سياسةفيديومجتمع

تطوّر آراء “الوسطيين” في العلاقة مع المسيحيين

تطوّر آراء رموز الوسطيين في التعامل مع المسيحيين

 rmoz

زحمة

توجهت أصابع الاتهام لا سيما خلال السنوات الأخيرة إلى دعاة السلفية المتشددين في أنهم وراء إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، أو أنهم كذلك وراء تنشئة أجيال من المتطرفين يتوجهون في النهاية إلى العنف أو القتل ضد المسحيين المصريين، وعلى الرغم من أن أصابع الاتهام تلك محقة فإنها تتناسى أحيانا دور رموز ما يطلق عليهم “شيوخ الوسطية والاعتدال” في تأجيج تلك الفتنة، ومنهم شيوخ مُنحوا مواقع كبرى في الإعلام الرسمي -التليفزيون والصحف الحكومية- لسنوات طويلة، وقد لا يكونون قد دعوا إلى العنف مباشرة ضد الأقباط، لكنهم أثاروا الكراهية والتربص ضدهم، ومنهم كذلك شيوخ لم يكونوا في مواقع رسمية لكنهم قُدموا طويلا في الإعلام أو في الأدبيات الإسلامية على أنهم شيوخ وسطية واعتدال.

غير أن ملاحظات أخرى ينبغي أن تضاف إلى ما سبق، فعلى حين جاء ذلك التحريض من شيوخ وسطيين في الماضي، فإن هؤلاء الشيوخ قد ورثهم شيوخ السلفية لا دعاة الوسطية الجدد، سيلاحظ القارئ في القائمة التالية أن معظم “شيوخ الوسطية” الذين أججوا التحريض الطائفي قد رحلوا عن دنيانا قبل سنوات، وبينما يواصل دعاة السلفية الأحياء تحريضهم، فإن دعاة الوسطية الجدد لم يعودوا يستطيعون -إما عن قناعة أو عن تغير مزاج الأجيال الجديدة- أن يواصلوا مثل هذا التحريض، و”جنحوا للسلم” في وصف العلاقة مع المسيحيين.

وقد تجنبنا في هذه القائمة اقتباس الشيوخ الذين احتلوا مناصب رسمية في الدولة، كشيوخ الأزهر أو دار الإفتاء، تجنبا لتدخل العنصر الرسمي والسياسي في الفتوى.

الإمام محمد الغزالي: ماذا يريدون؟

ghazali

في كتابه “قذائف الحق” الصادر منتصف سبعينيات القرن العشرين، يكتب الإمام محمد الغزالي، في الباب الثالث ما يلي تحت عنوان: ماذا يريدون؟

ويتابع الغزالي:

إذا أراد إخواننا الأقباط أن يعيشوا كأعدادهم من المسلمين فأنا معهم في ذلك، وهم يقاربون الآن مليونين ونصف المليون، ويجب أن يعيشوا كمليونين ونصف المليون من المسلمين.
لهم ما لهم من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، أما أن يحاولوا فرض وصايتهم على المسلمين، وجعل أزِمَّة الحياة الاجتماعية والسياسية فى أيديهم فلا.
إذا أرادوا أن يبنوا كنائس تسع أعدادهم لصلواتهم وشعائرهم الدينية فلا يعترضهم أحد.. أما إذا أرادوا صبغ التراب المصري بالطابع المسيحي وإبراز المسيحية كأنها الدين المهيمن على البلاد فلا.
إذا أرادوا أن يحتفظوا بشخصيتهم فلا تمتهن وتعاليمهم فلا تجرح فلهم ذلك، أما أن يودوا “ارتداد” المسلمين عن دينهم، ويعلنوا غضبهم إذا طالبنا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتعميم التربية الدينية فهذا ما لا نقبله.
إن الاستعمار أوعز إلى بعضهم أن يقف مراغما للمسلمين، ولكننا نريد تفاهماً شريفاً مع ناس معقولين.
إن الاستعمار أشاع بين من أعطوه آذانهم وقلوبهم أن المسلمين في مصر غرباء، وطارئون عليها، ويجب أن يزولوا، إن لم يكن اليوم فغدا.
وعلى هذا الأساس أسموا جريدتهم الطائفية “وطني”!

فقد قاطع الأقباط مكاتب تنظيم الأسرة تقريبا.

ـ ونفذوا بحزم خطة تكثير عددهم في الوقت الذى تنفذ فيه بقوة وحماسة سياسة تقليل المسلمين.. وأعتقد أن الأقباط الآن يناهزون ثلاثة ملايين أي أنهم زادوا في الفترة الأخيرة بنسبة ما بين 40%، 50%!
ـ ثم إن الأديرة تحولت إلى مراكز تخطيط وتدريب -خصوصا أديرة وادي النطرون التي يذهب إليها بابا الأقباط ولفيف من أعوانه المقربين، والتي يستقدم إليها الشباب القبطي من أقاصي البلاد لقضاء فترات معينة وتلقى توجيهات مريبة، وفي سبيل إضفاء الطابع النصراني على التراب المصري، استغل الأخ العزيز (البابا) “شنودة” ورطة البلاد في نزاعها مع اليهود والاستعمار العالمي لبناء كنائس كثيرة لا يحتاج العابدون إليها -لوجود ما يغنى عنها- فماذا حدث؟
لقد صدر خلال أغسطس وسبتمبر وأكتوبر سنة 1973 خمسون مرسوما جمهوريا بإنشاء 50 كنيسة، يعلم الله أن أغلبها بنى للمباهاة وإظهار السطوة وإثبات الهيمنة في مصر.
وقد تكون الدولة محرجة عندما أذنت بهذا العدد الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر..
لكننا نعرف المسؤولين أن الأخ العزيز “شنودة”! لن يرضى لأنه في خطابه كشف عن نيته، وهي نية تسيء إلى الأقباط والمسلمين جميعا..
وقد نفى رئيس لجنة “تقصي الحقائق” أن يكون هذا الخطاب صادرا عن رئيس الأقباط.
ولما كان رئيس اللجنة صاحب ميول “شيوعية” وتهجمه على الشرع الإسلامي معروفا، فإن هذا النفي لا وزن له، ثم إنه ليس المتحدث الرسمي باسم الكنيسة المصرية.
ومبلغ علمي أن الخطاب مسجل بصوت البابا نفسه ومحفوظ ويوجد الآن من يحاول تنفيذه كله.
نحن نريد الحفاظ على وحدة مصر الوطنية ونحن نناشد الأقباط العقلاء أن يتريثوا وأن يأخذوا على أيدي سفهائهم وأن يبقوا بلادنا عامرة بالتسامح والوئام كما كانت من قرون طوال.
وإذا كانت قاعدة “لنا ما لكم وعلينا ما عليكم” لا تقنع، فكثروا بعض ما لكم، وقللوا بعض ما عليكم شيئاً ما، شيئاً معقولاً، شيئاً يسهل التجاوز عنه والتماس المعاذير له!
أما أن يحلم البعض بإزالتنا من بلدنا، ويضع لذلك خطة طويلة المدى، فذلك ما لا يطاق، وما نرجو عقلاء الأقباط أن يكفونا مؤونته، ونحن على أتم استعداد لأن ننسى.. وننسى..

………………………

الشيخ الشعراوي:

تعايش لا حب، ويجب أن تستعيذ بالله من أن نصنع تصرفا يرضي عنا اليهود أو النصارى، لأنني إذا تصرفت تصرفا يرضي عني اليهود أو النصارى فإن هذا يعني بحكم الله علي أنني تبعت ملتهم.

…………………………..

زغلول النجار: يستفزوننا

نال الدكتور زغلول النجار شهرته  من خلال “دراساته” في ما عرف بـ”الإعجاز العلمي في القرآن”، لكن كان له كذلك نصيب في مساجلات مع المسيحيين، بعضها عقيدي وديني، وبعضها طائفي أيضا، فإثر هجوم مسلح شنه شخص وصف بأنه “مخبول” على عدد من كنائس الإسكندرية قبل عشر سنوات، قال الدكتور زغلول “إن الاستفزازات القبطية وراء التوتر الطائفي في مصر”، وقال في الحوار نفسه إنه لا يرى أبدا أن هناك مظالم بحق المسيحيين في مصر، ورفض بشكل قاطع أن يقر دستوريا حق المسيحي في تولي رئاسة مصر مثلا، وتساءل “كيف لأقلية صغيرة أن ترأس البلاد”؟

zghlol

…………………………

خالد الجندي: بابا محمد لا بابا نويل

ووبالانتقال من الراحلين إلى  الأحياء، وعلى الرغم من أن الشيخ خالد الجندي لا يحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، فإنه يجيب على طفل يسأله عن جواز الاحتفال بالكريسماس وبابا نويل، قائلا له: تعالى نحتفل بـ “بابا محمد” ، ولو سمحتوا يا أتباع محمد ابعتوا ليوسف (اسم الطفل) هدايا في المولد النبوي نحتفل كلنا ببابا محمد “ونكتب على الهدية هدية من بابا الرسول محمد”، هل فهمتم ما بين السطور؟

……………………

 العصا من “الوسط”

ومن مصر إلى أوروبا، حيث يقترح الشيخ حسين حلاوة “الأمين العام لمجلس الإفتاء الأوروبي” اقتراحا مختلفا، فيقسّم حلاوة الأعياد إلى نوعين، أعياد وطنية يجوز فيها الاحتفال والتهنئة مع المسيحيين، وأعياد دينية، وتلك يجوز فيها تهنئة المسيحيين، ولكن “لا يجوز الاحتفال معهم”.

……

عمرو خالد: نصارى نجران

ويتخذ عمر خالد، الداعية الذي لم يعد شابا اليوم لكنه بمثابة الأب الروحي لعدد من الدعاة الشباب، موقفا أكثر تقدما إذ لا يتوقف عند تهنئة المسيحيين فقط بأعيادهم، بل يذهب إلى جواز حضور تلك الاحتفالات في الكنائس، استنادا إلى استضافة الرسول لنصارى نجران في المسجد النبوي.

……………..

مصطفى حسني: حب

ويصل الداعية الشاب “العصري” مصطفى حسني إلى حد ضرورة “الحب” بين المسيحي والمسلم، وهو تصور يشاركه فيه دعاة آخرون من جيله مثل معز مسعود، وهو ما جلب عليهما سخطا أكبر لا من السلفيين فقط بل من قطاعات من المحافظين بشكل عام.

ويمكن القول، إن الإرهابيين، سواء مرتكبي الهجمات بالتفجير أو بالاغتيالات أو غيرها، أو حتى مرتكبي العنف الطائفي من الكنائس، يصعب أن يستندوا اليوم إلى آراء أو فتاوى “الوسطيين” أو الاستعانة بشهادتهم في المحكمة كما جرى حين طلب دفاع قتلة فرج فودة شهادة محمد الغزالي التي أدلى بها في المحكمة فأيّدهم بالقول بأن الأمة تعطل الحدود وإن القتلة نفذوا الحد في رجل “فودة” وضع نفسه في حكم المرتد، وإن كل خطئهم أنهم افتأتوا على حق الأمة في إقامة حد معطل.

لا يمكن لإرهابيي اليوم الاستعانة إذن بآراء “وسطيي” اليوم،  لكنهم ما زالوا يستطيعون الاستعانة بآراء مشايخ الأمس، كما أن شعبية “وسطيي” اليوم، لا تقارن على أي وجه بشعبية الشعراوي والغزالي فضلا عن الأشد تشددا كالشيخ كشك.

…….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى