعتمدون عليها بشكل أساسي في كسب رزقهم».

وأضاف عبد العال «مقترح القانون القديم لم يتم تمريره وفي رأيي أن هذا ما سيحدث مع مقترحات الجديدة للقانون، لأن هذا القانون يعبث بالسلام الاجتماعي للمجتمع، خاصة وأن مقترح النواب الجديد ينحاز لملاك المنازل على حساب المستأجرين، دون الأخذ في الاعتبار عدة أمور يجب مراعتها عند الحديث عن تعديلات لهذا القانون، وهي أن العلاقة بين المؤجر والمستأجر نشأت في ظل قوانين قائمة بالفعل وكان طرفي العقد على علم وموافقة بمواد هذا القانون وأبرموا العقود بناء على هذا القانون،  أما الأمر الثاني هو أن المستأجرين بالنظام القديم دفعوا بالفعل مبالغ ومقدمات كبيرة تحت اسم “خلو الرجل” وهذه المبالغ كانت تمثل نسبة كبيرة من قيمة المنزل، كيف لا يلتفت القانون لهذا الأمر؟».  

وواصل عبد العال «الأمر الذي يجب العمل عليه حاليًا هو بدء إحصاء سليم عن الملاك والمستأجرين ووضع مقترحات قوانين بناء على إحصائيات ومعلومات سليمة لإعادة التوازن في العلاقة بين المالك والمستأجر بقانون الإيجار القديم».

وعن  مالكي المنازل، قال السفير أحمد خطاب عضو جمعية المضارين من قانون الإيجار القديم لـ«زحمة» إن «عائلته تمتلك منزلين إحداهما في منطقة السيدة زينب والآخر في منطقة مصر الجديدة، بالاتفاق مع السكان حررنا عقود بعض الشقق، وبعنا بعضهم، لكن هناك عدد لا بأس به من الشقق في العمارتين مازال إيجاره ثلاثة أو خمسة جنيهات، هل يعقل أن شقة مساحتها تتعدي المائة متر في منطقة مصر الجديدة يدفع لها إيجار ثلاثة جنيهات في عام 2017».

وواصل خطاب «الشقق تتوارثها الأجيال، بعض الشقق مؤجرة منذ الأربعينات ويعيش فيها الجيل الرابع حاليًا، حتي اضطر أخي لبيع بعض الشقق في عمارة مصر الجديدة بمبلغ 50 الف جنيه، كما أن هناك بعض السكان يغلقون الشقق ويرفضون تركها ولا يوجد في القانون الحالي ما يدلنا على كيفية التعامل معهم، فلا يوجد لا في الشريعة ولا في القانون ما يقول أن إيجار الشقق يظل على نفس قيمته منذ عشرات السنوات، وامتداد العقد القانوني لا ينتهي بانتهاء مدته أو بموت صاحبه».

ويري خطاب أن الحكومة ليست جادة في إجراء تعديلات جوهرية على القانون، حيث قال «معظم من تحدث عن تعديل القانون  في الصحف تحدث بطريقة مبهمة، لكن تقديري أن الشخصي كدبلوماسي سابق أن لا أظن أن الحكومة ستتحرك في الوقت الحالي لتعديل القانون لأن مبدأ السلام الاجتماعي بالنسبة إليهم حاليًا أهم، ومصالح الملاك تعد أقلية بالنسبة لهم، لن يغضبوا ملايين الأشخاص من المستأجرين من أجل قلة قليلة من الملاك مصالحهم مهدرة، وإذا حدثت تعديلات ستكون في أضيق الحدود».

Image may contain: 1 person
صورة على أحد منتديات المستأجرين القدامى

أين اختفت مقترحات القانون؟

منذ تصريحات رئيس مجلس النواب الدكتور على عبد العال بأن المجلس لم يناقش مقترح القانون بعد، اختفي الحديث عنه، مقدم المقترح النائب معتز محمود قال في تصريح لـ«زحمة»، إن المناقشات حول مقترح القانون لم تنته، وأن لجنة الإسكان ستعقد خلال هذا الأسبوع لجان استماع لمؤجرين ومستأجرين وفقًا لقانون الإيجار القديم الساري حاليًا، لبحث مشكلاتهم ومقترحاتهم للقانون الجديد.

وأضاف محمود، بنود هذا القانون تمس ما يقرب من 3 ملايين أسرة، لابد من دراسته جيدًا، كما أكد على أن بنود القانون المقترح لا تنص على أي إخلاء لأي من الوحدات السكنية المؤجرة حاليًا.

النائب معتز محمود

لكن على الجانب الآخر، قال النائب عاطف عبد الجواد عضو لجنة الإسكان داخل المجلس أن مناقشة هذا القانون ربما يتم تأجيلها إلي دور الانعقاد المقبل، موضحًا أن مناقشة هذا القانون تعد مسألة أمن قومي نظرًا لمساسه بحياة ملايين الأسر.

وأضاف عبد الجواد لـ«زحمة»، إن التقارير التي وصلت إلي اللجنة أوضحت أن الشارع المصري لن يتحمل أي زيادة في الأسعار حاليًا، كما نفي اتجاه اللجنة إلي عقد أي لجان استماع خاصة بهذا القانون لأن أولوية اللجنة حاليًا قانون تعويضات عقود المقاولات والتوريدات.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى