ثقافة و فن

ذا نيويوركر: نسخة طبق الأصل من “الملك توت”..لنحميه من “الروس”

ذا نيويوركر: نسخة طبق الأصل من توت عنخ آمون..لنحميه من “الروس”

ذا نيويوركر – Daniel Zalewski

ترجمة: محمد الصباغ – فاطمة لطفي

عمل الفنانون المصريون الذين زيّنوا غرفة الدفن الخاصة بالملك توت، على عجل، فقد مات الفرعون بشكل غير متوقع، في عمر التاسعة عشرة تقريبًا، ولم تصنع التجهيزات المطلوبة. تم رصّ الجص فوق طبقات من الحجر الجيري. وعلى الجدار الغربي للغرفة: اصطف 12 قردًا من البابون، وتظهر عدد من الزلات الموحية بالتسرع: فأحد القردة يفتقد لرسم أسود حول قضيبه.

وعند إحكام إغلاق مدخل الغرفة، منذ حوالي 3500 عام مضت، كان متوقعا أن تخلّد صور قردة البابون بجوار الآلهة إلى الأبد. لم يكن ذلك الأمل ساذجًا، فقد دُفن توت عنخ آمون في وادي الملوك. الهواء في هذا الوادي جاف تمامًا، وإذا بقيت الغرفة بلا تدخلات، فقد لا تتحلل إلا قليلًا خلال قرون.

بالفعل، عندما فتح الأثري البريطاني، هوارد كارتر، غرفة الدفن عام 1923، جاعلًا من توت عنخ آمون الغامض أيقونة لمصر القديمة، كانت الجدران الصفراء لا تزال  مبهرة وسليمة. صنع المصريون خطأ واحدا: فقد أغلقوا المقبرة قبل أن تجف الألوان ومومياء توت، فتغذت البكتيريا على الرطوبة، تاركة نقاطا بنية على خلفية صفراء كلون الفهد.

منذ ذلك الحين، توافد عشرات الملايين من السائحين إلى داخل الغرفة التي بحجم حجرة معيشة، ليجعلوها مجمعًا من الأنفاس والعَرَق، مما تسبب في تمدد الجص وانكماشه. وقال بهاء عبد الغفار، المسؤول الرسمي في الآثار المصرية، إن درجة الحرارة داخل مقابر الأقصر تتخطى أحيانًا 120 درجة فهرنهايت (48 مئوية) . وأضاف: “تخيل الرائحة في يوم مزدحم.”

وفي عام 2009، زار فريق من المرممين التابعين لمعهد جيتي لترميم الآثار، في كاليفورنيا، مقبرة توت ووجدوا أن بعض أماكن الرسم أصبحت ضعيفة بشكل خطير. نظفوا الجدران وثبتوا مواد لمنع تساقط الطلاء، في جهود لمواجهة الخسائر المحتملة في الرسوم.

مؤخرًا، زرت الأقصر. وخلال السنوات القليلة الماضية، دمر الإرهاب والاضطراب السياسي الاقتصاد السياحي المصري. مع ذهابي إلى وادي الملوك، شعرت وكأني أتسلل إلى متحف عالمي في منتصف الليل: كان المكان ملكيا لكن هذه الميزة كانت مربكة. قبل 2011، عندما كانت السياحة المصرية في قمتها، كان الآلاف يزورون مقبرة توت يوميًا. أما الآن، ففي مكان انتظار السيارات في حجم ملعب كرة القدم، تقف حافلة وحيدة تحت أشعة الشمس. والعربات الصغيرة كالترام التي كانت تنقل السياح بين المقابر مهجورة جوار كشك التذاكر، تقف جوار بعضها كالثعابين. يبدو وادي الملوك كمحجر أنيق، بمجرد وصولي إلى المقابر، كانت هادئة لدرجة أنني كنت أسمع صوت أي حجر صغير يدوسه حذائي.

تشييد اللوحات الأولى للنسخة المطابقة لمقبرة توت عنخ آمون. ناشيونال جيوجرافيك

بدت لمسات “جيتي” بالنسبة لي مبهرة. تحررت من غبار الصحراء، وشبّعت الأصباغ عيناي. لكن، كما في الجراحات البلاستيكية، بعد العلاجات لا تظل جيدة لفترة طويلة. وأخبرتني، لوري وونج، إحدى القائمات على العمل في المقبرة، أن شركة جيتي كانت حذرة جدًا عندما قامت بعمليات الترميم. لكن المفهوم العلمي لكيفية تأثير المواد المعالجة على الرسوم، يظل في حالة تغيّر. على سبيل المثال، أشارت دراسة في عام 2013، إلى أن اللاصق بارالويد (B-72)، والذي استخدم في طلاء الحوائط بمقبرة توت، يمكن أن يسبب “تغيرات لونية” في الأصباغ على السطح. بينما أشارت دراسة أخرى أن اللاصق يمكن أن يتسبب في محو الطلاء. في النهاية، كل تغيير مادي هو مخاطرة. وفي الغالب، السبب الأساسي في ترميم عمل فني هو معالجة عملية ترميم فاشلة. وقالت وونج إنها أزالت طبقات من لاصق B-72 التي تركت “سطحا لامعا،” وتسبب في ذلك محاولات إعادة تلوين سابقة.

رأيت ما كانت تبدو عليه مقبرة توت قبل بداية عمليات الترميم. استقر الغبار بين البروز في الجدران، وكانت هناك بعض البقع البكتيرية. دقت الساعة الخامسة في أثناء وجودي بالموقع، لكن اكتشفت أنني لا أقف في المقبرة الحقيقية. كنت بداخل نسخة بالحجم الطبيعي أنشئت بالقرب من المكان الذي يرقد فيه توت عنخ آمون. صُنعت النسخة من خلال تسجيلات للمقبرة عام 2009، بواسطة عدد كبير من الماسحات الضوئية تعمل لمدة أسابيع. بعد استخراج بيانات المسح الضوئي، تم تجميعها بواسطة جهاز كمبيوتر وتحولت إلى شكل مادي. العملية ذكرتني بفكرة صناعة الجداريات. في البداية تقام الجدران. ويتم تسجيل الطبوغرافيا الخاصة بالمكان، وتحدد كل نقطة طلاء بشكل منتفخ، ثم حُولت عبر كمبيوتر إلى شكل ثلاثي الأبعاد. ومن خلال التقنية ثلاثية الأبعاد تم محاكاة شكل الرسوم على سطح الجدران الأصلية. ثم تُلف هذه الجدران بطبقة مرنة تشبه مادة الجيسو (gesso). لتبدو في النهاية كجدران محنطة: لمسة مصرية رائعة.

الرجل الذي قاد مشروع النسخة المطابقة، إنجليزي يدعى آدم لوي، وكان معجبًا بالحوائط المزيفة في أثناء وقوفه بجواري. يحب لوي أن يطلق عليها “الحوائط المعاد تجسيدها”. وهمس بجواري: “رائع. تبدو كالحقيقية، أليس كذلك؟” عمره 57 عامًا، رسام سابق أصبح مهووسا بالطباعة في الثمانينيات والتسعينيات، ويدير شركة “فاكتوl  آرت” ومقرها مدريد. استغرق الأمر عامين حتى يستطيع لوي وبضع عشرات من الفنيين الآخرين إعادة تصنيع جدران توت عنخ آمون، وهو أكثر بقدر كبير من المدة التي صنع فيها المصريون القدماء الجدران الأصلية.

وقال لوي إن إتقان هذه المطبوعات الرقمية استغرق ساعات من عمليات إعادة التقييم: فقد تم دمج آلاف من النسخ المرسومة باليد، في الأقصر، وذلك لجعلها متشابهة مع الموجود بالمقبرة الأصلية.

تأسست  شركة فاكتوم عام 1998، وحينها كانت الطباعة ثلاثية الأبعاد أداة تسببت في ثورة كبيرة. جنت ملايين الدولارات من صناعة نسخ من تماثيل لفنانين مثل أنيش كابور ومايا لين ومارك كوين، والذين يطلبون أحيانًا مساعدات تكنولوجية لتحقيق رؤاهم.

نسختان من المسيح في العصور الوسطى: نسخة مطابقة خشبية بالكمبيوتر (على اليمين)، ونموذج مطبوع بالطباعة ثلاثية الأبعاد

عرف لوي أن مشروعه يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على الفنون. ومن أجل جمع الأموال للبدء في مشروعاته للحفاظ على الفنون وترميم بعضها، قرر تأسيس مؤسسة غير ربحية تحمل نفس اسم الشركة.

ويقول لوي إن نسخة مسجلة رقميا يمكن أن تعتبر “معلومات دقيقة” ومصدرا لإثارة مشاعر عميقة. لأن القطع الفنية يمكن مسحها ضوئيًا دون أي اتصال مادي، ويمكن لعملية الاستنساخ أن تحول جهود الترميم -من إعادة الرسم إلى الطلاء- إلى شكل أكثر رقيًا من فن الجرافيتي. كما يتمكن من خلالها العامة من الاقتراب شخصيا من أشياء كان من المستحيل لهم الاقتراب منها.

صنعت فاكتوم اسمها في عام 2007، بنسخة للوحة باولو فرونزه الأثرية “عرس قانا”، والتي أهداها نابليون للمتحف الجديد “اللوفر” بعدما استولى عليها من فينيسيا عام 1797. ولم يوضع مكان اللوحة شيئ في جدارية “ريفيكتوري” التي صممها بالادينو، حتى صمم لوي نسخته المقلدة في نفس البقعة مكان اللوحة القديمة.

إعادة إنتاج توت عنخ آمون، على مساحة حوالي 60 مترا مربعا، يفوق طموح مشروع عرس قانا، وهو أكثر المشروعات الرقمية المبشرة على الإطلاق. (أطلقت عليه قناة ناشيونال جيوجرافيك اسم “نسخة تناسب الملك”). التكنولوجيا التي تعمل بها “فاكتوم” تسمح بتسجيل الأشياء بنسبة تكبير 500%. ويقول لوي: “يمكنك دراسة العديد من الأعمال الفنية بعمق أكثر عن طريق البيانات التي سجلناها.”

بعض المختصين في حالة قلق. فتقول سيبيل إيبرت شيفرر، من معهد ماكس بلانك لتاريخ الفنون، في روما، إن صناعة نسخة من لوحة “قانا” أمر مفيد، لأنه يجعل بشكل ما عمل بالادينو متكامل. لكنها حذرت من أن الزائر “لن يعرف شيئًا عن اللوحة الأصلية،” مضيفة أن “العمل الفني ليس عبارة عن سطح، لكن طبقات عديدة وأصباغ متغيرة، جزء من شخصيته المتفردة ومن صانعه… من المرعب تخيل أن نواجه حشدا من الأعمال المستنسخة التي لا تتأثر بالعمر.”

ويقول عبد الجابر، مسؤول الآثار المصري، إن هذه النسخ لها مميزات. وأضاف أن السائحين في الأقصر يسمح لهم بزيارة المقبرة الأصلية لتوت عنخ آمون لمدة “10 أو 15 دقيقة”. ويتوقع علماء المصريات أن المكان الذي يرقد فيه توت عنخ آمون، مثل الآخرين في وادي الملوك، سيغلق في وقت ما أمام السائحين لحمايته من الدمار. لكن يمكنهم أن يلهثوا ويتنفسوا ما شاؤوا داخل المقبرة المزيفة، والتي بنيت تحت نفس الشمس الحارقة وبنفس الزاوية.

استغرق الأمر من لوي عامين وعشرات الفنيين لاستعادة جدران مقبرة توت عنخ آمون، المدة التي تعتبر أطول من التي استغرقها قدماء المصريين لإنشائها. نصبت النسخة المطابقة للأصل من المقبرة في مدينة الأقصر في ربيع عام 2014.

وأوضح لوي بعض الاختلافات بين مقبرة توت عنخ آمون الأصلية وبين النسخة المقلدة. أكثر ما يمكن ملاحظته هو أن المقلدة تحتوي على “إصلاح افتراضي” لجزء من الجدار الغربي. دمر هاورد كارتر هذا الجزء بشكل كبير حينما دخل الغرفة المغلقة. جزء كبير بحجم صخرة مفقود الآن، وكان قد تم تصويره بالأبيض والأسود بعد أن اكتشفه كارتر. قامت فاكتوم بعملية مسح ضوئي للصورة، ثم تلوينها، بمساعدة الألوان الطبيعية الموجودة بالمقبرة. وبوضع النموذج المصنوع للجزء المهدوم بالمقبرة المصنوعة، لاحظ لوي أن السطح تدهورت حالته تماما وهو دليل بصري على أن السياحة تدمر الحوائط التي صمدت لأزمان طويلة.

وقع لوي اتفاقيتين مع الحكومة المصرية لوضع نسختين على الأقل لمقبرتين أخريين بجوار نسخة توت عنخ آمون، ليخلِق واديا للملوك خارقًا للطبيعة.

كلفت النسخة المقلدة من مقبرة توت عنخ آمون أكثر من 600 ألف دولار. ودفعت شركة فاكتوم أغلب القيمة المذكورة. في عام 2014، تم تقديم النسخة للحكومة المصرية، كهدية. ونظريًا، يمكن لبيانات لوي أن يتم إعادة صنعها في أماكن أخرى في أي مكان. وعمليًا، وفقًا لحديث لوي، فيمكنه أن يصنع نسخا من المقابر فقط في الأقصر. فالحكومة المصرية تمتلك حقوق هذه البيانات، وقد تعتبرها سرقة ثقافية واعتداء على صناعة السياحة، لو صنعت نسخ في لندن أو دبي.

تحدث عبدالجابر أيضًا عن امتنان بلاده لشركة فاكتوم. وقال: “عندما نصنع نسخة مقلدة، يمكننا حماية شيء شديد الهشاشة- هذا أمر جيد لمصر وللثقافة.” ثم أضاف مبتسمًا: “الروسيون! يدخلون إلى المقابر ويتلمسون الألوان. تحدثنا في ذلك مع سفيرهم. لكن، مع وجود حارس واحد أو اثنين، لا يمكننا متابعة كل السياح.”

وأشار لوي إلى أن تعليم السياح لتأثيرهم على آثار الماضي، يمكن أن يجعل السياحة “قوة إيجابية في حماية الماضي.” يدرب المصريين على القيام بعمليات المسح الضوئي التي يجريها.

لا يعرف لوي بالتحديد كم ستبقى المواد التي تكونت منها نسخة توتن عنخ آمون المزيفة، لكن بياناته بلا فترة انتهاء. يمكن إعادة استخدام البيانات التي سجلها عام 2009 بعد مئة عام من الآن- وبجودة أعلى، لأن تكنولوجيا الطباعة الحالية ليست كافية لتسخير كل البيانات التي تم الحصول عليها من المسح الضوئي. ربما تلعب البيانات دورًا أيضًا في عملية الحماية: فمقارنة المسح الذي أجري عام 2009 بآخر في المستقبل قد يبرز معدل التدهور في المقبرة.

يمكنك الطيران إلى مدينة الأقصر والدخول إلى المقبرة المنسوخة التي صنعها لوي، لكنّ أيضًا هناك صورًا على الموقع الإلكتروني الرسمي لشركة فاكتوم. يمكنك أن تشاهد العديد من النسخ المقلدة للمواقع الأثرية القديمة، كان يقول لوي إن هذه النسخ بالتحديد “مرسومة باليد.”

أطلع الباحث البريطاني نيكولاس ريفيز، لوي على دراسة أعدها. مقبرة الملكة نفرتيتي، والذي يشك كثير من الباحثين أنها مخبأة في وادي الملوك، على الرغم من اسمه يحتوي على مقابر للنبلاء أيضًا. وقال عالم المصريات زاهي حواس، المعروف بمشروعاته البراقة، في حوار لقناة تلفزيونية، إنه أجرى مسحا ضوئيا لمقبرة توت عنخ آمون، وبحث عن المقبرة دون فائدة. كانت نفرتيتي الزوجة الرئيسية لإخناتون، ويعتقد أنها ماتت قبل وفاة توت عنخ آمون بعشر سنوات. عندما اكتشف كارتر غرفة دفن توت، وفقًا لدراسة ريفيز، فوجئ بكثير من الأشياء تكرم سيدة ملكية- بينهم تمثال لفرعون، بأثداء، يقف على ظهر فهد. يؤمن بعض الباحثين أن نفرتيتي ربما فرضت سيطرتها على الإمبراطورية المصرية بنهاية عصر إخناتون. وفي حديث لريفيز مع لوي قال إن توت عنخ آمون مات قبل أن تكون مقبرته جاهزة، وربما وضع في مدخل مقبرة أعمق.

ويصف لوي فاكتوم بأنها “مكان لإبداع لا وقتي.” تخرج لوي بتقدير مرتفع من كلية الفنون بروكسين بجامعة أوكسفورد، لكنه سعيد بالابتعاد عن أساليب قديمة الطراز في الحفاظ على الآثار. يرى نفسه قريبًا في الروح من مخرجي هوليوود على شاكلة جيمس كاميرون.

صارت الجامعات حاليًا متفهمة لعملية الإحياء الرقمية للآثار، فتعاقدت جامعة كولومبيا مع لوي للتدريس في مختبرها للصيانة. لكن لا يبدو أن فاكتوم قد تخسر ريادتها في الوقت القريب.

تقترب النسخة التي صنعها من الأسد المجنح من الانتهاء وموجودة في معرض للشركة في مدريد، وهو الذي كان يقبع لمدة تقترب من 3000 عام بأحد المواقع في مدينة نمرود بالعراق. في أبريل 2015، استولى مقاتلو تنظيم داعش على الموقع الأثري في مدينة نمرود. وبعد أيام قليلة نشروا مقطع فيديو يظهر تفجير الموقع بالكامل. ثم ظهر ملثمون بجوار أسد مجنح مثل النسخة الموجودة في مدريد، والتي صنعت لتكون نسخة من تمثال في المتحف البريطاني.

ليس وحده المتحف البريطاني بين المؤسات الغربية الذي يمتلك قطعا ثمينة من نمرود، فكثير من الكنوز تم إخراجها من العراق خلال القرن التاسع عشر خلال ذروة الإمبريالية المتعلقة بعلم الآثار. مع بداية حرب العراق، تواصل لوي مع القائمين على 5 متاحف تمتلك قطعًا من غرفة العرش الخاصة بالملك الآشوري أشور ناصر بال الثاني، وحصل على إذن باستنساخهم. تم عمل مسح ضوئي للأسد الموجود في المتحف البريطاني، ليلًا، واستغرق الأمر 5 أسابيع.

كانت خطة لوي تهدف لمساعدة المسؤولين عن المتاحف في العراق في صناعة نسخة مشابهة لغرفة العرش بأحد مكتبات الموصل. ثم انتهى من نسخ الأسد المجنح وأسد الصيد في عام 2014، بتكلفة حوالي 400 ألف يورو. وقال لوي: “أدخلناهم عبر تركيا ثم كردستان ثم إربيل إلى مكتبة الموصل.” ثم دمر داعش المكتبة والاحتمال الأكبر أنهم دمروا النسخ أيضًا.

لحسن الحظ، احتفظت فاكتوم بنماذجها. ويضيف لوي: “الرائع أننا يمكننا أن نرسل مجموعة أخرى.” سيتم الانتهاء من نسخة الأسد المجنح ثم نرسل نسخة بديلة للنسخة البديلة.

ومع تدمير داعش لكل آثار مدينة نمرود، قال لوي إن وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، أعلن نيته المساعدة في إعادة تجميع بقايا المدينة، كما حدث في أثينا. لكن لوي رأى أنه الأفضل للحفاظ على ماضي نمرود هو “إجراء مسح ضوئي لكل البقايا” وأشار إلى وجود نسخ من القطع الآثرية في متحف بيرجامون، في برلين، وخطط للبدء في الترويج لفكرته.

آلة حفر، بذراع روبوتية بستة محاور، تنحت داخل قطعة من الفن المعاصر. يقول لوي: “باستخدام التكنولوجيا الحديثة، الاجتزاء أفضل من الإضافة”

في الوقت الذي يفكر فيه لوي في الاستعادة الرقمية لمدينة نمرود، أشار إلى أن الأسد الموجود بالمتحف البريطاني تغير تماما عن حالته الأصلية. كان بلون معين على سطحه، لكن مع وصوله إلى لندن، في الخمسينيات، قام القائمون على المتحف ببريطانيا بوضع طبقة عليه، لصناعة نسخة منه مما تسبب في ضياع الألوان في عملية الصب. وقال لوي: “أصلي؟ أترى، لم يعد أصليًا أبدًا، مع مرور الوقت.”

هو واثق من أن تكنولوجيا فاكتوم الرقمية التي تنقل نسخة طبق الأصل لا مثيل لها. ورغم ترحيبه بالمنافسة فإنه يمكن أن يتأثر منافسوه، خاصة، معهد علم الآثار الرقمية، الذي أنشأه حديثًا روجر ميشيل في عام 2012. الأمريكي ميشيل احترافي في الفنون غير التقليدية. العام الماضي، وضع المعهد العناوين رئيسية وغلاف مجلة نيوزويك، بعد أن أنشأ، في ميدان ترفلجار، نسخة طبق الأصل من الرخام لقوس النصر الروماني الأثري في تدمر بسوريا، أيقونة أخرى دمرها تنظيم داعش. صُنع النموذج، حسب ميشيل، عبر جمع عشرات الصور الفوتوغرافية التي التقطها علماء الآثار والسياح قبل انقضاض الإرهابيين. ذهب لوي إلى لندن لمعاينة القوس، وشعر بأنه كان عمل غير متقن. قال غاضبًا: “بالنسبة للمبتدئين، هو ثلث الحجم الأصلي”. (حسب ميشيل، نسخة مطابقة في الحجم كانت لتكون ثقلية جدًا للعرض في ميدان ترفلجار). الأكثر من ذلك، قال لوي إن النسخة المطابقة للأصل غير دقيقة، بينما قال ميشيل إنه صنع القوس لأجل “جبر شعور الخسارة” الذي يشعر به السوريون.

أيد لوي ميشيل في شيء واحد، يجب تطويع السكان المحليين في التسجيل الرقمي للمواقع التراثية، كحماية ضد تحطيم الأيقونات الأثرية والتلف العرضي. ورغم ولع لوي بالليزر فإنه يمكن الآن إنشاء نسخ رقمية طبق الأصل متطورة باستخدام الكاميرات الرقمية (S.L.R)، إذا تم التقاط آلاف الصور من كل زاوية ممكنة بإضاءة متناغمة. تسمى هذه المنهجية (التصوير المساحي الضوئي). يمكن أن تحقق التكنولوجيا الحديثة مستوى دقة لمئات الميكرونات، والتي هي ما تستطيع العين البشرية النموذجية تمييزها على مسافة القراءة: “إذا استطعت الحصول على البيانات بنفس الجودة باستخدام الصور الفوتوغرافية، وليس الليزر، فإن عملية التسجيل ستكون أقل تكلفة وأكثر سرعة”.

بدأ لوي مشروعا لإيضاح كيفية عمل التصوير المساحي الضوئي السليم لموقع تاريخي. ويخطط العام القادم، إلى إرسال طائرة دون طيار مزودة بكاميرا فوق بعض القبور الحجرية الرملية في حدائق البتراء الأثرية بالأردن، وجمع البيانات لأجل نسخ مطابقة رائعة، وسيتولى عملية التسجيل مجموعة صغيرة من الأردنيين.

صعدنا بعض السلالم، وقادني لوي إلى غرفة صغيرة تضم أكثر اختراع واكتشاف ثمين لفاكتوم: الناسخ الضوئي لوسيدا (Lucida). التصوير المساحي الضوئي بارع في التقاط الشكل النحتي، لكنه أقل ملاءمة في تسجيل السطح الخارجي المصقول للوحات مرسومة قديمًا من فنانين تشكيليين في أوروبا قبل القرن التاسع عشر.

قال لوي إن الأمر  استلزم  من فاكتوم أكثر من عقد من الزمن لحل هذه المشكلة. صاحب هذا الاختراع هو الرسام الإسباني، مانويل فرانكويلو، الذي ساعد لوي في تأسيس فاكتوم. الاكتشاف عبارة عن مؤشر ليزر، محاط بكاميرتي فيديو، ويتم إنشاء خارطة طوبوغرافية. تعمل الكاميرتان بنظام تلتقط به صورًا مُعرضة قليلًا للضوء وأخرى مزيدة في التعريض للضوء، لضمان عدم فقدان أي تفصيلة. بالإضافة إلى شريط دعم معدني للسماح لليزر بتتبع مسار مستوى بضع بوصات من سطح اللوحة. يمكن للنظام أن يسجل الأجزاء الأكثر لمعانًا من المواد، بما في ذلك ورقة الشجر الذهبية في هالة بيزنطية. اشترى معرض لندن الوطني الاكتشاف، وبدأ بالمسح الضوئي لمجموعته الدائمة. واستخدم متحف ديل برادو “لوسيدا” لمسح “اللوحات السوداء” للرسام الإسباني فرانشيسكو جويا، منها لوحة “زحل يلتهم ابنه”.

“لوسيدا” سهلة في حزمها على متن الطائرة، سافر لوي حول العالم بواحدة منها لأجل تسجيل ستة عشر لوحة متفرقة لـ”the Polittico Griffoni، لوحة اكتملت في عام 1473، والتي زينت مرة كنيسة سان بيترونيو في بولونيا. رسم اللوحة في البداية فرانشيسكو دل كوسا، وجرى تفكيكها في عام 1725 وبيعت مكوناتها. يقول لوي: “أعتقد أن إذا كان بالإمكان رؤية اللوحة مرة ثانية معًا، سيعترف بها في النهاية بأنها واحدة من الإنجازات العظيمة لعصر النهضة”.

على سطح مكتب لوي، كان يوجد نسخة  مطبوعة من اللوحة المفضلة له، والتي تصور القديس جورج. لم توضع في إطار بعد، وما زال يمكنني رؤية الجيسو الأبيض على حواف المطبوعة. قال لوي: “هناك حاجة إلى الكثير من العمل على وجه اللوحة”. رغم التطور الذي أصبحت عليه مطبوعات النسخ المتطابقة فإنها ظلت معيبة في نقطة رئيسية: الطابعات توزع حبر، وليس طلاء زيتي، سامحة لمواد أخرى وحدها، مثل زيت الجوز، الذي يستخدمه الفنانون التشكيليون مثل رامبرانت على فرشاة الرسم. ويرتبط نسيج اللوحة ولمعانها بتكوينها المادي، وحتى الطابعات ثلاثية الأبعاد يمكنها محاكاة المواد المتنوعة التي طُبقت في الأصل على أقشمة، وانعكاس السطح للنسخة المتطابقة الرقمية ستكون متسقة على نحو مريب. وارى لوي هذه المشكلة قدر استطاعته عبر استخدامه لخدعه بصرية كلاسيكية، غطى نماذجه المطبوعة بطلاء من المستخدم في اللوحات القديمة التي تعود لفنانين من قبل القرن التاسع عشر. (لمعت النسخة المنقولة طبق الأصل للقديس جورج بدفء عندما وضعتها أسفل المصباح الموجود على مكتب لوي). كما تجري فاكتوم بعض التجارب مع الشركة الهولندية، أوسي، الرائدة في الطباعة ثلاثية الأبعاد. حيث ابتكر الباحثون هناك طابعة تستخدم حبرا خاصا يحاكي الجودة الانعكاسية للزيت والورنيش والرصاص. طابعة كهذه، التي يرشدها البيانات المتعلقة بكيمياء اللوحة، يمكن أن تسفر عن التقليد المطلق.

في عام 2018، تخطط فاكتوم لإقامة معرض من لوحة “Polittico Griffoni”، والتي يأمل لوي، أن تسافر عبر جميع المتاحف، كما يدرس تقديم نسختين من اللوحة، واحدة بالأجزاء كما تبدو الآن، وأخرى مع كل لوحة على حدة مستعادة رقميًا، حتى تتآلفان معا في صورة واحدة. مشروع كهذا، يمكن أن يكون التحدي الأكبر له لفكرة إعادة الإحياء المادية.

لكن حتى وإن اشترى كل متحف بارز هذا الاخترع،  لن تجعل الاستعادة الرقمية من لوي رجلًا ثريًا. ولحسن الحظ هذا الهدف ليس من أهدافه.  ولأجل أن يدفع لوي تكلفة مشاريعه المطابقة الفخمة، بسّط جذريًا حياته، قاد سيارة قديمة، وعلى مدى العامين الماضيين، لكن يكن لديه مكان دائم للعيش فيه، كان دائمًا يجري نسخًا ضوئيًا خارجيًا في فرنسا أو تشاد، وعندما قلت الأموال معه، لم يمانع في ترك شقته وتأجير أخرى في مدريد. مما دفع زوجته الأولى إلى تركه. بينما كان ابنه البالغ من العمر سبعة وعشرين عامًا، أكثر استعدادًا في الاندماج في دوامة مشروع فاكتوم، حيث ساعد في إدارة المنظمة غير الربحية. وفي وقت مبكر من هذا العام، تزوج لوي المعمارية شارلوت سكين كاتلنج. وقضيا إجازة في داغستان، حيث قام لوي بالنسخ ضوئيًا شواهد القبور الإسلامية من القرون الوسطى.

ومسحت فاكتوم ضوئيًا ثلاثا من لوحات الفنان الباروكي، التي من الصعب التقاط التناقضات الشديدة بين الضوء والظلام فيها بالتصوير الفوتوغرافي العادي. وهي اللوحات التي وصفت حياة القديس ماثيو، في كنيسة سان لويجي دي فرانسيس بروما. نُصبت النسخ المطابقة في مركز أبحاث في مدينة لومبارديا، التي منحت الفنان التشكيلي اسمه.

سُرقت واحدة من أشهر أعمال الرسام الإيطالي كارافاجيو، (المهد مع القديس فرنسيس وسانت لورانس) من كنيسة صغيرة في باليرمو عام 1969. بعدها بأعوام، قرر لوي أنه سيحاول إحياء هالة الكنيسة عبر إنشاء ما أسماه ” أداء كارافاجيو، برفقتي كدليل”. جمع لوي التفاصيل رقميًا من صور متعددة للمهد، بما في ذلك صورًا بالأبيض والأسود لإنشاء مجموعة بيانات مكتملة قدر الإمكان. كلف المشروع مئة ألف يورو، دفعها تليفزيون سكاي البريطانية، وقناة كابل الأوروبية اللذان صنعا فيلما وثائقيا عن سرقة اللوحة.

في نهاية رحلتي لمدريد، سافرت جوًا مع لوي إلى باليرمو لحضور رفع الستار عن المشروع. دخلنا الكنيسة عبر فناء كان مكتظًا بالصحفيين الأوروبيين ورئيس إيطاليا، سيرجيو ماتاريلا، وعمدة باليرمو الذين جاءوا لرؤية ” المهد” الجديد.

أقر لوي بأن مشروع المهد” أرض جديدة لفاكتوم. كان فعل مضاربة واستبصار ثقافي حول الحالة الأصلية لعمل فني.

قال لوي: “في أحلامي، أتمنى من  الأشخاص الذين سرقوا هذه اللوحة أن يشعروا بالقوة التي تنتج عندما يركز الكثير من الناس على أهمية شيء، وأهمية مكانه، وفي صباح ذلك اليوم، ستترك اللوحة الأصلية مطوية خارج الكنيسة”.

الماسح الضوئي “لوسيدا” أسهل في تشغيله، لكن صعب في حمله، أثناء نزولنا إلى مقبرة مصرية قديمة. المقبرة هي الأطول والأعمق في وداي الملوك. قال لوي: “ها قد وصلنا”، ونحن ننزل مع أربعة آخرين من السطح إلى بوابة معدنية أمنية. حيث كنا مصحوبين بأحد المسؤولين المصريين، الذي فتح البوابة. وأثناء سيرنا في الظلال، كان لوي مبتهجًا. انتظر لسنوات لنسخ مقبرة سيتي بوادي الملوك، قال: “كان من المفترض أن نذهب ونسجل في عام 2009، لكن عندما وصلنا هناك، كان زاهي حواس يزيل حطاما من ممر طويل في الجزء السفلي من المقبرة، لم يجد شيئا، لكن ملأ المقبرة كلها بالغبار”. قلت له أنت هنا الآن ولديك كل المعدات، ولكنني كنت خائب الأمل. لأن سيتي مقبرة كبيرة وهامة تحتاج إلى تسجيل . وتوت مقبرة شهيرة، لكنها ليست أكثر أهمية، واعترف لوي أن هذا الجدل المصيري أصبح أكبر هبة من الآلهة الفرعونية للعالم: “السحر العالمي بمقبرة توت عنخ أمون، والحماس المتتالي بشأن احتمال وجود مقبرة خفية لنفرتيتي، منح فاكتوم درجة من الأهمية لم يكن ليقدمها مسح مقبرة سيتي، رغم قيمتها”.

خلال العقد الأول من القرن العشرين، ظل لوي يطلب تسجيل مقبرة سيتي، لكنه واجه معارضة من المسؤولين المصريين، الذين وجدوا اقتراح لوي إما غريب أو مريب. قال لوي: “لكنني عنيد جدًا”.

 في مايو، بدأ لوي بمسح مقبرة سيتي ضوئيًا، بفهم أنه سيتم أيضًا تدريب مصريين في فن إنشاء النسخ المطابقة للأصل. عملت علياء إسماعيل، البالغة من العمر 27 عامًا، من سكان القاهرة القديمة، في مدريد لثمانية أشهر، بارعة في استخدام الماسح الضوئي “لوسيدا”، والتي كانت مستعدة لقيادة فريق من المصريين.

أحد أعضاء الفريق المصري يفتتح لوحة من النسخة المطابقة لمقبرة توت عنخ آمون. ناشيونال جيوجرافيك

سيتطلب المسح الضوئي خمسة أجهزة من “لوسيدا”، إذا كان مقررا إتمام العمل في خلال خمس سنوات. مقارنة بمقبرة توت عنخ آمون، مقبرة سيتي، كانت أكثر مقبرة رائعة الزخرفة في وادي الملوك، حيث كانت تحوي خمسين مرة من حجم السطح المطلي والمرسوم. لم يكتشف المقبرة عالم آثار لكن رجل من بادوفا، بلزوني العظيم. عندما كان يفتش عن كنز في وادي الملوك. في عام 1817، اكتشف بلزوني مدخلا على جانب تل، وبالداخل، يوجد سلالم.

تنحدر المقبرة إلى عمق يمتد لأكثر من أربعمئة قدم. ويوجد عشرة غرف متصلة. وعشرات الآلاف من الحروف الهيروغليفية محفورة بالنحت البارز ومطلية بألوان براقة، حيث تغطي حوائط تسعة غرف منهم. أما في الغرفة الأخرى، شاهد بلزوني آلاف الرسومات التمهيدية، خطوطا عامة باللون الأحمر صححها حرفي بارع باللون الأسود. هذه أول مقبرة مصرية يصور على كل حائط فيها زخارف، النمط الذي أصبح معيارا فرعونيا.

كانت تكريم يليق بسيتي الأول، الفرعون الحاكم الذي بنى واحدة من الأمجاد المعمارية لمصر القديمة: صالة الأعمدة الكبرى بمعبد الكرنك. والمقبرة، التي كتب عنها بلزوني في دفتر يومياته، بدت: “كما لو أنها اُنجزت توًا في اليوم الذي دخلتها فيه”، وأضاف: “تصبح الرسومات أكثر اكتمالًا كلما ازددنا تقدمنا في الداخل. لا تزال محتفظة ببريقها ولمعانها، ونوع الطلاء المستخدم فوق الألوان ذات التأثير الحسن”.

لكن لم تعد المقبرة في حالة بديعة. بعد اكتشاف بلزوني لها، حوّلت سيول مفاجئة غرفها السفلية إلى حمام سباحة، متسببة في تصدّع الكثير من نقوش النحت البارز بها. خلال القرن التالي، اخترق علماء المصريات الجدران لإزالة ألواح، سمحت بتسرب المياه الجوفية. في جميع أنحاء المقبرة، شاهدت آثار طيف هذه التذكارات: مستطيلات روثكو حيث الطلاء أقل كثافة. والقطع الضخمة من الرسومات الإلهية على السقف.

استهوت إحدى الغرف ذات النحوت البارزة بلزوني لدرجة أنه أسماها “غرفة الجمال”. كتب بلزوني: “عند الوقوف في منتصف هذه الغرفة، تحاط بمجموعة من الألهة والإلهات المصرية”. كان الدرج المفضي إلى الغرفة محاط بلوحتين تصوّر نفس المشهد: الآلهة حتحور ترحب بسيتي داخل نطاقها.  لكنّ اللوحتين منفصلتان الآن، واحدة موجودة في متحف اللوفر، والأخرى في متحف فلورنسا. أثناء نزولنا على السلالم، قال لوي: “لم تعد اللوحتان تشبهان أي شيء في باقي المقبرة. أصبحت خلفية متحف اللوفر باللون البيج، وهو لون لا تراه في أي مقبرة بوادي الملوك”.

أراد بلزوني المال والشهرة مقابل مجهوده. سحب تابوت سيتي من المرمر خارج المقبرة وباعه إلى الجامع والمعماري جون سواني في لندن. كما افتتح معرضا من مجموعة من النسخ المتماثلة بالقرب من ميدان بيكاديلي بلندن عام 1821. كان العرض مبهجًا وجعل من بلزوني رجلًا ثريًا. توفي بعدها بعامين، أثناء محاولته العثور على منبع نهر النيجر.

لم يرد لوي جني ربحًا من النسخ المطابقة  للمقبرة، بل أن تكون إنجازات تعبر عن التكنولوجيا الرقمية التي يستخدمها. تصل تكلفة النسخ الضوئي وإعادة تجسيد مقبرة سيتي إلى عشرين مليون دولار. وسيستخدم فريق فاكتوم الناسخ الضوئي لوسيدا على مستوى العين للنحوت البارزة والتصوير المساحي الضوئي لسقف المقبرة. وبدء ورشة في مصر سيساعد في إتمام المشروع بسرعة وتحويل الأموال داخل المجتمع المحلي.

قمنا بتثبيت المعدات داخل “غرفة الجمال” بالمقبرة. وأصدر المعدن الذي ارتطم بالأرض دويًا مشؤومًا. توجد إضاءة بدائية وأثرية في المقبرة، والتيار الكهربائي متقطع. أراني لوي في الجوار، لوحة للألهة حورس محتفظة باللون الأزرق والأحمر الغامق. قال لوي: “إنه الشيء الأكثر طبيعية لقوة استثنائية”. خطط لوي لأجل النسخة المطابقة للأصل من مقبرة سيتي إجراء مسح ضوئي ودمج البقايا الأثرية الكثيرة التي اقتطعت منذ يوم بلزوني. قال لوي: “حدد علماء للآثار المصرية من بازل بسويسرا مئات البقايا الأثرية المفقودة من المقبرة الأصلية”. “في جريفيث، معهد لعلم الآثار المصرية بأكسفورد. كما أنهم يبحثون عن القليل بعد”.

لا تزال غرفة الجمال تحمل اسمها، لكنها تبدو مخيفة جدًا. ويوجد بها بعض الأضرار أيضًا، في التسعينيات، شرع مركز البحوث الأميركي بالقاهرة في اختبار إعادة إحياء واستعادة للوحة تصوّر حورس، إله الأحياء، مقدمًا سيتي إلى أوزيريس إله الموتى. لم تطابق الألوان الصبغات القديمة المحيطة، كما كانت بعض التغييرات الأخرى تتلاشى بالفعل.

قال لوي، إن مسؤولين مصريين منحاوه الإذن بالمضي قدمًا في اقتراح المسح الضوئي لمقبرة ثالثة للملكة نفرتاري. وللاحتفاء ببداية مشروع مقبرة سيتي، نظم لوي حفلة لتعقد خارج النسخة المماثلة لمقبرة توت عنخ أمون، حيث أدى الموسيقيون عزفًا بينما شرب الضيوف شاي الكركديه البارد. وفي كلمة بالعربية، قال إسماعيل، أحد الموظفين المصريين لدى فاكتوم، إن مشروع المسح الضوئي: “غيّر الطريقة التي نرى بها الآثار المصرية”.

داخل مقبرة سيتي، نزلنا الغرفة ذات التصوير الجصي (الفريسكو) الإلهي. ذكرني الأزرق السماوي على السقف والطلاء الذهبي على الجدران بكنيسة بيزنطية. في الركن، يوجد كومة الفضلات من عشرينات القرن التاسع عشر. قال لوي: “هذه أضوية الكاميرات التي استخدمها هاري برتون، الذي التقط الصور الأولى للمقبرة”.

سألت لوي عن الفحص الجاري داخل غرفة دفن في توت عنخ أمون. منذ نوفمبر 2015، كان مسؤولون مصريون وافقوا على مزيد من التجارب، وكانت النتائج لا تزال غامضة. قيّم أخصائي فني رادار ياباني، هيروكاتسو واتانابي الجدران مستخدمًا رادارا مخترقا للأرض، وانتهى إلى أن وجود ” مواد عضوية ومعدنية” خلف الجدار الشمالي. لم تستطع تجربة واتانابي مع ذلك، إعطاء حس واضح بشأن كمية المواد المعدنية الموجودة هناك. ربما كانت معدات مكسورة، أو كومة من كنوز نفرتيتي. رفض زاهي حواس، نتائج واتانابي قائلًا إن “الرادار ليس علميًا”.

في مارس، بعثت الجمعية الجغرافية الوطنية “ناشيونال جيوجرافيك” باثنين من الخبراء الأمريكيين للقيام بتقييم باستخدام الرادار المخترق للأرض، الذين أبدوا الشك أن هناك أي غرفة سرية على الإطلاق. ومع ذلك، قدمت الجمعية البيانات للإنجليزي، جورج بالارد، الذي يدير شركة دولية تجري تحقيقات إنشائية شرعية. انتشرت الخبر أن بالارد اتفق مع تقدير واتانابي الأكثر تفاؤلًا.

بدأ مسؤولون مصريون بمناقشة حفر ثقب صغير خلف الجدار الشمالي، من زاوية غير مطلية مجاورة لغرفة الدفن، وإلقاء نظرة خاطفة  باستخدام كاميرا تعمل بالألياف الضوئية والبصرية. أي توغل يجب أن يكون دقيقًا: لدى العلماء الآن تكنولوجيا لدراسة كيمياء الهواء الذي كان محبوسًا داخل مقبرة مغلقة، وإذا سمح أي شخص بتسرب المعطيات الثمينة خارجًا ستكون فضيحة. أخبرني نيكولاس ريفس بأنه يأمل أن يفتح الثقب في النهاية، لكنه يقدّر منطق توخي الحذر: “لا يمكنك الحفر داخل مقبرة مثل جبنة سويسرية، لأنه تحتاج أن تكون واثقًا ومتأكدًا”.

في مقبرة سيتي، أخبرني لوي أن الجواب القاطع للغز لا يبدو وشيكًا. بعد تحطم طائرة مصر للطيران في مايو، يخطط عدد أقل من السياح لرحلات إلى مدينة الأقصر. وعلى الأرجح لن يتحرك المجلس الأعلى للأثار إلى الأمام حتى تهدأ المخاوف المتعلقة بالسياحة.

بدأ العامل الماهر، أبو غابة، في جمع لوسيدا. وقال لوي إنهم سيثبتون ماسحا ضوئيا ثانيا في الصيف، وفي الخريف، سيبدأ اختصاصي في التصوير المساحي الضوئي بفاكتوم بالعمل على السقف. كان إسماعيل وزميل إسباني له، كارلوس بايود، على وشك قضاء أشهر عدة  تحت الأرض لمراقبة شريط ليزر عبر الجدار. سألت بايود الذي أشرف على عشرات المسوحات الضوئية باستخدام لوسيدا، إذا كان أخافه البحث والتنقيب، لكنه قال: “لا.. إنه يمنحك الوقت أمام اللوحة، وقت لتقدير ما تشاهده”. في عصر المتاحف المزدحمة، تتيح الرقمنة تجربة نادرة للتواصل الخاص مع العمل الفني.

عندما دخل بلزوني العظيم إلى مقبرة سيتي، لم يتمكن بهائها من التعويض عن خيبة أمل كبيرة. لا يوجد أي كنوز داخل المقبرة سوى التابوت الحجري. قال لوي: “سيتي الأول كان فرعونًا أكثر شهرة من توت عنخ أمون، وعُثر على القليل من الأشياء الجنائزية الخاصة به. وأعتقد إذا تم العثور عليها، ستظهر في السوق السوداء، إن لم يكن في مجموعة في متحف، وهذا يعني احتمالية أنها مخفية في مكان ما”.

وأكمل لوي: “ولذلك فإن هذا المسح الضوئي هام بصورة خاصة. بالنسبة لتوت عنخ آمون، لم نكن حتى نتطلع للعثور إلى غرف إضافية. لكن السلطات المصرية أرادت منا مسحا ضوئيًا امقبرة سيتي الأول تحديدًا بسبب تكهن الكثير من الأشخاص بوجود غرف إضافية”،  “قبل أن نبدأ بصعود الخطوات المنحدرة للعودة إلى السطح، تاركين الماسح الضوئي لوسيدا في “غرفة الجَمال”،  حدقت في الجدران بعين مرتابة، لكن استحوذ علي انتباهي كل لون أثري هناك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى